قال تعالى : ( فلا أقسم بمواقع
النجوم . و إنه لقسم لو تعلمون عظيم . ) [ الواقعة ] يشير القرآن الكريم
هنا إلى عظمة السر المودع في مواقع النجوم ، التي هي مواضعها بالنسبة
لبعضها البعض في السماء ، و يشتمل ذلك البعد الشاسع بينها بالإضافة إلى
تحركاتها المقدرة لها في أفلاكها ، و العظمة إن كانت وصفاً من الله
ـسبحانه و تعالى كان تقديرها حق قدرها فوق مقدور البشر ، لكن الله ـ
سبحانه و تعالى ـ ينهنا إلى أن إدراك بعض جوانب و أسرار هذا القسم العظيم
لا يتم إلا بإعمال العقل و تحصيل العلم .
و الحديث عن مواقع النجوم يتطلب قياس مسافات . فنحن على الأرض نستخدم
وحدات المتر و الكيلومتر لقياس المسافات المتاحة لنا ، و كان بعض القدماء
يقدرون المسافات على أساس عدد الأيام اللازمة لقطع المسافات سيرا على
الأقدام أو ركبا على الخيل أو الجمال . لكن الأمر يختلف عند قياس بعد
النجوم ن حيث وجد العلماء أن وحدة الكيلومتر التي تكون الوحدة هي " السنة
الضوئية "أي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة أرضية كاملة . و لما كانت
سرعة الضوء معروفة و تساوي ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية ، و كانت أيام
السنة معروفة و تساوي 365يوماً ، و اليوم يساوي 24 ساعة ، و الساعة تساوي
60 دقيقة ، فإن السنة الضوئية تساوي حاصل ضرب هذه الأعداد و يقدر بحوالي
9,5مليون مليون كيلومتر ، أي أن السنة الضوئية في حقيقة الأمر وحدة طولية
لقياس المسافات الشاسعة في الفضاء الكوني ، فبدلاً من ان نقول : إن الشمس
هي أقرب النجوم إلينا و تبعد عنا مسافة 15 مليون كيلومتر ، و هذه المسافة
يقطعها الضوء في 8 و ثلث دقيقة ، فإنه يمكن القول بأن المسافة بيننا و بين
الشمس تساوي 8 و ثلث دقيقة ضوئية .
و على هذا الأساس يكون أقرب النجوم إلينا بعد الشمس هو النجم الخافت الذي
يسمى " ألفا قنطورس " و يبعد عنا مسافة 4، 4 سنة ضوئية ، أي ما يعادل 42
مليون مليون كيلومتر تقريباً . و هذا يعني ان الناظر إلى النجم يرى الضوء
الذي انبعث منه منذ 4، 4 سنة بعد قطع مسافة 42 مليون مليون كيلومتر
تقريباً ، أي أن النجم الذي ينظر إليه الآن هو بحالته التي كان عليها منذ
4، 4 سنة ، فالحاضر هنا على الأرض يكون ماضياً هناك بسبب البعد الشاسع
للنجوم ، إنه يفوق الخيال و لكنه من الحقائق العلمية المسلم بها .
و إذا كان هذا شيئا يفوق الخيال بالنسبة لنجوم الأخرى التي تقدر ببلايين
البلايين و لا ترى منها إلا النزر اليسير في صفحة السماء الصافية ، فعلى
سبيل المثال ، هناك نجم الشعرى اليمانية ، و هو أسطع النجوم التي نراها في
السماء و ليس أقربها ، يقع على بعد 9 سنوات ضوئية ، و عندما يمتد البصر و
لا يرى شيئاً ، فإنه يستعين بأجهزة التلسكوب المزودة بكاميرات التصوير
الفوتوغرافية و الإلكتروني ، و يستطيع أن يستقبل الضوء غير المرئي المنبعث
من مجرات تبعد عنا أكثر من بليون ( ألف مليون ) سنة ضوئية ، و لقد ساهمت
المراصد الفضائية حديثاً في اكتشاف نجوم و مجرات و أشباه نجوم قد حدث و تم
فعلا منذ بلايين السنين ، و إن الله هو وحده هو العليم بحالها الآن فلم
يكن الإنسان قد وجد بعد على الأرض عندما انطلق الضوء من هذه النجوم منذ
عشرة بلايين سنة ضوئية .
و يزيد العقل دهشة عندما يعلم ان كل هذه النجوم تتحرك بسرعات هائلة لا
ندركها ن نظر لبعدها الهائل عنا . فالشمس ـ على سبيل المثال ـ تجري بسرعة
19 كيلومتر في الثانية ، و تدور حول نفسها مرة كل 27 يوماً في المتوسط ، و
يجري مع الشمس مجموعتها الشمسية بسرعة فائقة تبلغ 220 كيلومتر في الثانية
منتمية لمجرتنا المعروفة باسم " الطريق اللبني " أو " درب التبانية " ، و
هذه المجرة تدور حول المجرة نفسها مرة كل 250 مليون سنة . و كل النجوم
الأخرى تدور حول نفسها وحول المجرة التي تنتمي إليها ، و تتباعد المجرات
عن بعضها في فضاء الكون السحيق . و لا يزال العلم عاجزاً عن كشف الكثير من
أسرار هذا الكون الذي اقسم الخالق الواحد بمواقع النجوم فيه . و إنه لقسم
لو تعلمون عظيم .
عدد زيارات الموقع
704,182
ساحة النقاش