من أسرار القرآن
الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية
المحتويات:
1- السماوات والأرض في القرآن الكريم.
2- مراحل خلق الكون عند كل من الفلكيين والفيزيائيين.
3- دعوة قرآنية لإعادة التفكير.
4- ترتيب خلق السماوات والأرض.
هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوي إلي السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم
أجمل القرآن الكريم خلق السماوات والأرض في ثلاثة مواضع, يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
(1) والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون( الذاريات:47)
(2) أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون(الأنبياء:30)
(3) قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين, وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين, ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين, فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم( فصلت:9 ـ12)
أجمل القرآن الكريم خلق السماوات والأرض في ثلاثة مواضع, يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
(1) والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون( الذاريات:47)
(2) أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون(الأنبياء:30)
(3) قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين, وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين, ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين, فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم( فصلت:9 ـ12)
وقد ثبت علميا منذ الثلث الأول للقرن العشرين, أن من صفات الكون الذي نحيا فيه, أنه كون دائم الاتساع إلي ما شاء الله, بمعني أن المجرات فيه تتباعد عن مجرتنا وعن بعضها البعض بسرعات تقترب أحيانا من سرعة الضوء.
كذلك ثبت أن هذا الكون الشاسع الاتساع, الدقيق البناء, المحكم الحركة, والمنضبط في كل أمر من أموره, قد بدأ خلقه من جرم واحد متناه في ضآلة الحجم إلي مايقرب الصفر أي العدم, ومتناه في تعاظم كثافته ودرجة حرارته إلي حد تتوقف عنده جميع القوانين الفيزيائية, كما تتلاشي كل أبعاد المكان والزمان, وأن من هذه النقطة المتناهية في الضآلة بدأ خلق الكون بالأمر الإلهي كن في عملية أطلق عليها كل من علماء الفلك والفيزياء الفلكية اسم الانفجار الكوني العظيم.
وقد أدي هذا الانفجار الكوني الي غلالة من الدخان الذي خلق منه كل من الأرض والسماء وما بينهما.
السماوات والأرض في القرآن الكريم:
وردت لفظة السماء بالإفراد والجمع في القرآن الكريم في ثلاثمائة وعشرة(310) مواضع, منها مائة وعشرون(120) مرة بالإفراد, ومائة وتسعون(190) مرة بالجمع, وتعبير السماء مستمد من السمو أي الارتفاع والعلو, ولذا قالت العرب: كل ما علاك فأظلك فهو سماء.
كذلك وردت لفظة الأرض بمشتقاتها في كتاب الله( تعالي) في أربعمائة وإحدي وستين(461) موضعا.
وفي الغالبية الساحقة من تلك المواضع, نجد أن لفظة السماء( بالجمع أو بالمفرد) قد ذكرت قبل الأرض, وفي عدد قليل من الآيات قد جاء ذكر الأرض قبل السماء, من مثل قوله( تعالي):
هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوي إلي السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم( البقرة:29).
وقوله( عز من قائل):
الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء....( البقرة:22).
وقوله( سبحانه وتعالي):
تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلي, الرحمن علي العرش استوي, له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثري( طه:4 ـ6).
وقوله( سبحانه):
قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين... إلي أن قال( عز من قائل):
ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين...( فصلت:9 ـ11).
وقد احتار العلماء والمفسرون في تحديد أيهما كان الأسبق بالخلق, الأرض أم السماوات؟ أم أنهما قد خلقا في وقت واحد؟ وينسون أن الزمن من خلق الله, وأن القبلية والبعدية اصطلاحات بشرية, لا مدلول لها بالقياس إلي الله( تعالي), الذي لا يحده الزمان ولا المكان.
ففي تفسير الآية رقم(29) من سورة البقرة, رأي العديد من المفسرين أن معناها أن الله( تعالي) قد خلق جميع النعم الموجودة في الأرض لمنفعة الناس, ثم توجهت إرادته( تعالي) إلي السماء فجعل منها سبع سماوات, وهو تعالي محيط بكل شيء, عالم بتفاصيله.
