قضت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا بأن :
" ومن حيث إن مقطع النزاع في الطعن الماثل يتمثل في تحديد معنى و مدلول عبارة العلماء خريجي الأزهر الواردة في الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1973 المعدل بالقانونين رقمي 45 لسنة 1974 ، 42 لسنة 1977 ، و بالتالي تحديد فئة المستفيدين من حكم هذه المادة و هم الذين قرر المشرع لهم حق البقاء في الخدمة حتى بلوغهم سن الخامسة و الستين .
و من حيث إن المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1973 في شأن تحديد سن التقاعد للعلماء خريجي الأزهر و من في حكمهم تنص على أنه (استثناءً من أحكام القوانين التي تحدد سن الإحالة إلى المعاش ، تنتهي خدمة العاملين المدنيين بالجهاز الإداري للدولة و وحدات الإدارة المحلية و الهيئات و المؤسسات العامة و الوحدات الاقتصادية التابعة لها و الهيئات القضائية و الجامعات و المعاهد العليا و مراكز البحوث ، و غيرها من الجهات ، من العلماء خريجي الأزهر، و خريجي دار العلوم من حملة ثانوية الأزهر ، و حاملي العالمية المؤقتة أو العالمية على النظام القديم غير المسبوقة بثانوية الأزهر ، ببلوغهم سن الخامسة و الستين).
و تنص المادة الثانية من هذا القانون على أن ( يسري حكم المادة السابقة على الطوائف المشار إليها فيها إذا كانوا في الخدمة وقت العمل بهذا القانون أو كانوا قد التحقوا بالمعاهد الأزهرية قبل العمل بالقانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر ، ثم توافرت فيهم الشروط المنصوص عليها في المادة السابقة بعد تاريخ العمل بهذا القانون .
كما يسري هذا الحكم على من تجاوز سن الستين و تقرر مد خدمتهم أو إعادة تعيينهم بمكافأة شهرية شاملة تعادل الفرق بين المرتب الأساسي الذي كان يتقاضاه العامل وما يستحقه مضافاً إليه غلاء المعيشة ).
و من حيث إن الأصل في النصوص التشريعية هو ألا تُحمل على غير مقاصدها و ألا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها أو بما يؤول إلى الالتواء بها عن سياقها أو يعتبر تشويهاً لها ، سواء بفصلها عن موضوعها أو بمجاوزتها الأغراض المقصود منها ، ذلك أن المعاني التي تدل عليها هذه النصوص و التي ينبغي الوقوف عندها هي تلك التي تعتبر كاشفة عما قصده المشرع منها مبينة حقيقة وجهته و غايته من إيرادها ، و المحكمة حين تعمل سلطتها في التفسير القضائي للنصوص فإن ذلك يقتضيها ألا تعزل نفسها عن إرادة المشرع ، بل عليها أن تستظهر هذه الإرادة و ألا تخوض فيم يجاوز تحريها لماهيتها بلوغاً لغاية الأمر فيها ، مستعينة في ذلك بالأعمال التحضيرية الممهدة لها ، سواء كانت هذه الأعمال قد سبقتها مثل ما دار عند مناقشة مشروع القانون في الهيئة التشريعية أو عاصرتها مثل المذكرة الإيضاحية أو غير ذلك من التقارير المرفقة بالقانون ، و ذلك كله للوقوف على إرادة المشرع الحقيقية .
و من حيث إنه يبين من المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 19 لسنة 1973 المشار إليه و ما دار في مجلس الشعب عند مناقشة مشروع هذا القانون ( مضبطتي المجلس لجلستي 25/11/1972 ، 10/2/1973 ) و المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 45 لسنة 1974 بتعديل القانون رقم 19 لسنة 1973 و تقرير لجنة القوى العاملة المرفق بالتعديل الأخير لهذا القانون الصادر بالقانون رقم 42 لسنة 1977 و المنشور بالنشرة التشريعية ، يبين من كل ما تقدم أن إرادة المشرع استندت في إصدار هذا القانون بتعديليه سالفي البيان على أن طالب الأزهر يقضي في دراسته الإعدادية و الثانوية تسع سنوات أي بزيادة قدرها ثلاث سنوات عما يقضيه زميله في هاتين المرحلتين في التعليم العام ، كما أن الالتحاق بالمرحلة الابتدائية الأزهرية يبدأ في سن أكبر من زميله في المرحلة ذاتها في التعليم العام ، و هو الأمر الذي يؤدي إلى مرجع الاستثناء الوارد بالمادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1973 هو أن مدة الدراسة بالتعليم الأزهري تطول عنها في مدارس التعليم العام .
