<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;} </style> <![endif]-->
تعتبر قضية التنمية بعامة، والتنمية الريفية بخاصة من أهم القضايا التي تشغل بال علماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة والإدارة في الآونة المعاصرة، ولا يقتصر الأمر على اهتمام الأكاديميين بهذه القضية بل يشاركهم ذلك الاهتمام رجال الحكم وصناع القرار والتنفيذيون ويرجع ذلك إلى عدة اعتبارات منها :-
1- أن أغلب سكان العالم خاصة في الدول النامية يعيشون في الريف فنجد على سبيل المثال أن متوسط نسبة سكان الريف في الوطن العربي باستثناء الكويت تبلغ نحو 60-85 في المائة من الجملة السكان.
2- أوضحت عمليات المسوح الإحصائية التي أجريت في أفريقيا وآسيا أن ما بين 75%و85% من السكان الريفيين يشتغلون بالزراعة أما بقية السكان الريفيين فيمتهنون أعمالاً أخرى منها الصناعات الريفية والتجارة والنقل والخدمات.
3- فيما يتعلق بالدول العربية نجد أن نسبة المشتغلين بالزراعة من جملة عدد السكان الريفيين تبلغ ما بين 45-75%.
4 - قصور أنماط التنمية المتبعة في كثير من دول العالم الثالث عن مواجهة متطلباتها من الأغذية وتكوين رؤوس الأموال كما يرجع إلى قصور الاستثمار في الموارد البشرية في الريف.
5- على الرغم من معدلات الهجرة العالية من الريف إلى الحضر فإن سكان الريف في الدول العالم النامي مازالوا يزيدون بمعدل مرتفع 2% تقريباً.
6 - أن هناك تفاوتاً كبيراً في مستوى نصيب الفرد من الخدمات العامة وفي البيئة المعيشية بين سكان الريف وسكان الحضر وتدل التقديرات على أن نصيب الفرد من الخدمات العامة في الحضر يبلغ 4-6 مرات أكثر من نصيب الفرد في الريف كما ورد في تقرير المركز الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراع.
7 - ارتفاع نسبة الأمية بين الريفيين. فمثلاً تبلغ نسبة الأمية في الوطن العربي 72.6%من جملة عدد السكان إلا أننا نجد أن معظم هؤلاء الأميين من أبناء الريف وفي بلد كسوريا مثلاً نجد أن نسبة الأمية على مستوى الدولة تبلغ 29% وهي من لنسب الضئيلة في الوطن العربي في الوقت ذاته نجد أن 80% من هذه النسبة تتمركز في الري.. أن أعلى نسبة للفقراء في العالم تعيش في المناطق الريفية، ويقسم تقرير البنك الدولي حول استراتيجية التنمية الريفية إلى مجموعات حسب درجة فقرهم فهناك فقر كلى ومعناه أن يبلغ دخل الفرد سنوياً ما يعادل 50 دولاراً أمريكياً فأقل وفقر نسبي وهو الفرد الذي يقل دخله السنوي عن نصف متوسط دخل الفرد على المستوى القومي وبناء على التقسيم فإن تحليل سكان جميع الدول النامية التي يزيد عدد سكانها على المليون يوضح ما يلي:
أ. أن ما يقرب من 85% من جميع الذين يعانون من فقر كلى يعيشون في مناطق ريفية.
ب. تحتفظ الدول النامية بآسيا بنصيب الأسد من نسبة عدد الفقراء إذ تبلغ نسبتهم إلى جملة عددهم في العالم 70% تليها أفريقيا بنسبة 17% ثم أمريكا اللاتينية والكاريبي 13%.
9 - ارتفاع معدل الهجرة من الريف إلى الحضر خاصة الفئات ذات القدرة المهنية من الشبان أدت إلى حرمان الريف من الاستفادة من قدرات أمثال هؤلاء الشباب الذين يمكن أن يساعدوا في عمليات تطوير الريف.
من أجل هذا كله برزت أهمية قضية التنمية الريفية كقضية مجتمعية، وفي نفس الوقت نجد أنها قضية أكاديمية خاصة إذا عرفنا أن ثم خلافات بين العلماء حول أساليب التنمية والحجم الأمثل لوحدة التنمية وأسلوب إدارة التنمية، فهل تكون إدارة حكومية أم إدارة أهلية أم حكومية أهلية وإذا كانت كذلك فما حجم وشكل ومشاركة الأهالي للإدارة الحكومية وما مدى فعالية مشاركتهم، هل مشاركة شكلية سطحية أم مشاركة حقيقية، وما درجات هذه المشاركة وفي ماذا يشاركون؟ كل هذه التساؤلات تمثل أموراً أكاديمية تستوجب البحث والفحص والدراسة وصولاً إلى نظريات علمية يمكن أن تفيد صانعي القرارات ومنفذي الخطط التنموية.