والاستواء الإلهي رمز للسيطرة الكلية, والقصد بإرادة الخلق, والتكوين, والتسوية للكون بأرضه وسمائه, وهو تعالي خالق هذا الكون ومدبره, ربه ومليكه, ويأتي ذلك في معرض الاستنكار والاستهجان لكفر الكافرين من الناس بالخالق, المبدع, المهيمن, المسيطر علي الكون, الذي سخر لهم الأرض بكل مافيها, وسخر لهم السماوات بما يحفظ الحياة علي الأرض ويجعلها ممكنة لهم.
وقال ابن جزي في كتابه المعنون التسهيل في علوم التنزيل الجزء الأول ص43 ما نصه: وهذه الآية:[ خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوي إلي السماء...] تقتضي أنه( سبحانه) خلق السماء بعد الأرض, وقوله( تعالي): والأرض بعد ذلك دحاها... ظاهره خلاف ذلك, والجواب من وجهين: أحدهما أن الأرض خلقت قبل السماء, ودحيت بعد ذلك, فلا تعارض, والآخر تكون ثم لترتيب الأخبار.
وقال ابن كثير:[... والاستواء هنا يتضمن معني القصد والإقبال لأنه عدي بإلي,( فسواهن) أي فخلق السماء سبعا, والسماء هنا اسم جنس, فلهذا قال:( فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم), أي وعلمه محيط بجميع ما خلق...
ففي هذا دلالة علي أنه( تعالي) ابتدأ بخلق الأرض أولا ثم خلق السماوات سبعا...., وقد صرح المفسرون بذلك كما سنذكره, فأما قوله( تعالي): أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها, رفع سمكها فسواها, وأغطش ليلها وأخرج ضحاها, والأرض بعد ذلك دحاها, فقد قيل: إن ثم هنا إنما هي لعطف الخبر علي الخبر, لا لعطف الفعل علي الفعل...] وأضاف ابن كثير( يرحمه الله):[ وقيل إن الدحي كان بعد خلق السماوات والأرض رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس( رضي الله تبارك وتعالي عنهما).
وقال مجاهد في قوله تعالي:( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) قال: خلق الله الأرض قبل السماء.... فهذه وهذه دالتان علي أن الأرض خلقت قبل السماء, وهذا ما لا أعلم فيه نزاعا بين العلماء إلا ما نقله ابن جرير عن قتادة أنه زعم أن السماء خلقت قبل الأرض, وقد توقف في ذلك القرطبي في تفسيره لقوله تعالي:( والأرض بعد ذلك دحاها, أخرج منها ماءها ومرعاها, والجبال أرساها) قالوا: فذكر خلق السماء قبل الأرض, وفي صحيح البخاري أن ابن عباس سئل عن هذا بعينه, فأجاب بأن الأرض خلقت قبل السماء, وأن الأرض إنما دحيت بعد خلق السماء, وكذلك أجاب غير واحد من علماء التفسير قديما وحديثا....]
وقال عدد من المفسرين المحدثين إن لفظ خلق في هذه الآية الكريمة[ رقم(29) من سورة البقرة] يعني التقدير دون الإيجاد, بمعني أن جميع مكونات الأرض من نوي العناصر كانت جاهزة في الدخان الكوني الناتج عن عملية فتق الرتق( الانفجار العظيم), ولو أن كوكب الأرض لم يكن قد تم تشكيله بعد, ثم توجهت إرادة الله إلي السماء وهي دخان فخلق منها سبع سماوات كما خلق الأرض, ويتضح ذلك من قوله( تعالي):
قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين, وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين, ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين, فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم( فصلت:9 ـ12).
ويستنتج من هذه الآيات الكريمة, أن الأرض قد خلقت من السماء الدخانية علي مراحل أربع متتالية, بينما تم تشكيل السماء الدخانية علي هيئة سبع سماوات علي مرحلتين, وتم دحو الأرض بمعني تكوين كل من أغلفتها الغازية, والمائية, والصخرية بعد ذلك استنادا إلي قوله( تعالي):
أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها, رفع سمكها فسواها, وأغطش ليلها وأخرج ضحاها, والأرض بعد ذلك دحاها, أخرج منها ماءها ومرعاها, والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم( النازعات:27 ـ33).
