قضت المحكمة الإدارية العليا بأن :
" و حيث إن الطاعن يطلب الحكم بقبول الطعن شكلاً و في الموضوع بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 238 لسنة 2009 بتخطيه في التعيين بوظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة ، مع ما يترتب على ذلك من آثار ، و إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة .
و حيث إنه عن الدفع المبدى من الحاضر عن الدولة بعدم قبول الطعن شكلاً ، لرفعه بعد الميعاد ، فمردود عليه يأن الثابت من الأوراق أن القرار الطعين صدر بتاريخ 2/7/2009 ، ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 9/7/2009 و تظلم منه الطاعن في 16/7/2009 و لجأ إلى لجنة فض المنازعات بالطلب رقم 213 لسنة 2009 بتاريخ 19/10/2009 و رفض طلبه بجلسة 6/12/2009 ، و أقام طعنه الماثل بتاريخ 7/12/2009 ، و من ثم يكون الطعن قد أقيم في الميعاد ، و يغدو هذا الدفع غير قائم على سنده الصحيح جديراً بالالتفات عنه ، و إذ استوفى الطعن سائر شروطه و أوضاعه الشكلية فإنه يكون مقبولاً شكلاً .
و حيث إنه عن الموضوع ، فإن القانون رقم 75 لسنة 1963 بشأن تنظيم هيئة قضايا الدولة ينص في المادة (13) على أنه " يشترط فيمن يعين عضواً بالهيئة : 1- أن تكون له جنسية جمهورية مصر العربية و يكون متمتعاً بالأهلية المدنية الكاملة . 2- أن يكون حاصلاً على درجة الليسانس من إحدى كليات الحقوق بجمهورية مصر العربية أو على شهادة أجنبية تعتبر معادلة لها ، و أن ينجح في هذه الحالة الأخيرة في امتحان المعادلة وفقاً للقوانين و اللوائح الخاصة بذلك . 3- ألا يكون قد حكم عليه من المحاكم أو مجالس التأديب لأمر مخل بالشرف ولو كان قد رد إليه اعتباره . 4- أن يكون محمود السيرة حسن السمعة ........ .
و في المادة (16) على أن : يكون شأن رئيس الهيئة ونواب الرئيس و الوكلاء بالنسبة إلى شروط التعيين بشأن الرئيس و نواب الرئيس و الوكلاء بمجلس الدولة ، و يكون شأن باقي الأعضاء في ذلك شأن أقرانهم في القضاء و النيابة حسب التفصيل الآتي : المستشار شأنه في ذلك شأن المستشار بمحاكم الاستئناف .... المندوب المساعد شأنه في ذلك شأن معاون النيابة .
و ينص قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972 – قبل تعديلها بموجب القانون رقم 17 لسنة 2007 – و في المادة (38) على أن : يشترط فيمن يولى القضاء :
1- أن يكون متمتعاً بجنسية جمهورية مصر العربية و كامل الأهلية المدنية . 2- ............ 3- أن يكون حاصلاً على إجازة الحقوق من إحدى كليات الحقوق بجامعات جمهورية مصر العربية أو على شهادة أجنبية معادلة لها و أن ينجح في الحالة الأخيرة في امتحان المعادلة طبقاً للقوانين و اللوائح الخاصة بذلك . 4- ألا يكون قد حكم عليه من المحاكم أو مجالس التأديب لأمر مخل بالشرف و لو كان قد رد إليه اعتباره . 5- أن يكون محمود السيرة حسن السمعة .
و في المادة (116) على أن : " يشترط فيمن يعين مساعداً بالنيابة العامة أن يكون مستكملاً الشروط المبينة في المادة (38) على ألا يقل سنه عن إحدى و عشرين سنة . و يشترط فيمن يعين معاوناً بالنيابة العامة أن يستكمل هذه الشروط على ألا يقل سنه عن تسع عشرة سنة ......... ".
و من حيث إن قضاء هذه المحكمة و على ضوء ما قضت به دائرة توحيد المبادئ ، قد جرى على أن اجتياز مقابلة اللجنة المشكلة لمقابلة المتقدمين للتعيين بالوظائف القضائية يعد شرطاً لازماً يُضاف لشروط التعيين المقررة قانوناً و السالف بيانها ، و أن تلك الجهة غير مقيدة في اختيار المتقدمين سوى بمدى توافر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة القضائية المتقدمين إليها ، و كان تلك المهمة لم تتقيد بأي اختبارات سابقة تتعلق بالقدرات و العناصر الدالة على توافر أو عدم توافر تلك الأهلية ، كما لم تتقيد بأي ضوابط أخرى فإن سلطتها في الاختيار تكون سلطة تقديرية لا يحدها سوى استهداف المصلحة العامة .
و ليس من شك في أن القول بغير ذلك ، إنما يؤدي إلى إهدار كل قيمة لعمل لجان المقابلة ، و حلول المحكمة محلها بناءً على ضوابط يضعها القاضي ليحدد على أساسها مدى توافر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة ، و تلك نتيجة يأباها التنظيم القضائي و مبدأ الفصل بين السلطات ، و إذ كانت تلك المهمة التي أسندت إلى اللجنة لم تقترن بطريقة صريحة قاطعة و معيار واضح يحدد لها كيفية أداء مهمتها و استخلاص الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة فإن ذلك لا يعني حتماً أنها مارست عملها بغير ضوابط أو معايير ، فلا جدال في أنها استعانت بالعرف العام الذي يحيط تولي الوظائف القضائية و الوظائف التي يضفي عليها المشرع تلك الصفة بمعايير دقيقة و ضوابط قاطعة و صفات سامية ، بيد أنه يبقى من غير المسموح به أن تحل المحكمة نفسها محل اللجنة في إعمال تلك المعايير و الضوابط و استخلاص تلك الصفات .