وفي تصوري أن نجاح أو فشل عمليات التنمية في الريف العربي يعتمد إلى حد كبير على مدى استخدام أسلوب أفضل وأوفق في إدارة هذه العمليات وإن إدارة التنمية إدارة مشتركة بين الأهالي والحكومة يمكن أن تؤدي إلى نجاح الخطط التنموية مع ضرورة توافر بقية الظروف الموضوعية والإمكانات الأساسية اللازمة للتنمية.
وأعني بالمشاركة الشعبية في عمليات التنمية الريفية كافة الجهود التي يبذلها المواطنون للتأثير في الإدارة معاونتها في اتخاذ القرارات والسياسات التي تتجاوب مع احتياجاتهم وتحقق الصالح العام، والمشاركة قيمة اجتماعية في ذاتها وأسلوب اجتماعي يحقق مزايا عديدة.
ويعرفها البعض بأنها جميع صور استفادة المواطنين من الفرص المتاحة لهم للتأثير في السياسات والقرارات التي تمس مصالحهم.
والمعروف أن كلمة مشاركة دخلت ضمن مفردات لغة السياسة خلال الستينات من هذا القرن وشاع استخدامها في مجال الإدارة وخاصة فيما يتعلق بمشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ورغم حداثة فكرة المشاركة الشعبية فإن جذورها تمتد عبر التاريخ إلى النظرية الديمقراطية التقليدية (الكلاسيكية)
والملاحظ أن حجم المشاركة الحالي أقل من المستهدف يرجع ذلك إلى عدة أمور منها :
أ. حداثة العهد بالأخذ بمفهوم المشاركة الشعبية بمعناها الواسع.
ب. ضعف إيمان الإدارة بالمشاركة الشعبية على أساس أن المواطنين أقل كفاية وتخصصاً من عمالها وأنهم لا يدركون المساءل العلمية والفنية قدر إدراك الموظفين المتخصصين لها أنهم غالباً يجهلون الجوانب القانونية التي تنظم شؤون المجتمع وبالتالي تؤدي مشاركتهم إلى إلحاق الضرر بالمصلحة العامة والعملية الإدارية.
ج. غموض النصوص القانونية ذات العلاقة بالمشاركة وعدم الاهتمام بتفسيرها للمواطنين بطريقة تتناسب مع مستوى إدراكهم وفهمهم.
د. استمرار رواسب النظم البيروقراطية وغيرها من العوامل التي تخلفت عن فترات الاحتلال وما أعقبها من فترات في أغلب الدول النامية.
هـ. انشغال المواطنين في الريف في أمور حياتهم نظراً لانخفاض المستوى الاقتصادي والثقافي.
ولا يمكن تقسيم عمليات التنمية إلى جزأين جزء يشترك فيه المواطنون وجزء لا يشتركون، إن المشاركة واجب وحق لكل من المواطنين والمسئولين الحكوميين.
ولم تعد المشاركة على حد قول "ميلر" مجرد شعار يرفعه الساسة لنيل رضا الأهالي ولكنه أصبح أسلوباً إدارياً يفرض نفسه ويتعين علينا أن نفسح المجال للمشاركة في الإدارة وأن لا نقف في وجه هذا الاتجاه.
تهدف المشاركة في إدارة عمليات التنمية في الريف إلى عدة أمور منها:
أ. ترشيد سياسات وقرارات إدارة التنمية.
ب. الإسراع بإحداث التغيرات السلوكية الضرورية لنجاح التنمية.
ج. إدراك المواطنين للإمكانيات المتاحة للتنمية.
د. تكملة الموارد المالية والبشرية اللازمة لتنفيذ خطة التنمية الريفية عن طريق العون الذاتي.
هـ. الحرص على المال العام.
و. يتعلم المواطنون من خلال المشاركة وبمرور الوقت كيف يحلون مشكلاتهم بأنفسهم.
ز. تدعيم الرقابة الشعبية على المشروعات الحكومية.
ح. تؤدي المشاركة إلى فتح قنوات للتفاهم بين الحكومة والشعب .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي العمليات التي يجب أن يشارك فيها أهل الريف؟
والإجابة على ذلك تتمثل في أن أهل الريف يمكنهم ويجب أن يشاركوا في وضع الخطط وإصدار القرارات، في المتابعة، في التقويم، في تحديد الميزانيات ومراجعة الحسابات، اشتراك في البيع والتوزيع، اشتراك في التمويل، اشتراك في كل شيء يؤدي إلى وضوح بصمات الريفيين في عمليات التنمية.