و من حيث أنه يبين مما تقدم أن قصد المشرع من إصدار ذلك القانون هو تعويض خريجي الأزهر الشريف عن قصر مدة خدمتهم من جراء طول أمد دراستهم و حتى يكون ثمة إنصاف لهم يقضي على الفارق بينهم و بين أقرانهم ممن حصلوا على الشهادات العالية من تلك الكليات التابعة للتعليم العام ، و حفزاً للطلاب على الالتحاق بالمراحل المختلفة في الأزهر الشريف ، لهذا لم يقصر المشرع ذلك على العلماء من هيئة التدريس بالجامعة الأزهرية وحدهم ، و إنما كان قانوناً عاماً يشمل العاملين بالجهاز الإداري للدولة و بشركات القطاع العام ، كذلك فإن هذه القانون لم يصدر خاصاً بالعلماء خريجي الأزهر وحدهم و إنما شمل أيضاً خريجي دار العلوم و كلية الآداب من حاملي الثانوية الأزهرية و هم حملة الليسانس تأكيداً لمبدأ المساواة بين المتماثلين في المراكز القانونية ، مما يستخلص منه أن المقصود بعبارة العلماء خريجي الأزهر خريجي كليات الأزهر من حملة الشهادات العالية مثلهم في ذلك مثل خريجي دار العلوم و كلية الآداب و هم من حملة اللسانس من حاملي الثانوية الأزهرية .
و لا يغير من ذلك أو ينال منه ما أثير من خلاف في شأن تحديد مدلول لفظ العلماء خريجي الأزهر ، ذلك أن هذا الخلاف أساسه ما يذهب إليه بعض المفسرين من أن العالم هو من بيده شهادة العالمية طبقاً لأحكام قوانين الأزهر السابقة على القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر و الهيئات التي يشملها ، و هي تلك القوانين التي كانت تطلق اسم شهادة العالمية على الشهادة التي يحصل عليها المتخرج من كليات الأزهر المماثلة لكليات العالمية بالشهادة المماثلة للدكتوراه ، فلما استخدم القانون رقم 19 لسنة 1973 لفظ العلماء من خريجي الأزهر انصرف معنى العبارة في أذهان البعض إلى أن المقصود بها هم حملة شهادة الدكتوراه ، و ظهر طبقاً لهذه الوجهة من النظر تباين شديد في تطبيق حكم المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1973 ، إذ يفهم منه ( في ضوء هذا النظر) أن من يستفيد من حكم البقاء في الخدمة حتى سن الخامسة و الستين هم حملة الدكتوراه من خريجي الأزهر و كذلك حملة الليسانس و البكالوريوس من خريجي كلية دار العلوم و كليات الآداب متى كان هؤلاء جميعاً من حاملي ثانوية الأزهر ، و وجه المفارقة فيما أفضى إليه هذا الفهم أنه سوى بين حملة الدكتوراه من الأزهر و حملة الليسانس و البكالوريوس من كليات الآداب و دار العلوم و أنه جعل مناط الحكم في الحالين هو الحصول على ثانوية الأزهر، و إذا جاز الاعتبار بثانوية الأزهر بشأن الشهادة التالية و هي الليسانس أو البكالوريوس ، فلا يظهر مسوغ و لا مبرر قانوني أو فعلي يجعل شهادة الثانوية لها هذا التأثير مع شهادة الدكتوراه التي يحصل عليها الدارس بعد الليسانس و الماجستير.