كما لا وجه للقول بأن السلطة التقديرية المقررة لتلك اللجنة تعد امتياز يتعين الحد منه برقابة قضائية حاسمة ، ذلك لأن ممارسة السلطة التقديرية في مجال التعيين في الوظائف القضائية سيظل على وجه الدوام واجباً يبتغي الصالح العام باختيار أكفأ العناصر و أنسبها ، و هو أمر سيبقى محاطاً بإطار المشروعية التي تتحقق دون سواها ، و ذلك بالتمسك بضرورة توافر ضمانات شغل الوظيفة و القدرة على مباشرة مهامها في إرساء العدالة دون ميل أو هوى ، و فضلاً عن ذلك فإن تلك السلطة التقديرية هي وحدها التي تقيم الموازنة بين كل من توافرت فيه الشروط العامة المنصوص عليها في القانون في شغل الوظائف القضائية و بين فاعلية مرفق القضاء و حسن تسييره ، فلا يتقلد وظائفه إلا من توافرت له الشروط العامة و حاز بالإضافة إليها الصفات و القدرات الخاصة التي تؤهله لممارسة العمل القضائي على الوجه الأكمل ، و من ثم فإنه إذا أتيحت للمتقدم فرصة مقابلة اللجنة المنوط بها استخلاص مدى أهليته في تولي الوظيفة القضائية و المشكلة من قمم أعضاء الجهة التي تقدم لشغل وظائفها ، فإنه لا يكون أمامه إن أراد الطعن في القرار الصادر بتخطيه في التعيين سوى التمسك بعيب الانحراف عن المصلحة العامة ، و عندئذ يقع على عاتقه عبء إثبات هذا العيب .
و حيث إنه لا مندوحة من أن يترك لأعضاء تلك اللجان بما أوتوا من حكمة السنين التي رقت بهم في وظائف القضاء حتى بلغت منتهاها و أضحوا شيوخاً لرجال القضاء ، أن يسبروا أغوار شخصية كل متقدم لشغل الوظيفة القضائية لاستخلاص مدى توافر الصفات و القدرات الخاصة التي تؤهله لممارسة العمل القضائي على الوجه الأكمل ، و التي يتعذر على الأوراق و الشهادات أن تثبتها أو تشير إليها لاختيار أفضل العناصر لتولي الوظائف القضائية ، كما يتعذر على القوانين و اللوائح أن تضع لها قيوداً أو ضوابط يمكن التقيد بها ، فلا مناص من أن توضع مسئولية اختيار العناصر المناسبة لشغل تلك الوظائف أمانة في عنق شيوخ القضاء يتحملونها أمام الله و ضمائرهم ، و لا معقب عليهم في ذلك من القضاء ما لم يقم الدليل صراحة على الانحراف بالسلطة أو التعسف في استعمالها تحقيقاً لأهداف خاصة .
و من حيث إنه متى كان ما تقدم ، و كان الثابت من الأوراق ، أن الطاعن حصل على ليسانس الحقوق من جامعة بني سويف بتقدير عام جيد جداً مع مرتبة الشرف بنسبة 6ر81 % ، و قد أعلنت هيئة قضايا الدولة عن مسابقة لشغل وظيفة مندوب مساعد ، فتقدم بأوراقه لشغل هذه الوظيفة ، و قد اتخذت الجهة المطعون ضدها بشأنه موقفاً جدياً فقامت ببحثه و قبلت أوراقه و فحصتها و عرضتها على اللجنة المشكلة لمقابلة المتقدمين لشغل هذه الوظيفة لاستخلاص مدى توافر أهلية شغل الوظيفة لديه ، بيد أنه لم يجتز المقابلة الشخصية التي أجريت معه ، حيث ثبت من حافظة المستندات المقدمة من الهيئة المطعون ضدها بأن الطاعن حصل على ثلاث درجات من عشرة في اليوم المخصص لمقابلته في 5/6/2007 ، و من ثم فإنه لا يمكن المفاضلة بينه و بين باقي المتقدمين الذين اجتازوا تلك المقابلة بنجاح ، كما أن الطاعن لم يقدم أي دليل على انحراف الجهة الإدارية المطعون ضدها بسلطتها أو إساءة استعمالها ، ومن ثم يكون استبعاده من التعيين بوظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة قد صدر صحيحاً و قائماً على سببه المبرر له متفقاً و صحيح حكم القانون ، ويضحى الطعن الماثل فاقداً لسنده حرياً بالرفض .
و لا يغير من ذلك ما تذرع به الطاعن من أن القرار الطعين قد تضمن تعيين زملائه الأقل منه في درجات النجاح على نحو يخل بمبدأ المساواة ، ذلك أن الطاعن قد أخفق في اجتياز المقابلة الشخصية التي تعد شرطاً لازماً يضاف إلى شروط التعيين المقررة قانوناً مما لا مجال معه لمقارنته بأقرانه الذين اجتازوا بنجاح تلك المقابلة لاختلاف مراكزهم القانونية ، وهو أمر يدحض إدعاء الطاعن بإخلال القرار الطعين بمبدأ المساواة ، فضلاً على أن ترتيب درجات النجاح لا يمثل معياراً منفرداً للمفاضلة بين المتقدمين لشغل الوظيفة القضائية لا سبيل إلى مجاوزته ، و إن كان محض معيار يضاف إلى باقي المعايير الأخرى اللازمة للتعيين و منها معيار اجتياز المقابلة الشخصية ".
( الطعن رقم 3622 لسنة 56 ق – جلسة 23/3/2013 – الدائرة الثانية – موضوع – مجلة هيئة قضايا الدولة – العدد الرابع 2013 – ص 172 وما بعدها )
ساحة النقاش