بحث
بشأن مدى جواز إسناد
عمل غير قانوني إلى عضو الإدارة القانونية
أولاً : النصوص القانونية الحاكمة للمسألة :
نصت المادة رقم (198) من الدستور الحالي المعدّل على أن :
" المحاماة مهنة حرة ، تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة ، و سيادة القانون ، و كفالة حق الدفاع ، و يمارسها المحامي مستقلاً ، و كذلك محامو الهيئات و شركات القطاع العام و قطاع الأعمال العام ..... ".
و تنص المادة الأولى من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 على أن :
" المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة ، و في تأكيد سيادة القانون ، و في كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين و حرياتهم .
و يمارس مهنة المحاماة المحامون وحدهم في استقلال ، و لا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائرهم و أحكام القانون " .
و تنص المادة الثالثة من ذات القانون على أن :
" مع عدم الإخلال بأحكام القوانين المنظمة للهيئات القضائية و بأحكام قانون المرافعات المدنية و التجارية لا يجوز لغير المحامين مزاولة أعمال المحاماة ، و يعد من أعمال المحاماة :
1- الحضور عن ذوي الشأن أمام المحاكم و هيئات التحكيم و الجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي و جهات التحقيق الجنائي و الإداري و دوائر الشرطة و الدفاع عنهم في الدعاوى التي ترفع منهم أو عليهم و القيام بأعمال المرافعات و الإجراءات القضائية المتصلة بذلك .
2- إبداء الرأي و المشورة القانونية فيما يطلب من المحامي .
3- صياغة العقود و اتخاذ الإجراءات اللازمة لشهرها أو توثيقها .
4- و تعد أيضاً من أعمال المحاماة بالنسبة لمحامي الإدارات القانونية في الجهات المنصوص عليها في هذا القانون فحص الشكاوي و إجراء التحقيقات الإدارية و صياغة اللوائح و القرارات الداخلية لهذه الجهات " .
و تنص المادة الأولى من قانون الإدارات القانونية رقم 47 لسنة 1973 على أن :
" الإدارات القانونية في المؤسسات العامة و الهيئات العامة و الوحدات الاقتصادية ، أجهزة معاونة للجهات المنشأة فيها ، و تقوم بأداء الأعمال القانونية اللازمة لحسن سير الإنتاج و الخدمات ..... و تتولى الإدارة القانونية في الجهة المنشأة فيها ممارسة الاختصاصات التالية :
(أولاً) المرافعة ، و مباشرة الدعاوى و المنازعات أمام المحاكم و هيئات التحكيم و لدى الجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي ، و متابعة تنفيذ الأحكام .
(ثانياً) فحص الشكاوى و التظلمات و إجراء التحقيقات ، التي تحال إليها من السلطات المختصة .
(ثالثاً) إعداد مشروعات العقود ، و إبداء الآراء القانونية في المسائل التي تحال إليها من رئيس مجلس الإدارة أو من يفوضه من المديرين .
(رابعاً) إعداد مشروعات اللوائح الداخلية ، و لوائح الجزاءات و غير ذلك من القرارات و الأوامر التنظيمية و الفردية .
(خامساً) معاونة مجلس الإدارة في مراقبة تطبيق الوحدة للقوانين و اللوائح و الأنظمة السارية .
(سادساً) الأعمال القانونية الأخرى التي يعهد بها إليها من مجلس الإدارة ".
و قد أصدر وزير العدل قراره رقم 1785 لسنة 1977 بقواعد و إجراءات إعداد و اعتماد الهياكل الوظيفية و جداول توصيف الوظائف الخاصة بالإدارات القانونية الخاضعة للقانون رقم 47 لسنة 1973 ، و نص في المادة الرابعة منه على أن :
" تمارس الإدارة القانونية الأنشطة التالية طبقاً للاختصاصات المنصوص عليها بالمادة الأولى من القانون رقم 47 لسنة 1973 :
(أ) مباشرة القضايا . (ب) فحص الشكاوى . (ج) فحص التظلمات .
