دراسة عن تلوث المسطحات المائية وآثاره الاقتصادية والاجتماعية

إعداد

د / أحمد عبد الوهاب برانيه

المقدمة

أصبحت مشكلة سوء استخدام الموارد الطبيعية وتدهور البيئة من أكبر المشكلات التى تواجه البلدان النامية، وعلى الرغم من أن المشاكل البيئية التى نواجهها اليوم ليست بجديدة، إلا أننا لم نبدأ فى فهم أبعادها إلا مؤخراً بعد ملاحظة أثر التدهور البيئى فى إخماد التنمية الإقتصادية وتناقص إمكانياتها، فلا يمكن أن تقوم التنمية على قاعدة من الموارد الطبيعية المتداعية، كما لا يمكن حماية البيئة عندما يسقط النمو من حسابه تكاليف تدمير البيئة، فالتنمية والبيئة وجهان لعملة واحدة.

والماء أحد الموارد الطبيعية الأساسية، بل هو ركن أساسى من الأركان التى تهيئ الظروف الملائمة للحياة واستمرارها، وصدق الله العظيم حيث قال " وخلقنا من الماء كل شئ حى" والماء أكثر مادة منفردة موجودة فى الغلاف الحيوى، ويغطى الماء أكثر من سبعة أعشار الكرة الأرضية، لدرجة أن البعض يطلق عليها الكرة المائية لا الكرة الأرضية، ويمثل الماء المالح فى البحار والمحيطات حوالى 97% من إجمالى المحيط المائى، فى حين أن المياه العذبة تكون 30% فقط، إلا أن حوالى 75% من هذه المياه العذبة متجمدة على هيئة ثلج وجليد فى القطبين وبعض المناطق الباردة الأخرى. والجزء الباقى من المياه العذبة والذى يقدر بحوالى 1% من إجمالى المياه تتفاوت عذوبته، وهو الجزء الصالح للأستخدامات البشرية والزراعية والصناعية. ويوجد حوالى 0.1% من المياه العذبة فى الأنهار والبحيرات، بينما تمثل المياه الجوفية 0.6% والباقى قدره 4% تتوزع بين ماء المطر المتخلل التربة أو الداخل فى تركيب أجسام الكائنات الحية أو الموجودة على هيئة بخار فى الجو.

وتحتل مسألة المياه فى منطقتنا العربية اهتمام الخبراء والسياسيين، من زاوية النظر إلى أن العالم والشرق الأوسط بالتحديد سيواجه أزمة مياه فى القرن القادم، وأن نقص المياه يعتبر القنبلة الموقوتة فى النزاع العربى الإسرائيلى، بل أن بعض الخبراء يرون أن المياه كانت أحد الدوافع الأساسية لشن حرب 1967 ففى مدة الحرب تمت عسكرة قضية المياه، وكان من نتائجها أن زرادت مصادر المياه العذبة لإسرائيل بمقدار 25% على الأقل.

وبالنسبة لمصر، فإن المصدر الوحيد للمياه العذبة هو النيل، حيث تقدر حصة مصر من مياه النهر بحوالى 55.5 مليار مترمكعب فى السنة تستخدم فى الأغراض الآتية: الشرب والإستخدامات المنزلية (3.3 – 4 مليار متر مكعب)، بواقع 190 – 210 لتر للفرد فى اليوم، والصناعة (2.5 مليار متر مكعب)، والزراعة تستهلك باقى المياه، حيث تستخدم فى رى مساحة تقدر بحوالى 6 – 7.3 مليون فدان (متوسط إحتياجات الفدان يتراوح ما بين 5100 م³ - 6300 م³). ويقدر الفاقد فى المياه المستخدمة فى الزراعة بحوالى 10.5 مليار متر مكعب وهى مياه الصرف الزراعى (يسترد منها حوالى 4.5 مليار متر مكعب يعاد استخدامها مرة أخرى كمياه لرى الأراضى، وهى المياه التى لا تزيد فيها نسبة الملوحة عن 1000 جزء فى المليون) كما تقدر كمية المياه التى تذهب إلى الخزان الجوفى بحوالى 5 مليار متر مكعب، ويسترد منها حوالى 2.5  مليار متر مكعب عن طريق الضخ. وعلى هذا يكون إجمالى الفاقد من مياه الزراعة إلى البحر والبحيرات الشمالية وبحيرة قارون حوالى 9 مليار متر مكعب، وبالإضافة إلى فاقد الزراعة هناك حوالى 2 مليار متر مكعب تفقد فى نهر النيل والترع وغيرها، وحوالى 600 مليار متر مكعب من مياه الصناعة، وحوالى مليار ونصف من مياه الإستخدامات المنزلية وهناك أخيراً ذلك الجزء الذى يفقد فى البحر خلال فترة السدة الشتوية وهى فترة تطهير الترع التى لا يحتاج النبات خلالها إلى ماء يذكر، إلا أن إحتياجات الملاحة فى النهر وكذا رفع منسوب المياه لمآخذ محطات مياه الشرب تأخذ حوالى 1.3 مليار متر مكعب تزيد إلى 2.8 مليار متر مكعب فى حالة تشغيل توربينات السد العالى، وهذه المياه تفقد فى البحر فى الوقت الحاضر، وعلى هذا يكون إجمالى الفاقد من امياه حوالى 14.5 إلى 16 مليار متر مكعب من إجمالى حصة مصر من المياه وهى 55.5 مليار متر مكعب.