وهذه الآيات الكريمة جاءت في مقام الاحتجاج علي منكري البعث, فيسألهم ربنا( تبارك وتعالي) هل خلقكم أكبر من خلق السماء التي بنيناها بهذه السعة المبهرة, والنظام الدقيق, والانضباط في الحركة, والإحكام في العلاقات, والارتباط بتلك القوي الخفية, والإشعاعات غير المرئية التي تتحرك كأمر كوني واحد, بسرعات كونية عظمي لتربط بلايين النجوم والكواكب والكويكبات والأقمار والمذنبات في داخل المجرات, كما تربط مئات البلايين من المجرات مع بعضها البعض في ركن من السماء الدنيا التي لا يستطيع العلم إدراك أبعادها, ولا تحقيق ما فوقها.
وأما قوله( تعالي) رفع سمكها فمعناه جعل ارتفاعها عظيما, إشارة الي المسافات الفلكية المذهلة, التي تقدر بعشرات البلايين من السنين الضوئية.
وقوله( تبارك وتعالي): أغطش ليلها وأخرج ضحاها أي أظلم ليلها, وجعله حالك السواد, وأخرج ضحاها أي أنار نهارها, بخلق النجوم مثل شمسنا وسط ظلام السماء الحالك, فأرسلت بضيائها الي أرضنا في وضح النهار فقامت هباءات الغبار, وبخار الماء في الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض بتشتيت ضوء الشمس, وإظهاره بهيئة النور الأبيض الذي نراه في نهار الأرض.
وبعد ذلك تذكر الآيات الكريمة أنه قد تم دحو الأرض, الابتدائية إلي شكلها الحالي بأغلفتها المختلفة, والدحو لغة هو المد والبسط والإلقاء, وهو كناية عن الثورانات البركانية العنيفة التي أخرج بها ربنا( تبارك وتعالي) من جوف الأرض كل غلافها الغازي والمائي والصخري.
وهذه كلها مراحل متتالية في تهيئة الأرض لاستقبال الحياة, وقد تمت بعد بناء السماوات السبع من الدخان الكوني الناتج عن عملية فتق الرتق( الانفجار الكوني العظيم).
علوم الكون وخلق السماوات والأرض:
من بديع القدرة الإلهية, ومن الشهادات الناطقة لله بالوحدانية المطلقة بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع أن يلتقي الكون في أكبر وحداته مع الكون في أدق دقائقه, فيلتقي علم الكون الحديث(ModernCosmology)بعلم الفيزياء الجزئية أو فيزياء الجسيمات الأولية للمادة
(ParticlephysicsOrElementaryParticlePhysics)فدرا سات الجسيمات الأولية في داخل الذرة بدأت تعطي أبعادا مبهرة لتفهم عملية خلق الكون, ومراحله المختلفة.
ففي الثلث الأول من القرن العشرين, تساءل علماء الفلك عن مصدر الطاقة في النجوم واقترحوا إمكانية كونها عملية معاكسة للإنشطار النووي
(NuclearFission)
وأطلقوا عليها اسم عملية الاندماج النووي
(NuclearFusion),
وهي عملية يتم بها اندماج نوي العناصر الخفيفة لتكوين عناصر أعلي في وزنها الذري.
وفي الثلاثينيات اقترح هانز بيته(HansBethe)عددا من سلاسل التفاعلات النووية داخل النجوم, التي تتحد فيها أربع نوي لذرات الإيدروجين
(HydrogenNuclei)لتكون نواة واحدة من نوي ذرات الهيليوم
(HeliumNuclei)وذلك في قلب نجم كشمسنا تصل درجة الحرارة فيه إلي15 مليون درجة مطلقة, أما في النجوم الأشد حرارة من ذلك, فإن نوي ذرات الهيليوم تتحد لتكون نوي ذرات الكربون ـ12, وربما تستمر عملية الاندماج النووي لتخليق نوي ذرات أعلي وزنا بسلاسل أقوي من التفاعلات النووية.
وفي سنة1957 م تمت صياغة نظرية تخليق نوي العناصر المختلفة في داخل النجوم
(SynthesisoftheElementsinStars)
بواسطة أربعة من الفلكيين المعاصرين هم: مارجريت وجفري بيربردج, وليام فاولر, فرد هويل بتاريخ أكتوبر سنة1957 م
(MargaretandGeoffreyBurbridge,WilliamA-FowlerandFredHoyle).
