القولبة أو النمطية والعقل العربي
القولبة أو الصورة النمطية مفهوم مستعار من عالم الطباعة يستخدم لإنتاج نسخ مطابقة للأصل، وتم استخدام هذا المصطلح ليصف ميل الإنسان إلى وضع الناس في قوالب عامة جامدة، بحيث يمثل رأياً مبسطاً، أو موقفاً عاطفياً، أو حكماً غير مدروس يتسم بالجمود وعدم التغير وفي أغلب الاحيان لا يكون بسبب « نقص المعلومات» أو مشكلة معرفية بل بهدف تحقيق عدوان معنوي متعمد ومخطط له وتتم العملية بإلصاق مجموعة من الصور الكريهة والأوصاف المنفرة وتعميمها وتشويه متعمد للحقائق، بأسلوب التعميم المفرط، غير مستند للواقع .،
وبالرغم من أن التعميم وإصدار الأحكام العامة من أكثر الأخطاء الفكرية تكراراً لدى الإنسان إلا أنها ضرورة فكرية ممكن ان تحدث بشكل عرضي وتختلف تماماً عن القولبة و التي تهدف إلى تصنيع الصورة النمطية السلبية عن الآخرين
وتعتمد النمطية على دراسات علمية تختص بالعقل الباطن الذي يمثل الجزء اللاوعي من عقل الانسان وهو يتحكم بحركات جسمك اللا شعورية ويعد مخزن المشاعر والمبادئ والمعتقدات أو أي شيء يدخل للعقل ويصبح مسيطراً عليه وعلى التفكير، وهو مستوى أدنى من الوعي أو العقل ويعمل عليه المتنورين ، ويوزعون الافكار في العقل الباطن ونحن نعتقد أنها أفكار خاصة ولكنها أفكار مغروسة تؤثر كثيرا في الحياة وخاصة الاطفال وتستغلها السينما لجذب انتباه الاطفال بشكل خاص والترويج للمنتجات.
دور وسائل الأعلام في النمطية أو القولبة:
وسائل الإعلام بأنواعها المقروءة والمسموعة والمرئية والأفلام السينمائية والتواصل الاجتماعي حتى المباشرة منها تعد المصدر الرئيس لكل أفكارنا وتصوراتنا، عن الدول والشعوب والثقافات والديانات ..الخ تبحث وسائل الإعلام عن شواهد أو أحداث أو ممارسات ويتم ترسيخها في أذهان البشر مع مرور الوقت والتكرار المستمر ترسخ وتتأكيد الصورة النمطية السلبية، حتى تتلاشى أي جوانب إيجابية أخرى في صورة المستهدف بحيث تختزل اهدافهم أو صفاتهم في مجموعة قليلة من السمات السلبية مما تستدعي ردود أفعال معينة من الجمهور وهى من أشد أشكال الظلم الذي يتعرض له البشر في هذا العصر.
و إذا نجحت عملية القولبة والتنميط وتصنيع الصورة السلبية فإن الضحية يجد من الآخرين مشاعر الكراهية والنفور، والاشمئزاز والاحتقار، وأحياناً الخوف منه، بل والرغبة في التخلص منه، مما يجعله معرضاً للخطر.
إن الصورة النمطية السلبية التي تقوم وسائل الإعلام بتصنيعها ورسمها لبعض الثقافات والجماعات وبعض الاتجاهات السياسية أو الفكرية، هي مظهر من مظاهر الظلم في هذا العالم، وتهدد الأمن والاستقرار وتعمل على تأجيج الكثير من الصراعات، وزيادة حدة الكراهية في العالم، بل إنها تعطي المشروعية لهذه الكراهية، وتبرر عملية الاعتداء على ضحايا الصورة النمطية السلبية، وتجعل العدوان عليهم شيئاً مبرراً ومفهوماً ومشروعاً.
وهذا ما حدث في غزة الان،: الصورة أن حماس منظمة إرهابية، والعرب حماة الإرهاب والدين الإسلامي يشجع على الإرهاب، والتخلص من هذه الصورة تتم بقتلهم جميعاً ، وعلى العالم الحر مساعدة (إسرائيل) بهذا الفعل لأنها تعمل على حماية الدولة المدنية ( لا دينية ) وتحمي الديمقراطية وتدافع عن الفكر السامي
إن الأفلام السينمائية الأجنبية جسدت شخصية الإنسان العربي على أنه وسخ لا ينظف نفسه ورائحته نتنة قليل الاهتمام بحياته الاجتماعية وهو ظالم وإذا تم رسمه يكون شكله مثل الانسان في العصر الحجري وهذا يشعرك بعدم الارتياح بسبب إحساسك بأنك قد وضعت في إطار صورة نمطية سلبية غير عادلة وأصبحت مهدد بالقتل ومنبوذ في المجتمع وغير مقبول عالميا وبسبب هذه الصورة كان طلب مجموعة من الركاب في طائرة طرد فتاة عربية خوفا من أن تكون ارهابية وأمثلة أخرى كثيرة رسمها الأعلام الغربي عن العرب والاسلام.
