تقبل المواسم ثم تدبر بمشيئة الله تعالى، نستقبلها ثم نودعها، وبين الإقبال والإدبار والاستقبال والتوديع جهد يومي متتابع، وإنَّ أرفع المواسم شأناً وأقربها إلى النفس قدراً وأحبها إلى الصغير والكبير والمثقف والأمي موسم ـ لا ككل المواسم ـ ألا وهو الموسم الدراسي الذي سيكون افتتاحه هذه السنة قريباً إن شاء الله، وحتى يكون هذا الافتتاح موفقاً؛ فإنَّ وزارة المعارف قد استعدت كل الاستعداد لمثل هذا اليوم البهيج بكل ما يلزم من الحزم والجدية برمجة وتخطيطاً، تنسيقاً وتوثيقاً، فالكل من موقعه على قدم وساق مغرق في توفير الكتب المساعدة والمناهج الملائمة لتكون لدى المتعلمين والمعلمين في أحسن الظروف، إضافة إلى ما يبذل من جهد وعدل في مستوى تعيين الإطار التربوي الساهر على تطبيق البرامج وتنفيذ السياسة التربوية الرشيدة بالمملكة. وأمام هذا الكم اللامحدود من الدعم مادياً وأدبياً وتكوينياً ماذا ينتظرنا نحن كمربين معلمين ومشرفين وموجهين وكيف يمكن أن نحقق نجاحاً ولو نسبياً منذ الخطوات الأولى من الممارسة الفعلية للعمل التربوي بتوفيق من الله وعونه؟ إنَّ العدة التي ينبغي أن نعدها متعددة الجوانب متكاملة في شموليتها ومدتها:
أـ الجانب النفسي: أن يكون المربي قد تهيأ نفسياً كل التهيؤ لاستقبال أبنائه الطلاب بقلب منشرح ودع عنه عبء الالتزامات الخاصة والهموم الذاتية والمشاغل الشخصية ليتفرَّغ كل التفرغ لهذا الأمر الجلل، فيكون التلاقي حتماً تلاقي الراشد بالمترشد، تلاقي الأب بابنه بعد عودة من سفر؛ ليواصل معه العطاء والرعاية والمؤانسة.. وبمثل هذه الخطوات الأولى الهادئة والمشحونة وجداناً وأملاً يكون الاستقبال قد مهّد لغرس نافع خصيب لتكون النبتة بعون الله ثمَّ بفضل كل ذلك قد شقت طريقها نحو الازدهار، فالإثمار، وهكذا يتجدد اللقاء وتولد التلقائية والمبادرة وينبثق الحوار العفوي الطريف، فتصفو النفوس وتستعد للتلقي والتفاعل من جديد في محيط نقي مليء بالود والانشراح.
ب ـ الجانب العملي: يمثل هذا الجانب العتبة الثانية التي يطؤها المربي بعد أن تهيأ نفسياً للحظات اللقاء الأول، ولا شك أنَّ الشحن النفسي والاستحمام الروحي سيأخذانه إلى المزرعة، إلى الفصل حيث البذل والعطاء، وقد أخذ معه أدوات عمله واستكمل مخططاته وفكر في وسائله وأجهزة علاجه حتى يتمكن منذ البداية من تعهد وترميم ما يلزم ترميمه ومعالجة ما تتوجب معالجته قبل أن تحدث الانطلاقة الأولى في التعامل مع الجديد من البرامج والمحتويات الدراسية.
ج ـ الجانب التقني والإبداعي: لا شك أنَّ هذا الجانب يكمل ويدعم الجانبين الأولين الأساسيين ويميزهما ويضعهما في أعلى المراقي، وإنَّ هذا المطمح الذي يتوق إليه الجميع لن يتيسر إلا إذا فكرنا في تغيير طرقنا وأساليب تعاملنا مع الطلاب مهنياً ووجدانياً وأمعنا النظر في الوسائل المتاحة والوسائط المعتمدة لغاية تحقيق ممارسة تعليمية تعلمية فاعلة نافذة تفضي أساساً إلى مردود تربوي أفضل وأعمق، ولست مغالياً إن قلت إنَّ طرق التواصل والتبليغ لهي بيت الحكمة وبيت الداء في نفس الحين، فهي السيف ذو الحدين، فإذا أحسنا استعمالها ـ أي الأساليب والطرق ـ حققنا ما نصبو إليه من نجاحات وتفوق على مختلف الأصعدة، وشققنا الطريق نحو الإبداع وتقديم الطريف. وبقدر ما نتحكَّم في آليات التطوير التربوي تطويعاً وتكييفاً وتسييراً وتنفيذاً لمواءمة مع الاختيارات الواقعية والخصوصيات الموضوعية بقدر ما نضمن يقظة للفكر ومستوى أرفع وأكثر تألقاً وأجدر بالإبداع والتميز.. والحمد لله. وبهذه الحال تلتقي هذه الرؤى والتطلعات مع الأهداف التي رسمتها وزارة المعارف في شأن التطوير التربوي وتفعيل آلياته في ظل الالتزام الكلي بالشريعة السمحاء والاستمساك بالمنهج الرباني وفي كنف حرية مسؤولة تتواءم مع النظام التربوي بالمملكة والواقع المعيش.
وإننا جميعاً مدعوون إلى الانخراط ضمن هذه المنظومة التربوية فاعلين ومتفاعلين بشكل تعاوني تعاقدي حتى نكون قد اضطلعنا بالمسؤولية الجسيمة المنوطة بعهدتنا مسؤولية تربية أجيال عربية مسلمة قلباً وقالباً توَّاقة إلى الإبداع والتألق فكراً وصناعة وعلماً.
دـ الجانب العلائقي: هو الجانب الذي يعكس الحس الاجتماعي الذي جبلنا عليه وحتى نرقى به إلى ما يرضي ربنا ويتطابق مع الرسالة الملقاة على أعتاقنا، يستلزم الموقف التربوي حسن استغلاله وإحكام تصريفه وتوظيفه ضمن معاملاتنا اليومية خير توظيف، ولا سيما في الحقل التربوي الذي تفرض علينا طبيعته تعاملاً يليق بالخلق الحميد والسلوك الرشيد، تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم وبصحابته رضي الله عنهم، فنرأف بالصغير ونوقر الكبير ونحترم مرؤوسينا ومنظورينا وأولي الأمر منا ونحب لغيرنا ما نحب لأنفسنا.
نسأل الله عزّ وجل أن يوفقنا إلى أقوم السبل والتحلي بما يشرف دورنا التربوي من الأخلاق الفاضلة الكريمة تأسيساً لمناخ علائقي دافئ وهادئ.
عدد زيارات الموقع
33,525
ساحة النقاش