خلق الله سبحانه وتعالى الخَلْقَ لغاية مقدرة وبحكمة بالغة، فلأرض مهيأة تماماً لعيش الإنسان عليها، وقدر الله فيها أقواتها وأقوات المخلوقات الأخرى عليها. ـ وفي هذه البيئة الأرضية المعجزة أنزل الله المخلوق المعجز آدم وزوجه قائلاً ) فأما يأتينكم مني هُدىً فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ([طه: 123]. ولم يترك الله الإنسان هملاً أو سدىً، بل زوده بفطرة سليمة تؤهله، إن لم تفسد، لمعرفة الخالق «كل مولود يولد على الفطرة»، وزود الله الإنسان بعقل عجيب وأمده بوسائل إدراكه من سمع وبصر وشم وحواس أخرى، وجعله قابلاً للتعلم وبناء الحضارة وتعمير الكون واستغلال نواميسه ثم أرسل له الرسل لهدايته إلى العيش السليم في البيئة الأرضية الصالحة بالسلوك القويم. وجعل الله الدنيا رغم فنائها مزرعة لحياة أبقى وأفضل وأيسر وأعدل، فهو سبحانه أوجدنا في الدنيا لنعمل ونكد ومن ينجح في هذه الدنيا يكافأ بالنعيم المقيم في الباقية ) إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً ([الكهف: 7] والعمل الصالح كما قال المفسرون يتضمن العمل بشرع الله كله من عبادات ومعاملات وأخلاق، ومن العبادات والمعاملات: الصلاة والصيام والزكاة وتعمير الكون «ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة» حديث رواه البخاري في باب الغرس والزرع. الفهم الصحيح لسلفنا الصالح: لقد فهم سلفنا الصالح هذا ففتحوا الدنيا وسخروا نواميس الله في الخَلق فبنوا حضارة إسلامية جمعت بين الجوانب الأخلاقية والجوانب المادية في اتزان عجيب، حضارة مزجت الدنيا بالدين والعلم بالعمل والعقيدة بصواب العمل فهزمت الحضارة الإسلامية حضارة فارس والروم ووصل المسلمون بدينهم إلى الصين وأسبانيا وأمريكا وجنوب إفريقيا وبنو المساجد والمراصد والمدارس، ودور الأيتام، والمستشفيات والمصانع والمزارع وحموا النبات والحيوان والبيئة من الإفساد.

الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل:  عبر المسيرة الإسلامية الطويلة لم يهدأ شياطين الإنس والجن فحاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوا صحابته ولكن وعن المسلمين وفهمهم الصحيح لدينهم كان دائماً لإعلائهم بالمرصاد. ـ وعندما فهم البعض من الصحابة فأرادوا تحويل الدين إلى الكهنوت فقالوا: نصوم ولا نفطر ونقوم الليل ولا ننام، ونختصي ولا تنزوج. بين لهم صلى الله عليه وسلم أن هذا ليس من هديه وقال: «فمن رغب عن سنتي فليس مني». وعلى هذا الأساس المتين بنى المسلمون حضارتهم الزاهرة.

 لويس التاسع عشر والكيد للمسلمين: عندما هزم المسلمون الصليبين في دمياط وأسروا لويس التاس عشر وسجنوه في دار ابن لقمان بالمنصورة فكر في خطة خبيثة تخرج المسلمين من دينهم إلى التأويل الفاسد ومن العزة إلى الذل ومن النصر إلى الهزيمة فكانت البهائية والبابية والصوفية وإسقاط الخلافة الإسلامية، واستعمار الديار الإسلامية وحبس الدين في المساجد وحلقات الذكر (الرقص) الصوفي وظهر من يساند الاستعمار والهزيمة باسم الدين وكانت السياسة الدنلوبية في الديار الإسلامية.