(د) إجراء التحقيقات . (هـ) إعداد مشروعات العقود . (و) إصدار الفتاوى .
(ز) إعداد مشروعات اللوائح الداخلية و لوائح الجزاءات و المعاونة في مراقبة تطبيقها .
(ح) الأعمال القانونية الأخرى التي يعهد بها إليها من مجلس الإدارة " .
و قد أرفق بالقرار سالف الذكر، الملحق رقم (2) بشأن اختصاصات التقسيمات التنظيمية بالبناء التنظيمي للإدارات القانونية ، لينص على الاختصاصات التفصيلية للأعمال القانونية المسندة إلى الإدارات القانونية بمقتضى قانون الإدارات القانونية ، و المتعلقة بالأشطة التالية :
( القضايا – الشكاوى – التظلمات – التحقيقات – العقود – الفتاوى – اللوائح – الأعمال القانونية الأخرى التي يعهد بها إليها من مجلس الإدارة ).
كما صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1007 لسنة 1978 بشأن المعايير اللازمة لترتيب وظائف العاملين بالقطاع العام ، و قد أرفق به ملحق رقم (2) بشأن بيان بتحديد و تعريف المجموعات النوعية التي تصنف فيها الوظائف ، و ورد به ( 6- المجموعة التخصصية للوظائف القانونية :
التعريف العام : تشمل جميع الوظائف التي تكون واجباتها و مسئولياتها الرقابة أو الإشراف على أو تقديم الخبرة أو القيام بالتنفيذ في مجال أو أكثر من المجالات القانونية .
تبدأ وظائف هذه المجموعة و تتدرج وفقاً لتقييم وظائف الإدارة القانونية المعتمدة للشركة و في ضوء قانون الإدارة القانونية بالقطاع العام .
أمثلة لمجالات أعمال وظائف هذه المجموعة :
- المرافعة و مباشرة الدعاوى و المنازعات أمام المحاكم و هيئات التحكيم و لدى الجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي و متابعة تنفيذ الأحكام .
- فحص الشكاوى و التظلمات و إجراء التحقيقات القانونية .
- إعداد مشروعات العقود من الناحية القانونية .
- إعداد مشروعات اللوائح الداخلية و لو ائح الجزاءات و غير ذلك من القرارات و الأوامر التنظيمية و الفردية .
- إبداء الرأي في المسائل القانونية " .
ثانياً : و حيث إن المشرع الدستوري قد دل بالنص الرقيم (198) على احتفائه بالإدارة القانونية و أعضائها ، و أعلى من قدرهم ، مبرزاً جوهرية عملهم و خطورته و أهميته ، فنص على أنهم – فضلاً عن محامي القطاع الخاص - شركاء للسلطة القضائية يعينونها على توكيد سيادة القانون ، و الدفاع عن حقوق المواطنين و حرياتهم ، و يعملون معها من أجل تحقيق العدالة كغاية نهائية لكل تنظيم قانوني يقوم على إرساء الحق و إنفاذه ، و من أجل ذلك أكد المشرع الدستوري أنهم يمارسون المحاماة التي هي - في أصلها و جوهر قواعدها – مهنة حرة ، على استقلال ، فلا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائرهم و حكم القانون ، على نحو ما نصت عليه المادة الأولى من قانون المحاماة ، و المحاماة - وعلى ما أكدته المحكمة الدستورية العليا - باعتبارها كذلك تتمخض جهداً عقلياً يتوخى ربطاً علمياً بين القانون في صورته النظرية المجردة ، و بين تطبيقاته العملية " .( المحكمة الدستورية العليا – حكمها في الدعوى رقم 38 لسنة 17 ق " دستورية " – جلسة 18/5/1996 – الجريدة الرسمية العدد 21 في 30/5/1996 )
