أحمد منصور ـ الجزيرة توك

 " إن تحويل الأراضي الصالحة للزراعة إلي إنتاج محاصيل يكون مصيرها إما الحرق أو إنتاج الوقود يرقى إلي جريمة ضد الإنسانية " هذه الصرخة وهذا الاتهام الواضح الذي أطلقه جين زيجلر المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء في مقر المنظمة في نيويورك في أكتوبر الماضي لخص ما تقوم به الولايات المتحدة وأوروبا والدول الصناعية الكبرى التي تحتكر زراعةالحبوب و الغذاء وتسيطر علي أغلب نسب الإنتاج العالمي ،من تحويل مضطرد لكل الفائضمن هذه المحاصيل ليصبح وقودا حيويا وبديلا للنفط ومصادر الطاقة الأخرى ، واتهام زيجلر يأتي في إطار الأرقام الرسمية المعلنة من أن عدد الجوعى في العالم يبلغ 845 مليون شخص حول العالم ..

، وأنه في الوقت الذي أصدر فيه الاتحاد الأوروبي قرارا يقضي بضرورة أن يمثل الوقود الحيوي 10% من إجمالي الطاقة التي تستخدمها الدول الأعضاء في حركة النقل بحلول العام 2020 . 

وفي الوقت الذي بدأت فيه الولايات المتحدة بالفعل إنتاج الوقود الحيوي من فائض الحبوب الذي كانت تصدره إلي الدول الأخرى ، ففي العام 2007 قامت الولايات المتحدة بتحويل 24 % من محصول الذرة القياسي إلي إيثانول ويقول الخبراء إن هذه النسبة سترتفع إلي 30% في غضون عامين بعد أن وقع الرئيس الأمريكيقانون الطاقة الأمريكي الجديد في 19 كانون الأول ديسمبر الماضي ، ولنا أن نتخيل أن مليء تنك دبابة أمريكية واحدة من الأيثانول يكفي إطعام شخص واحد من الذرة طيلة عام كامل ، وهنا تأتي إشارة زيجلر إلي أن ما يحدث هو جريمة ضد الإنسانية ، فقد أكدت منظمة الأغذية والزراعة الفاو في تقريرها السنوي الذي نشر في يوم الغذاء العالمي فيمنتصف أكتوبر الماضي 2007 بأن عدد الجوعى في العالم قد بلغ 854 مليون جائع ، وأشارت تقارير مختلفة إلي أن عدد الأطفال الذي يموتون يوميا من الجوع يبلغ ستة آلاف طفل بمعدل طفل كل خمس ثوان ، مما يؤكد ما يقوله زيجلر من أن قيام الدول الكبرى بحرق الغذاء أو استخدامه فى الطاقة في الوقت الذي يموت فيه طفل من الجوع كل خمس ثوان هو جريمة ضد الإنسانية ، وفي تقرير نشرته وكالة رويترز في 27 ديسمبر الماضي 2008 نقلاعن بورصة مجلس شيكاغو للتجارة وهي تعتبر المقياس العالمي لأسعار القمح والذرة والأرز وفول الصويا

أسعار القمح قد ارتفعت بنسبة 90% أما فول الصويا فقد ارتفعت أسعاره بنسبة 80% والذرة 20% وإن هذه الأسعار مرشحة للارتفاع حيث سيكون العام 2008عاما كارثيا ليس علي منتجي الحبوب ولكن علي الدول التي تستوردها ، وفي تقرير أصدرته في ديسمبر الماضي منظمة الأغذية الزراعة للأمم المتحدة " الفاو " جاء فيه أن سورياهي الدولة العربية الوحيدة التي تصدر القمح بينما مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم ، ويشير الخبراء إلي أن الدول التي لا تنتج غذاءها لا تملك قرارها ، كما أن كثيرا من الدول حتى الفقيرة تنظر إلي القمح علي أنه محصول استراتيجي يجب زراعته وتوفيره محليا مهما كان الثمن ، وأذكر في حوار تليفزيوني لي كان مع رئيس الوزراءالمصري السابق عاطف عبيد حينما سألته عن أزمة القمح في مصر فقال بفخر " نحن نصدرالبطاطس " ، والآن تواجه مصر أزمة كبيرة تزداد يوما بعد يوم بسبب نقص المحزون وعدم تشجيع الفلاحين علي زراعة القمح ففي الوقت الذي يتم شراء طن القمح بالعملة الصعبة وبمبالغ كبيرة يدفع للفلاح المصري الفتات حتى ينصرف عن زراعة القمح إلي محاصيل أخرى فى الوقت الذي تقدم فيه الدول الغربية دعما كبيرا للفلاحين حتى تظل هذه الدول تسيطرعلي قرار الذين لا يزرعون غذاءهم ، لقد عادت طوابير الخبز مرة أخرى أمام المخابز في مصر تلك الطوابير التي لا تعني كثيرا هؤلاء الذين يعقدون الصفقات الكبرى للقمح بأسعار مضاعفة بينما لا يشجعون الفلاحين المصريين علي أن يزرعوا القمح حتى لا تظل أمريكا هي التي تطعم الشعب المصري وتستطيع أن تمنع القمح عنه في أي لحظة ، وقد أشار تقرير الفاو إلي أن قلة الغذاء في بعض الدول أدي إلي وقوع اضطرابات وأن هذا الأمر مرشح للزيادة في بعض الدول ، و أشار التقرير الذي نشر في 22 ديسمبر الماضي إلى أن النسبة الأكبر من عبء ارتفاع أسعار الحبوب ونقصها سوف يتحمله الفقراء وتحديداالمجموعات السكانية ذات الدخل المنخفض ، لقد وصل مخزون القمح الأمريكي في العام 2008 إلي أدنى مستوى له منذ ستين عاما ، أما مخزون الشعير فقد وصل إلي أقل مستوي له منذ أثنين وأربعين عاما ، وإذا كانت ما تقوم به الولايات المتحدة والدول الغربية هو جريمة ضد الإنسانية كما وصفه زيجلر فإن الجريمة الأكبر هو ما تقوم به الحكومات القادرة علي إنتاج الحبوب والغذاء ثم تمارس ضغوطا علي الفلاحين حتى لا يزرعوا القمح ويفخر المسئولون عنها بأنهم يصدرون البطاطس بينما يصرون علي استيراد الحبوب والغذاء، إنها جريمة أكبر ضد شعبها.

  • Currently 147/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
48 تصويتات / 373 مشاهدة
نشرت فى 29 يناير 2009 بواسطة lopez

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

701,633