صوفية الدليل: علم أعداء الله أن في الإسلام قوة دفع ذاتي معجزة، وأنه لن يموت بموت جيل فالقفوا حول الصحوة الإسلامية وأوجدوا صوفية جديدة هو صوفية الدليل، فعندما كشف المسلمون الصوفية البدعية التف أعداء الله على المسلمين وأوجدوا لهم صوفية جديدة منطلقة من التأويل الفاسد للأحاديث الصحيحة والفهم الخاطىء للعلاقة بين الدنيا والدين والآيات الكونية في القرآن الكريم وآيات العبادات فافهموا طبقة منا بشياطينهم أن الإنسان وجد في هذه الدنيا ليعمل للموت فقط وللقبر فقط، وظهر فكر التفكير والهجرة وعزل المرأة المسلمة عن الحياة وعزل المسلمين عن العلم الكوني وتعمير الكون. ـ قال عدنان عرور في الواقع المؤلم: فبسبب طول العهد، وبعد الأمر، وإهمال الدعوة أصبح بعض المسلمين يقهمون الإسلام فهم النصارى لدينهم، أنه دين عبادة وأخلاق ليس إلاَّ، ووجد آخرون يفهمون أنه دين أفكار وكلام لا دين عبادة وأعمال، فترى المفكر فيهم طليق اللسان قوي البيان في دفاعه عن الإسلام، ورد شبه الخصوم وأما العمل فلا يكاد يقوم بالأركان (ص 98). وقال أيضاً: وترى آخرين قد اهتموا بجزئيات الدين، وأهملوا الأصول والقواعد وربما اختلفوا على سنة، وتشاققوا في مندوب وينزغ الشيطان بينهم ليفرق شملهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً (ص 30). اهـ ومن يطلع على العديد من الدروس الدينية والمحاضرات والأنشطة الدعوية لهذا الفريق يجد أن معظمها يجسد فكرة البعد بالدين عن الحياة والواقع والتقاط ما يرونه صالحاً لدعوتهم من هنا فإن معظم دعوتهم عن البعث والجن والمس، والقبر، والأقرع والزواج، والطلاق، والغسلب والجنابة والعجب، ويأجوج ومأجوج والدار الآخرة لتجسيد منهج البعد بالدين عن الحياة. ـ ومع إقرارنا الكامل بأهمية ما سبق ولكن كما قال عدنان عرور هذا وقوف عند الجزئيات. ونحن نقول وهذا أوان ذهاب العلم كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم. الرسول يحذرنا من ذلك: وقد حذرنا رسولنا الكريم من ذلك فعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر شيئاً وقال: وذاك عند أوان ذهاب العلم، وفي لفظ هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدرونعلى شيء منه. قال زياد: يا رسول الله وكيف يختلس منا، وقد قرأنا القرآن، والله لنقرأنه ولنقرئنه نسائنا وأبنائنا. فقال صلى الله عليه وسلم: ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم؟. أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الترمذي. قال عدنان عرور: وفي هذا الحديث العظيم دلالة صريحة على أن علة المسلمين ليست فقدان الكتاب والسنة، ولكنها فقدان الفهم الصحيح لهما والعمل الصادق بهما. الخلاصة: هل يتصور عاقل أننا خلقنا وولدنا للموت والقبر وإهمال تعمير الكون؟. ـ أين العمل بنواميس الله في الخَلْق؟. ـ أين فقه إحياء الموات من الأرض؟. ـ أين أحاديث الزراعة حتى ولو قامت القيامة وفي يد أحدنا فسيلة فليزرعها؟. ـ أين آيات الدَّين والتجارة وتحريم الربا؟. ـ أين آيات الحكم بشرع الله والسياسة الشرعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟. ـ من أين نأكل ونلبس وكيف نسكن ونركب؟. ـ عدونا يصمم الأزياء لبناتنا ونسائنا وأخرجهم من عفتهم ولباسهم الشرعي. ـ غُزِينا بالفضائيات والمسلسلات والندوات والمؤتمرات والدياياث والجينات والانترنيت وما زال فينا من يبعدنا عن تعمير الكون بشرع الله ويريد أن نولد لنموت بفهمه الخاطىء لشرع الله.

  • Currently 65/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 567 مشاهدة
نشرت فى 10 يوليو 2007 بواسطة madaa22

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

33,609