و لقد أحسنت المحكمة الدستورية العليا تعبيراً – حتى من قبل صدور الدستورالحالي -
بتقريرها : " أن المحامين و رجال القضاء يعلبون معاً دوراً متكاملاً في مجال ضمان إدارة أفضل للعدالة ... " . ( المحكمة الدستورية العليا – حكمها في الدعوى رقم 6 لسنة 13 ق " دستورية " – جلسة 16/5/1992 – الجريدة الرسمية العدد 23 في 4/6/1992 )
و إذا كان الدستور قد جعل لهم بذلك مكاناً علياً ضمّنه نصوصه ، فإن لازم ذلك بالضرورة ألا ينزلق محاموا الإدارات القانونية إلى ما يهدر أو يمس أو يحط أو يقلل أو ينتقص من ذلك المركز الدستوري و القانوني ، و لا يجوز كذلك لأية جهة أو مسئول أو فرد أن يتعرض لهم – سلباً – في كرامتهم ولا في الاحترام و الهيبة الواجبين لهم ، و إذا كانوا هم شركاء للسلطة القضائية في تحقيق العدالة وسيادة القانون ، و كان المساس بكرامة و هيبة السلطة القضائية و أعضائها أمراً غير جائز، فكذلك يكون المساس بكرامة و هيبة الإدارة القانونية و أعضائها غيرجائز.
و لا مراء – ترتيباً على ذلك - أن إسناد أي عمل غير قانوني لعضو الإدارة القانونية ، يتنافى تماماً مع مركزهم الدستوري و القانوني ،و عظيم عملهم المنوط بهم ، و الضمانات التي كفلها لهم الدستور و القانون ، و ما يجب لهم من الهيبة و الاحترام في نفوس الغير .
ثالثاً: و إذا كان ذلك هو موقف المشرع الدستوري ، فإن المشرع العادي كان أسبق في ذلك منه ، فلقد درس عن بصيرة حقيقة مركز محامي الإدارات القانونية ، و طبيعة عملهم ، و خطورته ، و ما استهدفه من إنشاء إداراتهم القانونية ، فكان بصره بذلك كله حديداً ، فجاءت نصوصه القانونية في شأن الحفاظ على كرامتهم و هيبتهم في علاقاتهم بالغير و قد استوت على سوقها ، أصلها ثابت و فرعها من الحق و المنطق صادع ، فقانون المحاماة – كما سبق بيانه – أكد على أن المحاماة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة و في تأكيد سيادة القانون ، و ذلك في استقلال ، و في تأكيد منه على أن المحامي لا يمارس إلا المحاماة ، عدد بعض أعمال المحاماة ، جلية في كونها من صميم الأعمال القانونية المحضة ، بل و ذكر بعض أعمال المحاماة بالنسبة لمحامي الإدارات القانونية لا تخرج عن صريح العمل القانوني دون غيره ، على نحو ما أورد في المادة الثالثة منه و المتقدم ذكرها ، ليدلل على أن المحامين – سواء بالقطاع الخاص أو العام – لا عمل لهم إلا العمل القانوني المضروب به المثل بالمادة المذكورة .
