|
|
|
ا
.
|
|
|
|
الثروة السمكية هي إحدى المكونات الحية للبيئة البحرية، وتعد من أهم المصادر الطبيعية التي استغلها الإنسان كمصدر للطعام، وقد تغير الوضع نوعاً ما هذه الأيام حيث تحول جزء كبير من إنتاج المصائد السمكية في بقاع مختلفة من العالم إلى مواد خام لصناعات أخرى، كما أن التطور في استخدامات الثروة السمكية، صاحبه نمو متزايد في عدد سكان الأرض، نتج عنه زيادة الحاجة لاستهلاك الغذاء، وخاصة الغذاء الغني بالبروتين. ولذلك كانت الحاجة ماسة لزيادة الإنتاج من الأسماك، التي تعتبر من الأغذية الغنية بالبروتين، وزاد استغلال الثروة السمكية بالقرب من المناطق الساحلية في كثير من البلدان، مما اضطر بعض منها أن تبحث عن الثروات السمكية في مناطق بحرية بعيدة عنها. وأدى ذلك إلى ازدياد أحجام أساطيل صيد الأسماك، وإلى ازدياد حجم القوارب، وزيادة كفاءتها، خاصة مع بدء استخدام المحركات العاملة بالطاقة بدلاً من الأشرعة والتجديف لتسيير قوارب الصيد. وظهرت أساطيل متخصصة في صيد أنواع معينة من الأسماك، وجابت هذه السفن البحار المختلفة، بحثاً عن صيد جديد، وأنواع جديدة تستغلها.
وتتأثر الثروة السمكية بأمرين، هما:
العوامل الطبيعية، ونشاط الإنسان.
وفي حين أن العوامل الطبيعية أمر لا يمكن التحكم فيه أو السيطرة عليه، إلا أن أثر الإنسان المتمثل في صيد الأسماك هو عملية يمكن ضبطها، بل يلزم القيام بها وذلك ليكون استغلال الثروة السمكية استغلالاً رشيداً وليس جائراً.
أولاً: العوامل الطبيعية:
أ - درجات حرارة المياه وملوحتها، والتيارات المائية، وتوزيع المغذيات والعناصر الغذائية الأساسية.
ب - وفرة الغذاء الكافي لكل طور من أطوار حياة الأسماك.
ج - علاقاتها مع أنواع الأسماك ومكونات البيئة البحرية الأخرى (مفترسة أم غذاء لأسماك أخرى)، حسب موقعها من السلسلة الغذائية.
وتؤثر هذه العوامل على حجم المخزون السمكي الطبيعي سلباً أو إيجاباً، في مرحلة من مراحل حياة نوع الأسماك أو مجموعة الأسماك موضع الاهتمام. فالكل لابد وسمع بتأثير "النينو"، وهي عبارة عن ظاهرة طبيعية تنتج عن تيارات ماء دافئة تسير بمحاذاة شواطئ أمريكا الشمالية والجنوبية وتتسبب في سقوط الأمطار الإعصارية. حيث وجد بعض الباحثين أن لهذه التيارات أثر كبير جداً على كميات أسماك الأنشوجة ( المعروفة محلياً بالبرية) التي تصاد في دولة بيرو وارتباطها الوثيق معها. كما وجد بعض الباحثين أن أكبر تأثير لظاهرة "النينو" في عام 1982-1983 حيث تسببت في زيادة كبيرة جداً في محصول الربيان في بعض المناطق الساحلية.
كما أن وفرة الأسماك من الأنواع المختلفة في شواطئ المغرب الغربية وفي دولة موريتانيا يعود أحد أسبابه لوجود تيارات الماء الدافئة التي تتواجد في تلك المناطق.