القوانين والمواثيق الأخلاقية والتنميط
نظراً لما تمثله عملية القولبة والتنميط من ظلم فادح، واستغلال سلطة الإعلام في الاعتداء المبرمج والممنهج على الآخرين، فقد نصت المواثيق الإعلامية على عدم التصوير النمطي لأي اتجاه فكري، أو سياسي، أو جماعة عرقية، أو دينية.
دور المجالس والنكت والتواصل الاجتماعي:
لا يقل دور التجمعات وتبادل الاحاديث (والنكت) عن دور الإعلام في تعزيز النمطية في المجتمع الواحد، وتطورت هذه الصور بحيث لا يوجد بلد عربي إلا فيه مدينة تمثل النمط السلبي ، ولا قرية ألا فيها أسرة منمطة بأسلوب خاص وأن النكتة على وجه الخصوص أسرع وسيلة لغسيل دماغ الانسان واكثر انواع الأيديولوجيا الفكرية تدميرا وقد استخدمت في معظم حروب العالم من ضمن الحروب النفسية واﻹعلامية لتدمير العدو والنيل من مبادئه وقدراته وهز ثقته في نفسه ،وبذلك يكون أفراد المجتمع اكبر مساعد لأعداء الوطن وخير دليل على ذلك اسلوب القولبة وتصنيع الصورة التي استعملها الاستعمار البريطاني حين علموا أن الصعايده ذوي نخوه وقوه وثبات، أرادو كسرهم وبثوا نكت تسخر من غباءهم وليس ضعفهم، حتى رسخوها فيهم وفي أجيالهم فحينما يذكر الصعيدي يتبادر لذهنك شخصيه غبية وسطحية .
أمثلة كثيرة عن محاولة الإعلام الغربي تنميط المقاومة العربية للصهيونية على أنها ارهاب وضد الديمقراطية والسامية ، والنمط الايجابي للحركة الصهيونية على انها سامية وإنسانية والعكس صحيح.
ومن الأفكار السلبية الراسخة في العقل العربي موضوع المؤامرة ، فكل المشاكل الموجودة في الدول العربية والمجتمعات العربية سببها مؤامرة الاستعمار الغربي علينا ومحاولاته المتكررة للسيطرة علينا ونهب خيراتنا وقتل مستقبلنا ، حتى لو ضبط مسؤول مهم في حالة سرقة أو اختلاس لكان السبب مؤامرة خارجية ، إذا افتى شيخ فتوة ليس فيها فائدة مؤامرة خارجية ، حتى إذا لم نجد خبزاً بسبب الحكومات العربية الرديئة مردوها الى مؤامرة خارجية .
والنمط الثاني أن أي تغير في الواقع العربي يفشل ولا يتحقق لآن الغرب لا يريد ذلك حتى العملية الانتخابية على مستوى بلدة واختيار رجل سيء مرده لان الغرب يريد ذلك ، كل الإجراءات والقرارات مرهونة برغبة الغرب وتحقيق أهدافه .
نجد من ذلك أن الفعل العربي والمبادرة العربية مغيبة بالمطلق والاحداث مرهونة برغبة الغرب في تغير واقعنا ، حتى حمّلت الأغلاط في الفتاوى الدينية الى الغرب، ونحن ليس لنا حول ولا قوة .
بينما الاحداث التي حدثت في الوطن العربي والثورات هي فعل داخلي ليس للغرب علاقة به إن كان في سوريا أو مصر أو تونس، وكل حراك ينادي بتحقيق العدالة منبعه داخلي وليس للغرب علاقة به لأنه ببساطة لا يجاري تحقيق أهدافه ولا يساعد على استمرار نظامه وسيطرته على الوطن العربي ،
وامثلة كثيرة موجودة ، واكبر مثال ذلك ما قامت به حركة حماس والفصائل الثورية في غزة للتحرر من الاحتلال الصهيوني واسترجاع حقوقهم ووقف غالبة الدول والافراد التي نمط تفكيرها بأن الخيار الوحيد هو ما يختاره الغرب .
تعددت وسائل الاتصال والأعلام المزيف والمخادع الذي يسطر عليه الغرب ، والذي توجه لنصرة الصهيونية ومجازرها وقوتها وجبروتها ، وضرب القوى الضعيفة بالعتاد القوية بإيمانها بقضيتها العادلة التي تنادي بالتحرر وتحقيق العادلة الدولية .
محمد اللكود