هذا وثمة عوامل تؤثر في حجم المشاركة وفعاليتهما منها :
أولاً : عوامل من جانب الإدارة
وتتمثل هذه العوامل في :
1 - أسلوب تنظيم إدارة التنمية الريفية، فقد يكون التنظيم تنظيماً بيروقراطياً ويقصد بذلك أن تشكل إدارة التنمية كلية من موظفين حكوميين قد يقيمون في نطاق الوحدة موضوع التنمية، ويخضعون رئاسياً لإدارات على مستوى إقليمي والمستوى المركزي، يمثل هذا النوع من التنظيم لا يفسح المجال لمشاركة المواطنين.
وقد يكون التنظيم تنظيماً ديمقراطياً وهذا النوع من التنظيمات يقوم على أساس إخضاع هذه الإدارة العامة للمواطنين عن طريق تمثيلهم في السلطة التي تملك حق إقرار خطط التنمية الريفية ويشجع هذا النوع من التنظيم الأهالي على الاستفادة من صور المشاركة المتاحة لهم التعاون مع الإدارة.
3- سلوك الإدارة تجاه المواطنين، فالإدارة ليست مجرد بناء تنظيمي ولكنها مجموعة من العلاقات بين العاملين وبينهم وبين المواطنين الذين يتعاملون معهم وتتأثر أنماط سلوك الإدارة تجاه المواطنين بالعوامل الإيكولوجية للإدارة ومدى وضوح القوانين واللوائح المنظمة لعملية المشاركة، وينكمش حجم المشاركة إذا مارس العاملون العملية الإدارية بمفهوم كونها سلطة مترفعة على الأهالي وعليهم الالتزام بتعليماتها. وتكون المشاركة مرغوباً فيها إذا مارست الإدارة صلاحياتها بمفهوم أنها تؤدي خدمة للمواطنين أصحاب المصلحة الحقيقية في التنمية الريفية ويمكن دعم إدارة التنمية الريفية بالمواطنين بوسائل منها: تأمين اتصالات مباشرة بين الإدارة والمواطنين وتأمين اتصالات غير مباشرة بينهم من خلال وسائل الإعلام المختلفة وعمل صناديق تلقي المقترحات والشكاوى واستطلاع رأي الهيئات والجمعيات الأهلية العاملة في مجال التنمية.
ثانياً : عوامل من جانب المواطنين :
تتمثل هذه العوامل في :
أ. عوامل سلوكية ، فمن الحاجات الإنسانية الحاجة إلى تحقيق الذات وتمثل هذه الحاجة قيمة كبيرة بالنسبة لعملية المشاركة الشعبية ويختلف مفهوم الأفراد في وسيلة تحقيق الذات فالبعض يرى أنها تتمثل في ممارسة النفوذ أو الظهور بينما يراها آخرون في تحقيق المنافع المادية وفريق آخر ينظر إليها على أنها الإسهام في رفع شأن المجتمع وتطويره ويدور هذا كله في إطار ما يسمى بالسلبية، الإيجابية, المصلحة الخاصة، المصلحة العامة. وتختلف العملية من فرد لآخر وتؤثر هذه الأمور على عمليات المشاركة في عمليات إدارة التنمية.
ب. العوامل الاجتماعية والاقتصادية : إذ يتأثر حجم المشاركة في إدارة التنمية الريفية بعوامل اجتماعية واقتصادية منها: الجنس، العمر، الحالة الاجتماعية، المستوى التعليمي والمستوى الاقتصادي.
فمثلاً تظهر نتائج بعض الدراسات انخفاض معدل المشركة بين الإناث عنه بين الرجال في دول كثيرة منها هولندا، فرنسا، فنلندا، مصر.
كما تبين أن المشاركة تقل بين من يتعدون الستين من أعمارهم وكذا بين من هم دون 25 سنة. وأظهرت الدراسات أن أعلى معدلات المشاركة الشعبية بين منهم في فئة العمر 40-60 سنة.
وتؤكد نتائج بعض الدراسات الميدانية أن المتزوجين أكثر مشاركة من غير المتزوجين في المجالات الاجتماعية والسياسية المختلفة.
وأظهرت الدراسات أيضاً ارتفاع معدل المشاركة مع ارتفاع المستوى التعليمي والثقافي. وثمة دراسات عن العلاقة بين المستوى الاقتصادي والمشاركة تؤكد على أن تدني الوضع الاقتصادي يؤثر ويتناسب تناسباً طردياً مع تدني المشاركة الشعبية.
ويعد عرض وجهات النظر المدعمة لعمليات المشاركة وأهميتها يجب أن يكون واضحاً أن هناك وجهة نظر ترى عكس ذلك وترى وجهة النظر هذه أن المشاركة الشعبية تؤدي إلى إضعاف الشعور بالمسؤولية لدى رجال الإدارة، كما أنها ترفع تكلفة العملية الإدارية.
وأنها تعطل عملية التنمية الريفية وغير ذلك من الأمور المردود عليها وأعتقد أن ما سبق ذكره في أهمية وفوائد المشاركة كاف للرد على مثل هذه المزاعم.