وتقدر كميات المياه الممكن توفيرها من هذا الفاقد بحوالى 4.8 – 6.3 مليار متر مكعب وتمثل فى 1.3 -2.8 مليار متر مكعب من مياه السدة الشتوية، 3 مليار متر مكعب من مياه الصرف الصناعى، حوالى 0.5 مليار متر مكعب نتيجة تنقية مياه الصرف الصحى. وهذه الكمية من المياه هى التى ستكفى بالكاد الإحتياجات المتزايدة للإستخدامات المنزلية والصناعة خلال السنوات العشر القادمة دون أى زيادة فى الأراضى الزراعية، وهو اختيار فى غاية الصعوبة.

يتضح مما سبق أن كمية المياه المتاحة محدودة للغاية، ومما يزيد من مشكلة محدودية المياه أن الأنشطة المختلفة سواء إقتصادية أو آدمية تعرض هذه الكميات المحدودة للتلوث، ففضلات الإنسان المنزلية والمجارى الصحية والمخلفات الصناعية، ومياه الصرف الزراعى المحملة بمخلفات المبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية، ومخلفات السفن وغيرها أدت وتؤدى إلى تلوث المياه فى مصر، وتجعل الماء المتاح غير صالح للإستخدامات المختلفة له، وعلى هذا أصبحت الندرة والتلوث وجهان لمشكلة المياه العذبة فى مصر.

وعلى الرغم من الوفرة النسبية لمياه البحار، فإنها تتعرض هى الأخرى للآثار المدمرة لبيئتها نتيجة التلوث بأنواعه المختلفة، فخطورة تلوث مياه البحار تزداد يوماً بعد يوم، حيث يعتبر التلوث بالنفط من أكبر الملوثات وإن الكثير من عمليات التنقيب واستخراج النفط تجرى فى قيعان البحار، كذلك فإن طرح فضلات المجارى والنفايات الناتجة من النشاطات الآدمية، وكذلك المخلفات الصناعية والزراعية تعتبر من الملوثات الخطيرة التى تهدد نظافة المياه البحرية والتى تسبب أضراراً للبيئة البحرية ومواردها الطبيعية خاصة الثروات السمكية، بالإضافة إلى تأثيرها المباشر على النواحى السياحية والترفيهية.

إن تلوث المسطحات المائية فى مصر أصبح من أكثر المشاكل إلحاحاً، نظراً للأضرار والمخاطر التى يسببها على المستوى الفردى والقومى التى تتمثل فى الإضرار بصحة الفرد وإنخفاض إنتاجيته وارتفاع الإنفاق على العلاج وتبديد مورد طبيعى أساسى ونادر والآثار السلبية على نوعية الإنتاج النباتى خاصة ما يصدر منه، وتلوث مصايد الأسماك، بالإضافة إلى آثاره السلبية على التنمية السياحية، وكل هذه الآثار تؤدى إلى سلسلة من التداعيات الإقتصادية والإجتماعية تكون آخر حلقاتها عجز ميزان المدفوعات، وإنخفاض الناتج القومى الإجمالى وتدنى معدلات النمو.

