قوانين الصيد والأتفاقات الدولية البحرية

من الثابت والمعروف في أوساط النقل البحري الدولي، أن نصف حالات المطالبة بالتعويض عن أضرار التلوث البحري تنشأ من سفن لا تحمل شحنة بترول، أي غير متعلقة بالشحنة البترولية التي تنقلها ناقلات البترول. حتى في الحالات الكبيرة الناتجة من انسكاب بترول بعيدا عن حالات ناقلات البترول، فقد ثبت أنها أكثر من حالات انسكاب البترول من الناقلات ذاتها. كما أوضحت الدراسات أن متوسط حجم النفط كوقود في مخازن السفن غير ناقلات البترول يصل حوالي 14 مليون طن على مستوى العالم في أي وقت، في حين أن جملة النفط المنقول عبر البحار في ناقلات البترول لا يتعدى 130 مليون طن. كذلك وجد أن بعض سفن السوائب وسفن الحاويات تحمل من النفط كوقود أكثر مما تحمله ناقلات البترول التي تعمل على السواحل.

وحتى أسبوع واحد، كان من الصعوبة بمكان مواجهة حالات التسرب الزيتي من السفن غير ناقلات البترول لعدم توفر نظام لتحديد المسؤولية القانونية والتعويض عنها، مع أن طبيعة زيت الوقود يجعل عند تسربه أصعب جداً في مكافحته وأكثر من التكاليف من حالات التلوث الناتج عن شحنة بترولية منقولة في ناقلة وتعرضت لحادث ما. ومع أنه أمكن التوصل إلى عدة اتفاقيات دولية لتحديد المسؤولية والتعويض عن الأضرار الناتجة عن التلوث الزيتي الناتج من السفن، إلا أن المسؤولية والتعويض عن أضرار إراقة/ انسكاب وقود السفن، ظلت من دون تنظيم خاص بها، إلى أن توصل مؤتمر دبلوماسي دولي عقد الأسبوع الماضي في لندن، إلى اتفاقية دولية عن المسؤولية والتعويض عن التلوث الناجم من مخازن وقود السفن. وبالتوصل إلى هذه الاتفاقية يوم الجمعة 23 مارس (آذار) الماضي، تكون قد سدت الفجوة القانونية التي ظلت شاغرة قرابة ثلاثين عاما لتكتمل الترتيبات القانونية الدولية لتعويض ضحايا انسكاب البترول في البحار بشكل كامل.

اتفاقيات دولية أخرى ان الجهود الدولية التي بذلت داخل «المنظمة البحرية الدولية» لإقرار نظام دولي عن نواحي المسؤولية والتعويض كافة لكل المتضررين من التلوث الناتج عن السفن كانت بدايتها التوصل إلى:

ـ الاتفاقية الدولية للمسؤولية المدنية عن أضرار التلوث الزيتي لعام 1969.

وقد تلى ذلك، الاتفاقيات الأخرى التالية:

* الاتفاقية الدولية لإقامة صندوق دولي للتعويض عن أضرار التلوث الزيتي، لعام 1971.

* اتفاقية متعلقة بالمسؤولية المدنية في مجال النقل البحري للمواد النووية، لعام 1971.

* اتفاقية أثينا الخاصة بنقل الركاب وأمتعتهم بحرا، لعام 1974.

* اتفاقية لتحديد المسؤولية في المطالبات البحرية، لعام 1976.

* الاتفاقية الدولية عن المسؤولية والتعويض عن الأضرار المتعلقة بنقل المواد الخطرة والضارة بحرا، لعام 1996.

ثم تجيء الاتفاقية التي تم التوصل إليها الأسبوع الماضي وهي:

* الاتفاقية الدولية للمسؤولية المدنية من أضرار التلوث الزيتي الناجم من مخازن الوقود لعام 2001.

ملابسات الاتفاقية الجديدة ان أول تفكير في وضع اتفاقية دولية مستقلة عن أضرار مخازن وقود السفن نشأ بمناسبة مناقشة بروتوكولات اتفاقية 1969، واتفاقية صندوق التعويض لعام 1971، وذلك في عام 1992، لكن رؤي وقتها أن تضمين أضرار مخازن وقود السفن في تلك الاتفاقيات سوف يعقد الأمور، إذ يوجد فارق واضح بين النفط المحمول كبضاعة في ناقلة البترول والزيوت المستخدمة كوقود. وفي عام 1994، قدمت أستراليا اقتراحا بوضع نظام للمسؤولية والتعويض من أضرار مخازن الوقود، فدخل الموضوع منذ ذلك الوقت على جدول أعمال المنظمة البحرية. كذلك أثير الموضوع أثناء نظر تطورات اتفاقية نقل المواد الخطرة والضارة في عام 1996، لكن رؤي مرة أخرى استبعاد تضمين هذا الموضوع في تلك الاتفاقية، لكن مع الوعد بوضع اتفاقية مستقلة بشأنه. وهذا ما تأكد في مذكرة مشتركة تقدم بها عام 1996، كل من استراليا وكندا وفنلندا والنرويج وجنوب افريقيا والسويد والمملكة المتحدة، للشروع في إعداد الاتفاقية، التي يؤدي التوصل إليها إلى وضع كل عناصر المسؤولية والتعويض في مكانها الصحيح بالنسبة للأضرار الناتجة عن النقل بحرا للنفط وكل المواد الضارة أو السامة كافة. وهي إنجاز عالمي ضخم باعتباره مساهمة كبرى للمحافظة على البيئة البحرية في العالم أجمع، وهو ما تستفيد منه الدول الساحلية كافة وكل ضحايا التلوث الناجم من مخازن وقود السفن.