و هو الأمر الذي يؤكد على سلامة وجهة النظر التي تحدد معنى و مدلول عبارة العلماء خريجي الأزهر حيث تصدق على حملة الشهادات العالية ، بحسبان أن عبارة العالم تجري مجرى الغالب في الاستخدام العام باعتبار أن مناط تطبيق حكم القانون رقم 19 لسنة 1973 هو الحصول على ثانوية الأزهر ، وهذا هو الشرط الفارق بين الاستفادة من الحكم و عدم الاستفادة منه ، و لا ينال من ذلك أن القانون رقم 103 لسنة 1961 بشان إعادة تنظيم الأزهر قد نقل اسم شهادة العالمية من أن تكون شهادة إتمام الدراسة العليا بالجامعة إلى أن تكون اسماً على الشهادة المعروفة بالدكتوراه ، فإن ذلك لا يؤدي إلى أن ينقل مفهوم العالم من حاملي الليسانس و البكالوريوس إلى حامل الدكتوراه في تطبيق القانون رقم 19 لسنة 1973 ، و إلا فإن هذا القانون الأخير يكون قد سوى بين دكتوراه الأزهر و الشهادات العالية التي تمنحها كليات الآداب و دار العلوم ، الأمر الذي لم يقصده المشرع بإصدار القانون رقم 19 لسنة 1973 على نحو ما سلف بيانه ، و الذي يستبعده النظام التشريعي للدولة كله فيما حرص عليه و أكده من المساواة بين الشهادات العالية لجامعة الأزهر و الشهادات العالية التي تمنحها كليات الآداب و دار العلوم في مجال تطبيق حكم القانون رقم 19 لسنة 1973 ، و إذ كان هذا القانون الأخير على ما سبق خاطب خريجي كليات معينة بحكم مد سن الإحالة إلى المعاش إلى الخامسة و الستين و جعل مناط استفادتهم من هذا الحكم حصولهم على ثانوية الأزهر بحسبان أنها الشهادة السابقة على شهادة التخرج فلا يجوز في منطق القانون ذاته أن تكون شهادة ثانوية الأزهر هي ذاتها مناط تطبيق حكم لا يخضع له إلا حملة الدكتوراه ( العالمية ) و خاصة و أن هذه الشهادة غير مقيدة بعدد من السنوات للحصول عليها مقرر لها سلفاً بمنهج سنة فسنة كشأن شهادات التخرج ، فلا وجه للمقارنة بينهما ، و من ثم فإن عبارة العلماء خريجي الأزهر تنصرف إلى كافة خريجي كليات الأزهر حملة الشهادات العالية وهم الذين قصدهم المشرع بالعبارة الواردة في الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1973 الصادر بتحديد سن الإحالة إلى المعاش بالنسبة إليهم في الخامسة والستين متى كانوا جميعاً من حملة الثانوية الأزهرية و الموجودين في الخدمة وقت العمل بهذا القانون أو من التحقوا بالمعاهد الأزهرية قبل العمل بالقانون رقم 103 لسنة 1961 ثم توافرت في شأنهم الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى سالفة الذكر بعد تاريخ العمل بالقانون رقم 19 لسنة 1973 .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بأن المقصود بعبارة العلماء خريجي الأزهر الواردة بالمادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1973 هم خريجوا كليات الأزهر من حملة الشهادات المعادلة لدرجة الليسانس أو البكالوريوس المسبوقة بثانوية الأزهر و يسري عليهم حكم البقاء في الخدمة حتى سن الخامسة و الستين و بالقيود و الشروط و الضوابط المنصوص عليها في القانون رقم 19 لسنة 1973 بتحديد سن التقاعد للعلماء خريجي الأزهر و وفقاً لما هو مبين بالأسباب ، و أمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فيه ".
( الطعن رقم 3586 لسنة 42 ق – جلسة 1/6/2000 – دائرة توحيد المبادئ – مشار إليه بمؤلف المستشار/ محمد ماهر أبو العينين – الموسوعة الجامعة لأحكام المحكمة الإدارية العليا – طبعة 2004 الجزء الثالث – ص 102 و ما بعدها )
ساحة النقاش