وذلك في بحث قدموه إلي مجلة الفيزياء الحديثة
(ReviewsofModernPhysics,no4.,vol29.,October,1957)
وقد تمكن علماء الفلك من تفسير التوزيع النسبي للعناصر المختلفة في الجزء المدرك من الكون بناء علي هذه النظرية, كما تمكنوا من تفسير تطور الكون المدرك من دخان يغلب علي تركيبه غاز الايدروجين مع قليل من ذرات الهيليوم الي الكون الحالي, الذي يضم في تركيبه أكثر من مائة من العناصر المعروفة والتي تندرج خواصها الطبيعية والكيميائية بناء علي ما تحتويه ذرة كل منها من اللبنات الأولية للمادة, بحيث تم ترتيبها في جدول دوري حسب أعدادها الذرية, بدءا من أخفها وأبسطها بناء( وهو غاز الإيدروجين), إلي أثقلها وأعقدها بناء وهو اللورنسيوم
(Lawrencium,Lw),
وفق نظام محكم دقيق ينبيء بخواص العنصر من موضعه في الجدول الدوري للعناصر.
تخليق العناصر منذ بداية خلق الكون:
يبدو أن تخليق العناصر المختلفة بعملية الاندماج النووي لنظائر, كل من غازي الإيدوجين والهيليوم, قد بدأت منذ اللحظات الأولي للانفجار الكوني الكبير( أو فتق الرتق), وبدأت بتدرج يتفق مع ترتيب العناصر في الجدول الدوري, بمعني أن العناصر الخفيفة بدأت في تخلقها قبل العناصر الثقيلة, وأن العناصر الثقيلة لابد أنها قد تكونت في داخل النجوم الشديدة الحرارة من مثل المستعرات وفوق المستعرات(NovaeandSupernovae), أو في أثناء انفجارها.
ومن الاكتشافات الحديثة أن المادة
(Matter)
لها أضدادها
(Antimatter)
وأن كل جسيم من الجسيمات الأولية المكونة لذرات المواد له جسم مضاد بنفس الكتلة ولكنه يحمل صفات مضادة,
(ParticleandAntiparticle),
وذلك من مثل البروتون وأضداد البروتون
(ProtonandAntiproton),
والنيوترون وأضداد النيوترون
(NeutronandAntineutron),
والإليكترون وضده أو البوزيترون
(ElectronandAnti-electronorPositron),
وأن نوي الذرات تتكون من جسيمات دقيقة تسمي الباريونات
(Baryons),
من مثل البروتونات والنيوترونات, وأن هذه أيضا لها أضدادها
(Antibaryons),
وهكذا.
وعند التقاء أي جسيم من جسيمات المادة وضده فإنهما يفنيان ويتحولان إلي طاقة علي هيئة أشعة جاما حسب القانون:
الطاقة الناتجة= الكتلة* مربع سرعة الضوء.
وقد ثبت علميا أن المادة واضدادها علي مختلف المستويات قذ خلقت بكميات متساوية عقب عملية الانفجار الكوني مما يؤكد حقيقة الخلق من العدم, وامكان الافناء الي العدم.
وفي سنة1980 م منح كل من جيمس و. كرونين, فال فيتش
(Jamesw.CroninandValFitch) جائزة نوبل في الفيزياء لإثباتهما بالتجربة القابلة للتكرار والإعادة, أن إفناء بعض الجسيمات الأولية للمادة بواسطة أضدادها لا يتم بتماثل كامل, ومن هنا كان بقاء المادة في الكون وعدم فنائها بالكامل.
وفي سنة1983 م حصل وليام فاولر(WilliamA.Fowler) علي جائزة نوبل في الفيزياء مناصفة مع آخرين لجهوده في تفسير عملية تخليق نوي ذرات العناصر المختلفة بواسطة الاندماج النووي.
مراحل خلق الكون عند كل من الفلكيين والفيزيائيين:
باستخدام الحسابات التي وظفت فيها الحواسيب العملاقة, تمكن كل من الفلكيين والفيزيائيين المعاصرين من وضع تصور لمراحل خلق الكون علي النحو التالي:
(1) بعد لحظات من عملية الانفجار الكوني العظيم( تقدر بنحو10 ـ35 من الثانية), كان بالكون تساو بين الباريونات وأضدادها من جهة, وبين فوتونات الضوء
(photons)
من جهة أخري, وكانت الباريونات وأضدادها يفني بعضها بعضا منتجة الطاقة التي يعاد منها تخليق الجسيمات الأولية للمادة وأضدادها.
