الأخلاق في السياسة
أن الإنسان كائن أخلاقي هذا ما أكده الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) فالفطرة هي القيم الأصيلة والأخلاق النبيلة التي ركزت عليها جميع الأديان، وقد ارتبطت هذه العقيدة والشريعة وأركانها العبادية بالقيم السلوكية، فالصلاة {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت: 45] ، والصوم لعلكم تتقون، والحج ليشهدوا منافع لهم، والزكاة خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، وإذا صلحت النفس تكون قادرة على الإصلاح.
تعني السياسة إدارة الحكم بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد عن البلاد والعباد فهذه السياسة جزء أساسي من الدين ومنهج الحياة الذي بينه الله سبحانه وتعالى بقوله:
(اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)[الأنفال:24]
وفي الاسلام قاعدة أصولية تقول: بأن العبرة بالمقاصد والمعاني وليست بالألفاظ والمباني، فالذين يحملون هذه الشعارات الجيدة الثورية المقاومة يرتكبون جريمة لا أخلاقية من أنهم حملوا شعارا جميلا وفعلوا شيئا سيئا وهذا ما بينه القرآن الكريم لليهود حينما قال جل جلاله:
{لمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]
من هنا نجد أن الله سبحانه وتعالى يصف رسوله الحبيب : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم:4 ].
تبنت السياسات الغربية مسألة الميكيافلية ، المتأثرة بالسياسات أللأخلاقية والتي تبنتها الصهاينة وهي أن الغاية تبرر الوسيلة، بعكس ما في الإسلام إذ لا يمكن أن تبرر الغاية الوسيلة يجب أن تكون الوسيلة مشروعة كما يجب أن تكون الغاية مشروعة.
على الإسلاميين أن يكونوا ملتزمين في الإسلام حقا وحقيقة وأن يقدموا الأخلاق قبل العمل وأن يكونوا قدوة قبل أن يعملوا أو ينفذوا، فالرئاسة ليست غاية إنما هي وسيلة لخدمة الشعب، اعرف بها كيف أخدم ديني وأخدم شعبي، يقول الله جل جلاله: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء :74-75] هذه الآية ترشد الذين يتبنون الفكر الإسلامي وحتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه إذا أنتم تتبنون الفكر الإسلامي لابد أن تتبنون الحق والحقيقة ولا تركنوا إلى الظلمة ولا تستعملوا الوسائل غير المشروعة.
يجب على التيارات الإسلامية بأن تلتزم تماما بالإسلام، وأن تلتزم بالشفافية والقيم الأخلاقية، وأن تأخذ كذلك بسنن الله سبحانه وتعالى التي انتصر بها هؤلاء الغربيون السنن الدنيوية، وتلتزم بالأمور الدينية، والسنن الخاصة بأمور الآخرة، السنن الخاصة بالمسلمين التي تميز فيها الأمة الإسلامية عن غير الإسلامية،..
نصر عارف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة يقول : السياسة تُحكم بمعادلة ثلاثية الابعاد وهي المصالح والأخلاق والقانون، وفي العادة يحدث توازن بين هذه الأبعاد الثلاثة ولكن القوى الفاعلة في العالم هي التي تحدد الأوزان النسبية لهذه الأبعاد ففي بعض الأوقات تعلو المصالح على الأخلاق ومن ثم يتم النزول بالأخلاق والقانون درجة دنيا كما يحدث في فلسطين.
وفي بعض الأوقات تعلو الأبعاد القانونية على المصالح وعلى الأخلاق ونبدأ نتكلم على قوانين الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني وإلى آخره أو تدخلات الأمم المتحدة ولكن الأخلاق ليست مفصولة دائما ولكنها تستخدم حيثما يراد لها أن تستخدم.
يتحول العالم إلى غابة إذا تم الفصل بين السياسة والأخلاق، هناك خلط بين شيئين بين القانون كتعبير عن الأخلاق أو كممارسة أخلاقية راقية ومقننة وبين الأخلاق كبعد إنساني
الإسلام هو الذي علم العالم إقليمية القانون (القانون يطبق داخل حدود الدولة)، ولكن الأخلاق لا تنحصر داخل حدود الدول وإنما الأخلاق ذات بعد إنساني ، فالقانون الدولي الإنساني يعطي الحق للمنظمات الدولية وللدول فرادى أو جماعات التدخل إذا ما شعروا أن هناك ممارسة سياسية في دولة معينة أو ممارسة عسكرية تهدد السلم والأمن الدوليين .