وفي دولة الكويت، لوحظ ارتفاع كبير لمصيدات الربيان في عام 1988، وعند دراسة أسباب ذلك، توصل الباحثون إلى أن السبب الرئيسي قد يكون مرتبطاً بغزارة الأمطار في البلاد التي تسير فيها روافد نهري دجلة والفرات، وبالتالي شط العرب، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع كمية المياه المتدفقة إلى الخليج العربي في ذلك الموسم، والتي تحمل معها كميات كبيرة من المواد العضوية الأساسية التي تعتبر المكون الأول في السلسلة الغذائية في البيئة البحرية والتي تساعد بعد ذلك في وفرة البلانكتون، بنوعيه النباتي والحيواني. ويشكل ذلك عاملاً مساعداً على بقاء عدد كبير من يرقات الحيوانات البحرية، التي تشكل مصدر الثروة السمكية، على قيد الحياة، ونموها نمواً سليماً، يؤدي في النهاية إلى زيادة المخزون، ويجب أن لا ننسى أن كل تلك العمليات تتم ضمن إطار من التوازن البيئي بين الأنواع المختلفة، والمواد الغذائية المتوفرة لها، وبين الظروف الطبيعية التي تتحكم في عوامل بقائها ونموها نمواً سليماً.
ثانياً: نشاط الإنسان:
للإنسان تأثير مباشر محدود على الثروة السمكية، إلا أن هذا التأثير ذو نتائج كبيرة جداً. أول وأهم هذه الآثار التي يحدثها الإنسان على الثروة السمكية هو التأثير المباشر عليها باستغلاله لها عن طريق الصيد. فعملية الصيد هي استخراج لأنواع محددة أو غير محددة من أنواع الأسماك من بيئتها بقصد استغلالها. كما يؤثر الإنسان بشكل غير مباشر في بعض الأحيان على الثروة السمكية بوجه عام، من خلال بعض النشاطات التي لها آثار جانبية سلبية، مثل التلوث، بأنواعه المختلفة، والذي يسبب أضراراً على الثروة السمكية بوجه عام. كما أن بعض النشاطات الأخرى مثل استصلاح المناطق الساحلية، وتدمير مناطق أشجار (المانجروف)؛ هذه النشاطات يكون لها آثار كبيرة على مناطق حضانة الأسماك المختلفة، الأمر الذي يؤدي بالتالي إلى تناقص المساحات التي يمكن لهذه المخلوقات اللجوء إليها واستغلالها كمناطق حضانة لصغارها، أو كمناطق تكاثر لكبارها. ويبقى الصيد هو العامل الأكبر الذي يتلقى اللوم عند انهيار أحد مصائد الأسماك أو تناقص كميات الصيد بشكل يهدد حيوية تلك الثروة أو قدرتها على تجديد نفسها طبيعياً.
وهنا لا بد أن نفرق بين نوعين من الصيد، الأول هو الصيد الرشيد، والثاني هو الصيد الجائر.
الصيد الرشيد Sustainable Fishing:
تتمتع أنواع الأسماك المختلفة، التي تشكل بمجموعها الثروة السمكية في منطقة معينة، بالقدرة على التكاثر والنمو في البيئة المحيطة بها بشكل متوازن ودقيق، وهناك عدة عوامل تساهم في ازدياد حجم المخزون السمكي بطريقة أو بأخرى، ومن أهمها:
1. معدل نمو الأسماك السنوي.
2. كمية البيض التي تنتجها في كل مرة تضع فيها البيض.
3. الحجم الذي تدخل فيه الأسماك الصغيرة إلى المصائد التجارية recruitment .
4. معدل الوفيات الطبيعي للأسماك (نتيجة للافتراس من قبل غيرها، أو للأمراض التي تصيبها، أو غير ذلك من العوامل).
ونجد أن لكل نوع من الأسماك موسم للتكاثر خلال العام الواحد، فلو فرضنا أن بيئة بحرية أو مائية معينة ممنوع الصيد فيها نهائياً، فستتكاثر أنواع الأسماك الموجودة فيها سنوياً إلى أن تصل إلى الحد الأعلى للمخزون أو الرصيد السمكي الذي تسمح به ظروف تلك البيئة، أخذاً بالاعتبار أنواع الأسماك والحيوانات البحرية الأخرى التي تعيش في تلك البيئة، ووفرة الغذاء لجميع الأنواع، وعلاقة ذلك النوع مع الأنواع الأخرى.