كما أن قانون الإدارات القانونية - السابق الإشارة إليه – قد أكد ، في المادة الأولى منه ، دور أعضاء الإدارات القانونية الهام في رقابة و تطبيق القانون ، و من أجل ذلك و اتفاقاً معه و مع طبيعة مركزهم القانوني و وظيفتهم في خدمة سيادة القانون و خطورته ، و منعاً لأي إساءة إليهم تمس كرامتهم أو هيبتهم ، أحاطهم ببعض الضمانات التي تكفل لهم ذلك ، ومنها أن حدد أعمالهم التي ناطها بهم ، و كلها تتصف بالعمل القانوني المحض ، على غرار الحال في قانون المحاماة ، و من الآيات و الإشارات التي تحمل صحة ذلك و تؤكده ؛ ما نصت عليه المادة الأولى من القانون المذكور ، حيث نصت على أن : " و تقوم بأداء الأعمال القانونية ... " ، فالمشرع لم يطلق الأعمال التي تؤديها الإدارات القانونية من عقالها ، بحيث تمارس أي عمل حتى ولو كان غير قانوني ، بل قيدها بصفة محددة ، هي ( القانونية ) ، و هو تقييد مقصود بلا شك ، ليدل على أنه ليس من بين مهام الإدارات القانونية ممارسة أي عمل غير قانوني ، و حتى بالنسبة للبند (سادساً) من المادة الأولى سالفة الذكر، و التي ورد بها : " الأعمال القانونية الأخرى التي يعهد بها إليها من مجلس الإدارة " ، فإن هذا البند و إن استهدف عدم حصر الأعمال التي تختص بها الإدارة القانونية ، إلا أنه قيد تلك الأعمال كذلك بـ ( القانونية ) دون غيرها ، و كذلك الأمر في لائحة تنظيم العمل في الإدارات القانونية ، و قواعد و إجراءات إعداد و اعتماد الهياكل الوظيفية بالإدارات القانونية و ملحقها رقم (2) ، و القرار الخاص بالمعايير اللازمة لترتيب وظائف العاملين بالقطاع العام ، و ذلك على النحو الذي تقدم بيانه، ثم إن الأمر الجلي أن القانون الذي ينتظم أحكام الإدارات القانونية و أعضائها قد تسمّى باسمها ، ليؤكد لكل ذي عقل أن تلك الإدارات إنما هي معنية في عملها بالقانون و بالقانون فقط .
و المشرع ، سواء في قانون المحاماة أو قانون الإدارات القانونية ، إذ يضرب المثل للأعمال التي يباشرها محاموا الإدارات القانونية ، بتلك الأعمال ذات الصفة القانونية الخالصة ، فإن ذلك منه ليس من قبيل اللغو أو العبث ، و إنما كان مقصوداً له ، لينادي بصوت جهير في الناس أجمعين : أنه لا يجوز إسناد أي عمل غير قانوني لأعضاء الإدارات القانونية ؛ حتى يوفر لهم بيئة عمل تتناسب و تتوافق و تتوائم مع ما أسبغه عليهم الدستور و القانون و طبيعة عملهم و الدور المنوط بهم من هيبة و احترام في مواجهة الغير ، تمكيناً لسلطة الإدارة القانونية من ممارسة عملها ، و بثاً لهيبتها في النفوس .
و قد قضت المحكمة الإدارية العليا حسماً لذلك بأن :
" المشرع في القانون رقم 47 لسنة 1973 قد أراد أن يحمي مديري الإدارات القانونية و أعضائها في مجال ممارستهم لأعمالهم القانونية بالمؤسسات العامة و الهيئات العامة و الوحدات التابعة لهم بحيث يمارسون أعمالهم القانونية باستقلال عن الرئاسة الإدارية ، لأنهم يمارسون من خلال هذا المجال وظيفة رئيسية في خدمة سيادة القانون بالنسبة لجهة الإدارة ، و هو ما يقتضي في هذا النطاق تمتعهم باستقلالية يحميها المشرع بتنظيم أسلوب خاص بمساءلتهم يتضمن من الضمانات ما يحمي لهم استقلالهم في مواجهة جهة الإدارة التنفيذية ، غير أن هذه الضمانات التي قررها المشرع لهم إنما يتمتعون بها عند مباشرتهم أعمالهم القانونية في مجال الدعاوى و الفتاوى و التحقيقات ، فإذا ما أسند إلى هؤلاء العمل الإداري خارج إطار المهام القانونية ، فإن هذا الإسناد يكون في ذاته غير موافق لمقتضيات أصول التنظيم و الإدارة ، لأنه يرتب الجمع بين العمل الرقابي الذي يباشره أصالة رجال الإدارات القانونية و الذي كان الأساس المستهدف من إفرادهم بتنظيم قانوني خاص في القانون رقم 47 لسنة 1973 ، و بين العمل التنفيذي الذي يسند إليهم على هذا النحو غير السديد .... ".( الطعن رقم 2335 لسنة 30 ق – جلسة 17/12/1988 – مشار إليه بمؤلف المستشار/ محمد ماهر أبو العينين – الضمانات و الإجراءات التأديبية أمام المحاكم التأديبية و مجالس التأديب – الطبعة الثانية – ص 343 ، 344 )
رابعاً : و من ناحية أخرى ، تنص المادة 78/5 من قانون العاملين بالقطاع العام رقم 78 لسنة 1978 على أن :
" يجب على العامل مراعاة الأحكام الاتية : ................