وهو ما يؤدي بدوره إلى دعم الثقة في قدرة ومكانة المنظمة البحرية الدولية باعتبارها الوكالة الدولية المتخصصة في الشؤون البحرية الدولية، التي نجحت في وضع منظومة متكاملة من الاتفاقيات الدولية التي يكمل بعضها بعضا بهدف حماية البيئة البحرية من ناحية، وتحديد المسؤولية وحق المتضررين من تعويض عادل عند حدوث أضرار ناتجة من التسرب الزيتي.

المؤتمر الدبلوماسي ونتائجه حضر المؤتمر الدبلوماسي الذي عقد في الفترة 19 / 23 مارس (آذار) 2001، وفود 780 دولة، منها من الدول العربية: الجزائر، مصر، الكويت، لبنان، المغرب، السعودية، سورية، وتونس. كما حضر ممثلون عن المنظمات الدولية الحكومية، منها ممثل للجامعة العربية والمنظمات الدولية غير الحكومية.

وقد صيغت الاتفاقية الجديدة على نمط «الاتفاقية الدولية للمسؤولية المدنية عن أضرار التلوث الزيتي لعام 1969. ويلاحظ أن الاتفاقيتين يربطهما أمر مشترك مهم وهو التزام مالك السفينة في أن يحصل على غطاء تأميني بشكل إلزامي. ومن الملامح المهمة في الاتفاقية الأخيرة الخاصة بمخازن وقود السفن، إمكانية المتضرر من التلوث أن يرفع دعوى تعويض مباشرة ضد الشركة المؤمنة.

وتسري أحكام الاتفاقية على السفن من حمولة ألف طن (كوزن إجمالي)، وسوف تدخل حيز النفاذ بعد عام من تصديق 18 دولة خمس منها تبلغ حمولتها الكلية مليون طن على الأقل، أو الانضمام إليها أو قبولها. وتغطي الاتفاقية فقط التلوث وأضراره في اليابسة والبحر الإقليمي والمنطقة الاقتصادية في الدولة المتضررة، كما تحتوي الاتفاقية على نصوص وقائية.

وبالنسبة للمسؤولية فالاتفاقية تحدد مجموعة صغيرة من الأفراد، مثل مالك السفينة، يكونون مسؤولين عن أضرار التلوث من أي مخازن وقود فوق السفينة أو ناتج من السفينة ذاتها، كذلك فقد أوردت الاتفاقية نصوصاً تسمح لمالك السفينة أن يحدد مدى مسؤوليته بموجب أنظمة وطنية أو دولية.

من ناحية أخرى، اصدر المؤتمر ثلاثة قرارات مرتبطة بالاتفاقية:

1 ـ قرار بشأن حدود المسؤولية ويحث كل الدول أن تصدق أو تنضم إلى بروتوكول عام 1996 بتعديل اتفاقية حدود المسؤولية في المطالبات البحرية لعام 1976، إذ ان البروتوكول يرفع حدود المسؤولية وبالتالي كمية التعويض في حالة الحادثة البحرية بالمقارنة بما في اتفاقية 1976. ويدخل هذا البروتوكول حيز النفاذ بعد 90 يوما من قبوله من عشر دول، وقد قبلته أربع دول حتى الآن.

2 ـ قرار بتنمية التعاون الفني ويحث الدول كافة أن تعمل بالتعاون مع المنظمة البحرية أو الدول المهتمة أو المنظمات الدولية والبرامج المعنية، على أن تقدم دعمها للدول التي تطلب تعاوناً فنياً لتقييم آثار الانضمام إلى هذه الاتفاقية أو المساعدة في وضع تشريعاتها الداخلية تنفيذا للاتفاقية أو تدريب الأفراد اللازمين لتنفيذ بنودها. كما يحث الدول على البدء في اتخاذ كل ما يلزم في هذا الاتجاه، من دون انتظار لدخول الاتفاقية حيز النفاذ مثلا.

3 ـ قرار بشأن حماية الأفراد المناط بهم اتخاذ الإجراءات لمنع أو تقليل آثار التلوث الزيتي. وهو يحث الدول أن تنظر عند تنفيذ الاتفاقية في الحاجة إلى ادخال نصوص أو أحكام قانونية لحماية الأشخاص الذين يوكل إليهم اتخاذ إجراءات لمنع أو تقليل آثار التلوث من مخازن وقود السفن. وتوصي أن يعفى مثل هؤلاء الأشخاص من المسؤولية، إلا أن تكون هذه المسؤولية نتيجة تصرفاتهم الشخصية أو تصرف قصد منه احداث ضرر أو إهمال، مع العلم أن مثل هذا الضرر قابل للحدوث. كذلك يوصي القرار الدول ان تنظر في القواعد المعنية في الاتفاقية الدولية للمسؤولية والتعويض في الأضرار المرتبطة بحمل المواد الخطرة والضارة بحرا لعام 1996 كنموذج لتشريعاتهم.

  • Currently 62/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 690 مشاهدة
نشرت فى 7 فبراير 2011 بواسطة leloi

ساحة النقاش

maha karamallah

leloi
ماجستير فى العلاقات الدولية - كلية الحقوق جامعة عين شمس »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

160,737