وائل السمرى
بابتسامته البلهاء التى لم يعد أحد يتحمل رؤيتها، ختم الرئيس الأمريكى جورج بوش مؤتمره الصحفى مع نورى المالكى رئيس وزراء العراق، بحثا ما بحثا، واتنفقا على ما اتفقا، قالا ما قالا من الكلام الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع، وقاما بأداء المشهد الأخير من تمثيلية الود المتبادل بين العراق وأمريكا، وفى نهاية المؤتمر كانت المفاجأة التى لم يتوقعها أحد، فبعد أن قال بوش لحضور المؤتمر "شووكران جغزيرا"، يقصد شكراً جزيلاً، لإيهام الحضور بأنه يتكلم لغتهم ومن ثم يكسر حدة الجفاء بينه وبينهم، قام قام مراسل قناة البغدادية، الصحفى منتظر الجيدى برشقه بفردتى حذائه واحدة بعد أخرى، قائلاً "هذه قبلة الوداع يا كلب".منتظر الجيدى الذى كان واقفاً بين الصحفيين يؤدى مهمته الإعلامية لم يستطع أن يمنع شعوره، ويكبته بحياده الصحفى المفترض، ولم يقدر على أن يودع الجلاد بابتسامة، وإن كان السفاح لا يعرف إلا القتل والتخريب، فلا لوم على الضحية أن رفسته بقدميها أو رمته ببصقة، وكانت بصقة "منتظر" الجيدى متجسدة فى حذائه الطائر، الذى وإن كان لم يصب وجه بوش، مثل رفسة الضحية التى لن تثنى السفاح عن إجرامه، إلا أن حذاء "منتظر" أخبر بوش بصدق فاتن ما يكنه الضحايا العراقيين له من مشاعر، يزيفها السياسيون المدجنون ويخبرونه بأن الشعوب العربية تنظر له، باعتباره "مبعوث الرحمة المنتظر" وهذا ما نفاه "منتظر".
"منتظر" كان منتظرًا لحظة الفكاك من أسر "الغباء البوشى" والوحشية "البوشية"، وقرر أخيراً أن يتنازل عن الصفة التى منحها اسمه إياها، ولم يتردد فى التعبير عن مشاعره تجاه رئيس أكبر دولة فى العالم، وقرر أن يقول للمجرم "أنت مجرم يا كلب"، وكما قرر أن يتنازل عن الصفة التى منحها اسمه إياها قرر أيضاً أن يتنازل عن حياده الصحفى فى تغطية الأحداث، فكثيرون منا يخطئون فى تقدير مدى الالتزام المهنى، ويعلون من شأنه على حساب المشاعر الإنسانية، وكيف يلتزم الحياد من يرى وطنه يمزق، وممزقه يبتسم.
الهدف من رمى حذاء "منتظر" لم يكن الإهانة فقط، بل الإهانة والألم، وهذا ما يدل عليه تصميمه على إصابة وجه بوش، ولم يكتف بقذف فردة حذاء واحدة، بل حينما رأى أن رميته الأولى لم تصبه أراد أن يعالج فشل الأولى برمى الثانية، ففشلت أيضاً، وعلى الرغم من تمنى الكثيرين بأن يصيب الحذاء بوش، إلى أن هذا الفشل منحنا تفاصيل كثيرة ذات مغزى، فها هو رئيس أكبر دولة فى العالم يخاف من حذاء طائر، كطفل صغير تلوح له بالعصا، وها هو نورى المالكى يمارس مهنته الأصيلة فى حماية الرئيس الأمريكى من حذاء منتظر، متقمصا دور البودى جارد الذى يسهر على حراسة سيده، لكن جبن بوش وخوفه وتفاديه للحذاء، وحماية المالكى له، لم تمنع فردة الحذاء الثانية من إصابة العلم الأمريكى الذى كان يقف مزهواً وراء بوش، فاختاره الحذاء، من بين علمين عراقيين، ليهزأ من زهوه، ويكسر من تكبره الكريه.
"منتظر" وقف أمام رئيس أكبر دولة فى العالم وقذفه بالحذاء، مثلما كان يقف الجندى المصرى أمام الدبابة ليصيبها بقذيفة، ومثلما يقف الطفل الفلسطينى أمام المدرعات الإسرائيلية ليقذفها بحجر، لم يمنعه خوف، ولم يكسر من عزيمته احتلال، ليعلن للعالم أن للقوة مقاييس أخرى غير التى يتباهى بها بوش، وليعلن أن للمقاومة أساليب أخرى قد تهز من عروش الكبار دون أن تسيل لهم قطرة دم. 45 يوماً هى ما تبقى فى عمر الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكى جورج بوش، سيقضيها الرئيس، إن كان عنده دم، فى تذكر هذا المشهد الذى لا يتكرر كثيراً فى حياة الرؤساء، وسيحاول من تخفيف أثر هذا المشهد بتذكر اعتذار الصحفى العراقى الآخر الذى وقف ليقول له "نحن نعتذر لك يا سيادة الرئيس"، لكن ما لم يقدر أحد أن ينساه هو الذعر الذى اعتلى وجه بوش وهو يواجه "حذاء"، فهذا الحذاء على الرغم من تفاهة تأثيره المادى، إلا أنه كسر أسطورة رئيس أكبر دولة فى العالم، الذى أعلن لدول العالم أجمع قبيل حرب العراق أن من ليس معنا فهو عليا، مهدداً جميع الدول، وملمحاً لهم بأن اصمتوا إن لم ترسلوا أبناءكم ليقتلوا، ولم يكن يعرف بالطبع أن خطابه المزيف عن الديمقراطية التى كان يريد أن يقنعنا بها بوش.
ساحة النقاش