أفتت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى و التشريع بمجلس الدولة بأن :
" ولما كان المال العام خارج عن إطار التعامل بموجب تخصيصه للنفع العام ، فإن ملكية الدولة لا تكون بذات السلطات التي تملكها الدولة أو الأفراد بالنسبة لما يملكونه ملكية خاصة ، و على ذلك فيد الدولة عليه أقرب إلى يد الأمانة و الرعاية منها إلى يد التصرف و الاستغلال فالحق عليه يقترب من الإشراف و الرقابة والحراسة له و يبتعد عن حق الملكية المدنية و المشتملة على الانتفاع و الاستغلال و التصرف ، و هذه المزايا الثلاثة التي يتمتع بها المالك في ملكه لا تتمتع بها الحكومة بالنسبة للأموال العامة لأن الانتفاع بتلك الأموال من حق الجمهور، و قد غل القانون يد الحكومة عن التصرف في الأملاك العامة بالبيع أونحوه ، و من قال بأن حق الدولة على الدومين العام يقترب من حق الملكية قيد ذلك الحق بالتخصيص للمنفعة العامة ، و يتميز المال العام بأنه لا يجوز بيعه و لا تقرير حق ذاتي خاص عليه و لا امتلاكه بوضع اليد المدة الطويلة أو تقرير حق عيني عليه ، و هذا لا يرجع إلى شئ في طبيعة هذا المال بل إلى تخصيصه للمنفعة العامة ، و حظر البيع معناه عدم جواز التصرف في مفردات الأملاك العامة إلا إذا تقرر تحويلها إلى ملك خاص و رفع الصفة العامة عنها ، كما لا يجوز الحجز عليه ، و لما كانت الأموال تصبح عامة بتخصيصها للمنفعة العامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص فإنها تفقد صفتها العامة بطريقة قانونية إما بصدور قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص بإخراجها من الدومين العام ، أو بطريقة عملية إذا لم تعد مخصصة للمنافع العامة فعلاً . و الأصل أن المال العام لا يفقد صفته العامة بقرار أو تصرف إداري إلا إذا كان المال ذاته يقبل التحول بهذه الطريقة القانونية و بتوافر دواع و أسباب إنهاء التخصيص للمنفعة العامة لأهداف و أغراض يتحقق بها الصالح العام على نحو أفضل ، و ذلك في إطار اختصاص و مسئولية السلطة الإدارية المختصة و في إطار الشرعية و سيادة القانون .
و مفردات المال العام قد تكون مخصصة لمصلحة عمومية كالحصون و المباني المعدة لمصالح الحكومة ، و هذه لا ينتفع بها الجمهور بطريقة مباشرة ، و قد تكون مخصصة لاستعمال الجمهور مباشرة كالطرق و الشوارع و الكباري و الأنهار و الشواطئ ، فللأفراد أن يستعملوها في أي وقت ، و القاعدة بالنسبة لهذه الأموال الأخيرة أنه لا يحرم أحد من الانتفاع بها فيما أعدت له ، فاستعمالها عام شامل للكافة و غير مقيد ( في الغالب) بضرورة الحصول على إذن سابق من جهة الإدارة ، و لا يدفع عنه مقابل أو رسم ، و تقتصر مهمة جهة الإدارة على تسهيل هذا الاستعمال للجمهور . و لكن بجانب هذا الاستعمال العام ، للإدارة أن تسمح لبعض الأفراد باحتلال أجزاء معينة من الدومين مؤقتاً – بالرغم أن مدته قد تطول – لفائدتهم الخاصة ، كاستعمال جزء من مساحة الشوارع العامة أو الأرصفة لأصحاب المحلات أو الإذن لبعض الأفراد بوضع كابينات على شاطئ البحر للاستحمام ، و يشترط لهذا الاستعمال الخاص الحصول مقدماً على ترخيص بذلك ، كما يشترط للترخيص به ألا يكون معطلاً لانتفاع المجموع بالأموال العامة فيما أعدت له أصلاً، و ألا يكون في ذلك خطر أو ضرر على المال العام و حفظه ، و هؤلاء المصرح لهم من جهة الإدارة باستعمال المال العام لمنفعتهم الخاصة ليس لهم حق عيني على المال العام ، إذ أن استعمالهم في الواقع مؤقت ، وهو مبني على فكرة المسامحة من الإدارة ، و منح الترخيص أو رفضه أساسه الصالح العام ، بعد تحصيل مقابل انتفاع من المرخص له ، بل إن هذا الاستخدام الخاص للمال العام لا يكفي لتحقق شرعيته و للترخيص به ألا يتعارض مع وجوه النفع العام و ألا يعطل الاستخدام العام لهذا المال ، بل إنه يلزم لشرعية إجازته و الترخيص به أن يتحقق به وجه انتفاع عام بأن يؤدي الترخيص إلى تعزيز وجوه النفع العام المخصص المال العام من أجلها أصلاً ، و إتاحة وجوه من الخدمات المكملة و المحسنة للمنفعة العامة كاشكاك الخدمات في الطرق للمارة و المسافرين ".
( فتوى رقم 215 بتاريخ 24/4/2010 – ملف رقم 7/2/256 – جلسة 24/3/2010 – مجلة هيئة قضايا الدولة العدد الثاني 2013 – ص 310 وما بعدها )
ساحة النقاش