وهذه النظرية التي تشير الي تساوي كميات المادة وأضدادها في الكون المدرك, تؤكد أن اختلافا في هذا التساوي لا تتعدي نسبته واحدا في المائة مليون, يمكن أن يفسر غلبة نسبة المادة علي نسبة أضدادها في الكون الراهن, وذلك بتحول نسبة من الفوتونات الناتجة عن إفناء الأضداد لبعضها البعض الي باريونات( اللبنات الأولية المكونة لنوي ذرات العناصر), وتتم هذه العملية عن طريق انتاج باريون واحد عن كل مائة مليون فوتون, كما يؤكد ذلك الخلفية الإشعاعية الحالية للكون المنظور, وبعد فناء أغلب البروتونات وأضدادها بدأ الكون في الاتساع, ويحتمل وجود كمية من النيوترينوات
(Neutrinos)
باقية في كوننا المدرك, نظرا لضعف تفاعلها مع أضدادها فلم تفن بالكامل.
(2) بعد مضي ثانية واحدة علي الانفجار الكوني العظيم, تقدر الحسابات النظرية أن كمية الطاقة المتوافرة في الكون أصبحت تسمح بتكون جسيمات أدق مثل الاليكترون, الذي يحمل شحنة سالبة وضده البوزيترون الذي يحمل شحنة موجبة
(ElectronandAntielectronorPosifron)
وقد أفنت هذه الجسيمات بعضها بعضا, تاركة وراءها محيطا من الإشعاع الحار علي هيئة فوتونات الضوء التي انتشرت في كل الكون, والتي تدرك آثارها اليوم فيما يعرف باسم الخلفية الإشعاعية للكون, والتي تشير إلي تناقص كل من كثافة الكون ودرجة حرارته باستمرار مع الزمن.
(3) بعد نحو خمس ثوان من عملية الانفجار الكوني, تشير الحسابات النظرية الي أن درجة حرارة الكون انخفضت الي عدة بلايين من الدرجات المطلقة, ولم يكن موجودا بالكون سوي عدد من الجسيمات الأولية لكل من المادة والطاقة من مثل البروتونات
(Protons),
والنيوترونات
(Neutrons),
والإليكترونات
(Electrons),
والنيوترينوات
(Neutrinos),
والفوتونات
(photons).
(4) بعد نحو مائة ثانية من الانفجار الكوني( فتق الرتق) تقدر الحسابات النظرية, أن درجة حرارة الكون قد انخفضت الي نحو البليون درجة مطلقة, فبدأت البروتونات والنيوترونات في الاتحاد بعملية الاندماج النووي لتكون نوي ذرات نظائر كل من الإيدروجين والهيليوم والليثيوم علي التوالي.
وتشير كل من الحسابات الرياضية والتجارب المختبرية, الي أن أول النوي الذرية تكونا كانت نوي ذرة نظير الإيدروجين الثقيل المعروف باسم ديوتيريوم
(Deuterium),
ثم تلته نوي ذرات نظائر الهيليوم.
(5) بعد دقائق من الانفجار الكوني العظيم, تشير الحسابات النظرية الي أن درجة حرارة الكون قد انخفضت الي مائة مليون درجة مطلقة, مما شجع علي الاستمرار في عملية الاندماج النووي, حتي تم تحويل25% من كتلة الكون المدرك الي غاز الهيليوم, وبقيت غالبية النسبة الباقية(75%) غاز الإيدروجين, وينعكس ذلك علي التركيب الحالي للكون المدرك, الذي لايزال الإيدروجين مكونه الأساسي بنسبة تزيد قليلا علي74%, يليه الهيليوم بنسبة تبلغ24%, وباقي المائة وخمسة من العناصر المعروفة تكون أقل من2%.
ولذلك يعتقد الفلكيون المعاصرون أن تخلق العناصر في كوننا المدرك, قد تم علي مرحلتين متتاليتين تكون في الأولي منهما العناصر الخفيفة عقب عملية الانفجار الكوني مباشرة, وتكونت في المرحلة الثانية العناصر الثقيلة, بالإضافة الي كميات جديدة من معظم العناصر الخفيفة, وذلك في داخل النجوم خاصة الشديدة الحرارة منها, مثل المستعرات, أو في مراحل انفجارها علي هيئة فوق المستعرات.
دعوة قرآنية لإعادة التفكير:
أشرنا في الأسطر السابقة الي أن كلا من الحسابات النظرية في مجالي علمي الفلك والفيزياء, تدعو الي الاعتقاد بأن تخلق العناصر المعروفة لنا في الكون قد تم بعملية الاندماج النووي
علي مرحلتين كما يلي:
المرحلة الأولي: وقد تكونت فيها العناصر الخفيفة عقب عملية الانفجار الكوني مباشرة.