5- المحافظة على كرامة الوظيفة و السلوك بالمسلك اللائق بها ".
و مفهوم ذلك أن المخالفة التأديبية تنهض كلما سلك العامل سلوكاً معيباً ينطوي على إخلال بكرامة الوظيفة ، باعتبار أن سلوك العامل على هذا النحو ينعكس على الوظيفة فتزعزع الثقة فيه و في الجهاز الإداري الذي يعمل به ، إذ العامل يساهم بقدر في تسيير المرافق العامة عن طريق شغله لإحدى الوظائف العامة ، و أنه يمثل الإدارة و يتصرف باسمها ، و أنه يتعين أن يتسم سلوكه في تصرفاته بالاحترام الواجب لها .
و هذا الالتزام بالمحافظة على كرامة الوظيفة و اعتبارها و الاحترام الواجب لها ، يقع على عاتق الرئيس و المرؤوس على سواء ، بل هو في حق الرؤساء أحرى و أجدى ، باعتبارهم أصحاب سلطة في الإدارة – في حدود وظيفتهم – و التي تخولهم صلاحيات تمكنهم من تحقيق المحافظة على كرامة الوظيفة ، لا سيما أنهم يمثلون القدوة في ذلك لغيرهم من المرؤوسين ، خاصة و أنه يفترض أيضاً فيهم أن لهم مدة خدمة و خبرة في العمل سبروا خلالها أغوار الوظيفة و واقعها و مقتضياتها ، و أنهم بصفتهم تلك أكثر من غيرهم حرصاً على كرامة الوظيفة التي يمثلونها و كذا كرامة مرؤوسيهم .
و إسناد عمل غير قانوني إلى عضو الإدارة القانونية ، يمس – إن لم يكن يهدر- كرامة الوظيفة القانونية و العضو القانوني في آنٍ واحد ، و ينعكس سلباً على الثقة و الهيبة و الاحترام الواجبة للإدارة القانونية و أعضائها ، و تتعاظم الخطورة إذا كان مصدر هذا الإسناد رئيس بالإدارة القانونية ذاتها ، و يتعاظم أكثر و أكثر إذا كان العمل غير القانوني المسند إلى العضو القانوني غير مناسب ألبتة ، خاصة إزاء صراحة النصوص الدستورية و القانونية و مبادئ القضاء ، و التي يفترض في الرئيس بالإدارة القانونية العلم بها ، مما يحيل تلك النصوص و المبادئ سراباً و هباءً منثوراً .
وقد قضت المحكمة الإدارية العليا بأن :
" حدود سلطة الرئيس على مرؤوسيه – لا يسوغ أن تكون توجيهاته و تعليماته مجاوزة لما يجب أن يسود جو العمل الوظيفي من احترام متبادل و محافظة على كرامة العاملين رؤساء و مرؤوسين " .( الطعن رقم 460 لسنة 31 ق – جلسة 30/4/1988 – مجموعة المبادئ القضائية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا منذ إنشائها حتى الآن – د/ حامد الشريف – طبعة 2009 – الجزء الخامس – ص 277 )
" يجب أن يلتزم الموظف في سلوكه ما لا يفقده الثقة و الاعتبار اللازم توافرها للاستمرار في العمل ، بل عليه أن يتفادى الأفعال الشائنة التي تعيبه فتمس تلقائياً الجهاز الإداري الذي ينتسب إليه و يتميز بمقوماته " الطعن رقم 991 لسنة 14 ق – جلسة 3/6/1973 – مشار إليه بمؤلف الأستاذ/ محمود صالح – شرح نظام العاملين المدنيين بالدولة – الطبعة الأولى 1995 – ص 429 .
