- "التدين الحديث" تدين مع مراعاة عادات المجتمع التي تتعارض مع الدين؛ فلا يريد أن يكون مسلماً ملتزماً حتى لا يُتهم بالتشدد؛ أو يتعرض للنقد؛ ولا يريد أن يكون متفلتاً من الدين خشية من الله؛ فيتخذ طريقاً وسطاً؛ فمرة هكذا ومرة هكذا. فهو مزاجي متقلب؛ وقد قال تعالى: ﴿إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً أولئك هم الكافرون حقاً...﴾ [النساء:151-150]
هناك مسلمون يريدون أن يكونوا وسطاً في الدين؛ وسطاً بين الإلتزام الكامل والتفلت الكامل، وسطاً بين الكفر والإيمان، فيراعي العادات؛ وتقاليد الآباء والعائلة والمجتمع؛ بعض الأحكام الشرعية تناسبه؛ وهناك أحكام أخرى لا تناسبه فيتركها...وهذا من المزاجية في الإلتزام ﴿أفـتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض...﴾
ومن مظاهر هؤلاء:
أ- أن يكثر الأسئلة والجدل في موضوع شرعي واضحٌ حكمه.
ب- أن يتراخى ويكسل في أداء العبادات فلا يؤديها إلاّ على مضض وانزعاج، كما في قوله تعالى: ﴿... فذبحوها وما كادوا يفعلون﴾
ج- أن يبرر تقصيره بالطاعات أو خوضه في المعاصي.
- آية البر ترد على أصحاب المزاجية والتردد في التدين؛ فقد كان بعض العرب في الجاهلية إذا عزم على الحج ثم قرر عدم متابعة حجه عاد إلى بيته ودخل من النافذة أو تسور الجدار لأنه يستحي من الله أن يدخل من الباب؛ ويعتبر ذلك من التقوى.
بعضهم اعتبر مسألة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة مسألة خطيرة مع أنه يفرط في غيرها؛ فردت آية البر على هؤلاء؛ قال عز وجل: ۞ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)
هذه الآية تبين أن أخذ بعض الدين أو أداء بعض العبادات لا يكفي، فالدين ليس في جهة تتجه إليها في صلاتك إذ لا تفضيل لجهة على أخرى إلاّ بتفضيل الشرع لها.
هذه الآية جمعت أركان الإيمان، والعبادات، والسلوك، والأخلاق... فهي الدين كله...
-5 جاء بشير بن الخصاصية إلى رسول الله ﷺ فطلب منه الرسول أن يبايعه على شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت والجهاد والصدقة.
قال يا رسول الله أبايعك على هؤلاء إلاّ الجهاد والصدقة. فقال النبي ﷺ: «لا جهاد ولا صدقة؟!! فبم تدخل الجنة إذاً ؟!!» ورفض النبي أن يبايعه.
والخلاصة أن المزاجية في الدين غير مقبولة. لما سئلت السيدة عائشة عن عمل رسول الله في بيته قالت يكون في خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه؛ فلم يكن من صفاته ﷺ ألا يخرج للصلاة أحياناً لإنشغاله عنها بأمور أقل منها؛ أو لأن مزاجه لا يسمح؛ بل كان كما قال تعالى؛" فاستقم كما أمرت" وليس كما تحب.