وبهدف البحث إلى رصد مشكلة تلوث المسطحات المائية فى مصر بصفة عامة مع التركيز على تلوث مصايد الأسماك، ومحاولة تقييم أبعاد المشكلة وتحليل إنعكاساتها على إمكانيات النمو المتصل والمتوازن على الموارد السمكية، وتقديم إقتراحات مناسبة لحماية هذه الموارد وترشيد استخدامها ومعالجة التدهور الذى يهدد قدرتها على التجدد والبقاء ومحاولة صياغة إستراتيجية قومية وإقليمية لكى نحمى الأجيال القادمة ونضمن الحصول على غذاء ومياه نظيفين.

ويتناول البحث فى الفصل الأول النظم البيئية المائية والنمو المتواصل والمتوازن للموارد المتجددة، ثم يعرض فى الفصل الثانى لمفهوم تلوث المسطحات المائية وتداعياته والآثار البيئية لأنواع الملوثات المختلفة، ويتناول الفصل الثالث عرض عام للآثار الإقتصادية والإجتماعية لتلوث المسطحات المائية، وينتهى البحث بتقديم بعض المقترحات والتوصيات التى تهدف إلى حماية المسطحات المائية ومعالجة التدهور الذى يهدد قدرة مواردها الطبيعية على التجدد والبقاء.

وقد اعتمدت الدراسة على البيانات والمعلومات التى تم تجميعها من مصادر مختلفة منها دراسات ونشرات وتقارير برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة UNEP، ومنظمة الأغذية والزراعة FAO، ومشروع حماية البحر الأبيض من التلوث التابع للأمم المتحدة، وكذلك تقارير ومناقشات مجلسى الشعب والشورى والمجالس القومية المتخصصة واكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا، والمعهد القومى لعلوم البحار والمصايد، ووثائق المؤتمرات العلمية المعنية بموضوع الدراسة وما اتيح من رسائل جامعية فى هذا الشأن، وغيرها من المصادر.

وقد قام بإعداد هذه الدراسة الأستاذ الدكتور أحمد عبد الوهاب برانيه المستشار بمركز التخطيط الزراعى، وشارك كل من الأستاذ الدكتور عزت عواض ابراهيم والدكتور عبد القادر حمزة من معهد علوم البحار والمصايد فى توفير بعض البيانات عن بحيرتى المنزلة ومريوط، كما شارك الدكتور حسن أمين رزق فى توفير بعض المعلومات الخاصة بالتقييم الاقتصادى لتلوث المصايد، والسيد / سمير عبد الحميد عريقات فى توفير بيانات عن تلوث نهر النيل.

المحتويات

الفصل الأول : النظم البيئية المائية والنمو المتواصل والمتوازن للموارد المتجددة

1 - النمو المتواصل والمتوازن للموارد المتجددة

2 - الموارد المتجددة فى المسطحات المائية المصرية

الفصل الثانى : تلوث المسطحات المائية

1 - ماهية تلوث المسطحات المائية

2 - الآثار البيئية للملوثات المستحدثة

الآثار البيئية لمخلفات الصناعة

الآثار البيئية لمبيدات الحشرات والأعشاب المائية

الآثار البيئية للمخصبات الزراعية

الآثار البيئية للصرف الصحى

الآثار البيئية لزيت البترول

3 - الوضع الراهن لتلوث المسطحات المائية فى مصر (نظرة عامة)

الفصل الثالث : الآثار الاقتصادية والاجتماعية لتلوث المسطحات المائية – دراسة لحالة بعض المسطحات المائية

1 – الآثار الاقتصادية والاجتماعية للتلوث – نظرة عامة

2 – مشاكل قياس الآثار الإقتصادية للتلوث

3 – الآثار الاقتصادية والاجتماعية لتلوث المسطحات المائية

4 – دراسة حالة بعض المسطحات المائية

تلوث خليج السويس وآثاره الاقتصادية والاجتماعية

تلوث بحيرة مريوط وآثاره الاقتصادية والاجتماعية

التوصيات

*** للإطلاع يرجى زيارة مكتبة الهيئة ***

إعداد : أيمن عشرى

إشراف : منى محمود

ساحة النقاش

مكتبة جهاز وتنمية البحيرات والثروة السمكية

lfrpdalibrary
عنوان الهيئة: القطعة رقم (210) بالقطاع الثانى-حى مركز المدينة-التجمع الخامس-القاهرة الجديدة- Email: [email protected] »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,736,171

اخر إصدارات كتب المكتبة