المرحلة الثانية: وقد تكونت فيها العناصر الثقيلة بالإضافة الي كميات جديدة من العناصر الخفيفة, ولاتزالان تتكونان في داخل النجوم, وفي مراحل استعارها وانفجارها المختلفة.
ولكن الآية التاسعة والعشرين من سورة البقرة تقرر أن الله( تعالي) قد خلق لنا ما في الأرض جميعا قبل تسوية السماء الدخانية الأولي الي سبع سماوات.
ويؤيد ذلك ما جاء في الآيات(9 ـ12) من سورة فصلت, ومعني هذه الآيات مجتمعة أن كل العناصر اللازمة للحياة علي الأرض, بل إن الأرض الابتدائية ذاتها كانت قد خلقت قبل تمايز السماء الدخانية الأولي الي سبع سماوات.
فهل يمكن لكل من علماء الفلك, والفيزياء النظرية, والأرض المسلمين مراجعة الحسابات الحالية انطلاقا من هذه الآيات القرآنية الكريمة, لاثبات ذلك, فيخلصون الي سبق قرآني كوني معجز يثبت المؤمنين علي إيمانهم, ويكون دعوة مقنعة لغير المسلمين في زمن فتن الناس بالعلم ومعطياته فتنة كبيرة؟ كما يكون في ذلك تصحيح للوضع الخاطيء الذي ننتظر فيه قدوم الكشوف العلمية من غير المسلمين حتي ندرك وجودها في كتاب الله أو في سنة رسوله( صلي الله عليه وسلم), فندرك الدلالة العلمية لذلك, ونلمح شيئا من الإعجاز فيه!!!
ترتيب خلق السماوات والأرض:
سبق أن أشرنا مرارا, الي أن عملية الخلق( خلق الكون, خلق الحياة وخلق الإنسان), هي من الأمور الغيبية التي لا تخضع مباشرة لإدراك الإنسان, كما قال ربنا( تبارك وتعالي) في محكم كتابه:
ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا( الكهف:51).
ولكن من رحمة الله( تعالي) أنه قد أبقي لنا في صفحة السماء, وفي صخور الأرض من الشواهد الحسية, ما يمكن أن يعيننا علي استقراء ذلك, كما أبقي لنا في محكم كتابه وفي سنة خاتم أنبيائه ورسله من الآيات والأحاديث, ما يمكن أن يدعم هذا الاستقراء أو أن يهذبه.
وفي ذكره لآيات خلق السماوات والأرض, يقدم القرآن الكريم السماء/ السماوات علي الأرض في الغالبية العظمي من الآيات, التي تشير اليهما, فيما عدا خمس آيات قدم فيها ذكر الأرض علي ذكر السماء, وهي علي التوالي, قول الحق( تبارك وتعالي):
(1) الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء...( البقرة:22)
(2) هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوي إلي السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم( البقرة:29)
(3) تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلي( طه:4)
(4) الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء....( غافر:64)
(5) قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين, وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين, ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتنا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين, فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم( فصلت:9 ـ12).
والآيتان الأولي والرابعة( البقرة:22, غافر:64) هما من الآيات الوصفية التي لا تتعرض لترتيب الخلق, والآية الثالثة( طه:4) جاء الترتيب فيها لموافقة النظم في السورة التي ذكرت فيها السماء قبل الأرض بعد آية واحدة.
أما الآية الثانية( البقرة:29) فواضحة الدلالة علي خلق جميع العناصر اللازمة لبناء الأرض قبل خلق السماوات السبع, وذلك لأنه من الثابت علميا والراجح منطقيا أن خلق العناصر سابق علي خلق الأرض وخلق جميع أجرام السماء, وأن خلق الوحدات الكونية الكبري كالسدم والمجرات سابق علي ما يتخلق بداخلها من نجوم وتوابع تلك النجوم, من الكواكب والكويكبات, والأقمار والمذنبات.