" الموظف الحكومي .... لا يجوز له أن يصدر منه ما يمكن أن يعتبر مناقضاً للثقة الواجبة فيه و الاحترام المطلوب له هو عدته في التمكين لسلطة الإدارة و بث هيبتها في النفوس " الطعن رقم 260 لسنة 5 ق – جلسة 3/6/1961 – أ/ محمود صالح – مرجع سابق – ص 428 .
خامساً : و إن مما يطرح نفسه ، لا سيما بعد التعديلات الدستورية الاخيرة ، استكمالاً للبحث الراهن ، هل يندرج إسناد عمل غير قانوني لعضو الإدارة القانونية تحت مدلول الإهانة التي جرمها المشرع ؟
لقد تدخل المشرع العادي – في قانوني العقوبات و المحاماة – ليجرم مجرد إهانة المحاكم ، و الإخلال بمقام القاضي أو هيبته ، و كذلك تجريم مجرد إهانة محام أو الإعتداء عليه بالإشارة أو القول أو الفعل ، و ذلك لعظيم و بالغ أثر عمل السلطة القضائية و المحامين ، و في شأن المحامي نص قانون المحاماة على أن : " يعاقب كل من تعدي على محام أو أهانه بالإشارة أو القول أو التهديد أثناء قيامة بأعمال مهنته أو بسببها بالعقوبة المقررة لمن يرتكب هذه الجريمة ضد أحد أعضاء هيئة المحكمة ".
و في تحديد مدلول الإهانة المجرمة قضت محكمة النقض بأن :
" لا يشترط لتوافر الإهانة أن تكون الأفعال أو العبارات المستعملة مشتملة على قذف أو سب أو إسناد أمر معين ، بل يكفي أن تحمل معنى الإساءة أو المساس بالشعور أو الغض من الكرامة " الطعنان رقما : 365 لسنة 23 ق – جلسة 21/3/1955 ، 2257 لسنة 60 ق – جلسة 27/1/1997 – مشار إليهما بمؤلف المستشار/ العاقل غريب أحمد – جرائم الإهانة و القذف و السب – ص 5 .
كما قضت بأن :
" الإهانة هي كل قول أو فعل يحكم العرف بأن فيه ازدراء و حطاً من الكرامة في أعين الناس و إن لم يشمل قذفاً أو سباً أو افتراء ". الطعن رقم 1116 لسنة 3 ق جلسة 27/2/1933 – مشار إليه بمؤلف المستشار/ عبد الحكم فودة – جرائم الإهانة العلنية – طبعة 1998 – ص 258 .
و لا مراء – عندي – في ضوء ما تقدم من نصوص دستورية وقانونية و بيان لمقتضيات وطبيعة عمل الإدارات القانونية ، و قضاء محكمة النقض ، أن إسناد عمل منبت الصلة بالأعمال القانونية التي أبان عنها المشرع على نحو ما تقدم ، يعد نوعاً من الإهانة التي تندرج في نطاق التجريم المشار إليه سلفاً، ليس فقط إهانة للمحامي ، و إنما تمتد الإهانة إلى الإدارة القانونية ذاتها
، بل إهانة للمشرع الدستوري و القانوني ، بعدما رفعا مكانتهم بما يتفق و وظيفتهم الدستورية و القانونية ، وما يجوز لمن رفعه الدستور أن ينتقص منه أو يهينه أحد بأي صورة من الصور .
هذا ما جادت به قريحتي المتواضعة ، في محاولة موجزة ، لتبيان حكم المسألة موضوع البحث الراهن ، و الحمد لله رب العاملين .
أشرف سعد الدين عبده مصطفى
المحامي
ساحة النقاش