ارتبطت الأخلاق لدى السلطات أو الفكر الغربي بأمرين أساسيين: الأمر الأول هو المصالح وهي مقدمة عن الأخلاق وتطبق الأخلاق حينما يريدونها . أما في الإسلام فالالتزام بالأخلاق يعني التزام بالمبدأ سواء كان لي أو لغيري كما يقول رب العالمين{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [ المائدة : 8 ] بل إن الله سبحانه وتعالى عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم حينما خاصم يهوديا صحابي وكان الحق مع اليهودي فالله جل جلاله قال: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا }[النساء:105] فالأخلاق يعم حتى في المستوى الإنساني هو التزام الإنسان بهذا القانون العدل .
يجب أن نكون مع الأخلاق إذا كانت معنا أو ضدنا.
يلتزم الإسلام بالأخلاق في وقت الحرب وفي وقت السلم، فإذا كان العدو يقاتلك فحينئذ الدفاع عن النفس والحق لا يعتبر مخالفة للقانون أو الشريعة فالدفاع عن النفس واجب إنساني، ((من قتل دون ماله أو دون نفسه فهو شهيد))، والتعامل بنفس المعاملة، مثلاً الاغتصاب جانب غير إنساني لا يجوز للمسلم، ولا يقتل بالتعذيب، فالإسلام لا يعمل بقيم غير أخلاقية.
يحتاج صاحب القضية الأخلاقية أن يثخن في الأرض، الله عز وجل أيضا قال:
{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67]، فمقاتله الذين يثيرون الفتن ويزعزعون الاستقرار لا يخرج عن دائرة الدفاع عن النفس، وهم مجرمي الحرب، فقتل مجرم الحرب جائز، الله سبحانه وتعالى ذكر قبل هذه الآية مجموعة من الآيات كيف هؤلاء أنهم لا يعرفون عهدا، وينقضون العهود، فيستحقون القتل العمل بالمثل. هؤلاء عذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأخرجوه والصحابة من ديارهم وأرضهم فحينما يعاملون بالمثل، هذا لا يخرج عن دائرة الأخلاق أبدا، وإنما يدخل ضمن المعاملة بالمثل أو معاقبة مجرمي الحرب حتى بعد الأسر.
الدين كله أخلاق، والعمل العام أو العمل السياسي هو عمل أخلاقي لأنه لخدمة مصالح الناس، وهى جزء من المنظومة الأخلاقية التي اقترحها الفقهاء لمصالح الإنسان، حق النفس، وحق الدين وحق النسل، وحق الملك، هذه الحقوق الخمسة هي مصالح ضرورية لان الدين أكبر أعداء الاستبداد، وأخلاق الدين أكبر أعداء الاستبداد،
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزلزلة: 7-8]
أخلاق السياسة وسياسة الأخلاق:
القضية الأخلاقية في الإسلام ليست هي قضية الضعف، إنما هي قضية العدل، قضية الرحمة، والرحمة نفسها هي مع القوة، وإلا اصبح الإنسان المظلوم عاجز المسكين لا يقدر على شيء.
بعض علماء المسلمين لما قال {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]
قالوا يجب أن تكون هذه الأمة قوية، لأن الرحمة تأتي من القوي، أما إذا كانت الأمة مستضعفة فكيف يكون لها رحمة، فمن هنا الأخلاق في الإسلام قوة، ولكن قوة بعدل، قوة بإنصاف، قوة بكرامة، كما قال سيدنا أبو بكر، الشريف أي القوي، ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف عندي قوي حتى آخذ له الحق.
اعداد محمد اللكود 20/12/2022
المراجع: الدكتور علي القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، ونائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث،
<!--نصر عارف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة . لقاء مع تلفزيون الجزيرة 26/3/2012