وأما الآيات الخامسة( فصلت:9 ـ12) فتشير إلي أن خلق الأرض الابتدائية كان سابقا علي تمايز السماء الدخانية الأولي إلي سبع سماوات, وأن دحو الأرض الابتدائية( بمعني تكون أغلفتها الغازية والمائية والصخرية) جاء بعد ذلك, ويدعم هذا الاستنتاج ما جاء في سورة( النازعات) من قول الحق( تبارك وتعالي):
أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها, رفع سمكها فسواها, وأغطش ليلها وأخرج ضحاها, والأرض بعد ذلك دحاها, أخرج منها ماءها ومرعاها, والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم( النازعات:27 ـ33).
وفي الآيات(9 ـ12) من سورة فصلت, يخبرنا ربنا( تبارك وتعالي) بأنه قد خلق الأرض في يومين( أي علي مرحلتين), وجعل لها رواسي, وبارك فيها, وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام( أي أربع مراحل), ثم خلق السماوات في يومين( أي مرحلتين), وهو القادر علي أن يقول للشيء كن فيكون, ولكن هذا التدرج كان لحكمة مؤداها أن يفهم الإنسان سنن الله في الخلق.
وقد يلتبس علي القاريء لأول وهلة, أن خلق الأرض وحدها قد استغرق ستة أيام( أي ست مراحل), وأن خلق السماء قد استغرق يومين( أي مرحلتين), فيكون خلق السماوات والأرض قد استغرق ثمانية أيام( ثماني مراحل), والآيات القرآنية التي تؤكد خلق السماوات والأرض في ستة أيام( أي ست مراحل) عديدة جدا, ولكن الآيات من سورة( فصلت) تشير الي أن يومي خلق الأرض, هما يوما خلق السماوات السبع, وذلك لأن الأمر الإلهي كان للسماء وللأرض معا, لقول الحق( تبارك وتعالي): ثم استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض إئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين( فصلت:11), وإن كان بعض المفسرين يرون خلاف ذلك, إلا أن غالبيتهم تري أن حرف العطف ثم لايدل هنا علي الترتيب والتراخي, ولكنه يدل علي بعد عملية الاستواء والتسوية للسماوات السبع من السماء الدخانية الأولي, لأن من معاني ثم= هناك, وهو إشارة للبعيد بمنزلة هنا للقريب.
وعلي أية حال, فإذا كان الزمان والمكان مقيدين لنا في هذه الحياة الدنيا, فإن الله( تعالي) هو مبدع كل من الزمان والمكان وخالقهما, وهو( تعالي) بالقطع فوق قيودهما.
وعلماء الفيزياء الفلكية يقولون إن الذي يتحكم في سلوك الجرم السماوي, هو كم المادة والطاقة التي ينفصل بهما هذا الجرم عن غلالة الدخان الكوني, فالذي يجعل الأرض كوكبا ذا قشرة صلبة, له غلاف غازي, وغلاف مائي يجعلانها صالحة للعمران, هو كتلة المادة وكم الطاقة التي انفصلت بهما عن الشمس أو عن السديم الذي تكونت منه الشمس وكواكبها, والأمر الذي يجعل القمر تابعا صغيرا, ليس له غلاف غازي ولا غلاف مائي, وغير صالح لحياة شبيهة بحياتنا الأرضية, هو الكتلة التي انفصل بها, والذي يجعل الشمس نجما مضيئا, متوهجا بذاته هي الكتلة, وهكذا.
والسؤال الذي يفرض نفسه هو: من الذي قدر تلك الكتل؟ والجواب المنطقي الوحيد هو: الله خالق الكون, ومبدع الوجود...!!!
ونعود مرة أخري, إلي تلك الآية القرآنية المبهرة التي بدأنا بها, والتي يقول فيها الحق( تبارك وتعالى):هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوي إلي السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم( البقرة:29).
ونتساءل: هل من علماء الكون والفيزياء النظرية المسلمين, من يمكنه أن ينطلق من هذه الآية القرآنية الكريمة ليثبت سبق القرآن الكريم بالإشارة إلي حقيقة خلق جميع العناصر اللازمة للحياة علي الأرض, قبل تسوية السماء الدخانية الأولي إلي سبع سماوات؟ في وقت يجمع فيه أهل هذا الاختصاص علي أن العناصر الثقيلة في الكون لم تتخلق إلا في داخل النجوم؟ هذا موقف تحد عظيم أرجو أن يتقدم له قريبا أحد علماء المسلمين في هذا الاختصاص. ?<!-- / message --><!-- sig -->
عدد زيارات الموقع
704,212
ساحة النقاش