فلو تركنا الأمر على طبيعته في البيئة البحرية فسنجد أن حجم المخزون من نوع معين من الأسماك ينمو إلى أن يصل إلى الحجم الأقصى الذي تسمح به تلك البيئة، إلى أن يصبح النمو في حجم المخزون فقط لتعويض ما يهلك من الأسماك نتيجة للظروف الطبيعية فقط، وهي نسبة ضئيلة في العادة من حجم المخزون السمكي.
وبالتالي فإن الصيد الرشيد المقصود هنا هو اصطياد كميات الأسماك التي تعتبر نمواً في المخزون السمكي، بطريقة ملائمة لا تحدث آثاراً سلبية على البيئة البحرية، مع العمل على الإبقاء على الرصيد السمكي اللازم لتجديد المخزون بحالة سليمة وكافية للقيام بالتكاثر في العام المقبل.
بمعنى أبسط، فإن الصيد الرشيد هو صيد الكميات الزائدة عن حاجة المخزون والتي يستطيع المخزون تجديدها في موسم التكاثر المقبل، إن توفرت الظروف الطبيعية العادية المناسبة لذلك، دون التأثير السلبي على قدرة المخزون في تجديد مكوناته من الأسماك.
وبمعني بيئي ومن منطلق إدارة المخزون السمكي إدارة رشيدة يعني ما سبق:
ضرورة تحديد أو السماح لعدد معين من القوارب أو الصيادين أو معدات الصيد بصيد الكميات الزائدة عن حاجة المخزون الأساسية، ويفضل أن تكون تلك الكميات من الأحجام الكبيرة التي يكون معدل نموها بطيئاً مع الوقت، والتي لن تساهم كثيراً في نمو حجم المخزون السمكي. وذلك محاولة لإبقاء المخزون من ذلك النوع من الأسماك من فئة العمر الفتية، القادرة على النمو بسرعة، وفي الوقت نفسه التي لديها القدرة على التكاثر لتجديد المخزون السمكي. وهذا ما يطلق عليه الاستغلال المستدام للثروة السمكية.
الصيد الجائر غير المسئول:
ضمن الإطار السابق نفسه، يكون الصيد غير المسئول، أو الصيد الجائر هو زيادة قدرات الصيد (عدد القوارب، أو معدات الصيد، أو الوقت المخصص للصيد) الموجهة نحو استغلال المخزون السمكي بشكل أكبر من تلك القدرة اللازمة لصيد الكميات الزائدة من المخزون. وهو الأمر الذي سيترتب عليه في المستقبل تناقص أعداد الأسماك في هذا المخزون بشكل يؤثر سلباً على قدرته على تجديد نفسه طبيعياً، مما يؤدي في النهاية إلى ما يسمى بالصيد الجائر.
والصيد الجائر نوعان: نوع يهدد الأسماك الكبيرة بشكل يؤثر على قدرة المخزون على التكاثر، ويقلل أعداد البيض التي تطرح سنوياً. والنوع الآخر يتركز فيه الصيد على أحجام الأسماك الصغيرة التي لم يكتمل نموها بعد، بحيث أن الصيد المفرط أو الجائر يمارس على أعداد كبيرة من الأسماك صغيرة الحجم التي لها قابلية لمزيد من النمو. وهذا يعتبر خسارة كبيرة من ناحية إنتاجية مصايد الأسماك. ولنضرب مثلاً على ذلك: فلو أن مجمل عمليات الصيد أنتج 1000 سمكة بوزن 1 كيلوجرام للسمكة، لكان الإنتاج الكلي 1000 كيلوجرام. أما إن أنتجت عمليات الصيد 10000 سمكة بوزن 50 جرام لكل سمكة، فإن كمية الصيد ستنخفض إلى 500 كيلوجرام رغم أن عدد الأسماك المصادة تضاعف 10 مرات، وبالتالي فإن صيد الأسماك الصغيرة التي لها القابلية لمزيد من النمو يعتبر خسارة كبيرة للإنتاجية الطبيعية في البيئة.
وعليه فينبغي على الجهات المعنية بالحفاظ على الثروة السمكية تقييم وضع المخزون السمكي، ووضع الضوابط والتنظيمات الكفيلة بحمايته من الاستغلال المفرط، بغية ترشيد استغلاله، واستدامته.
ساحة النقاش