أشرف سعد الدين عبده - المحامي بالإسكندرية - مصر

authentication required

إظهار محاسن الإسلام

 

في

الجهــــــــــــاد

 

لقد شاع في اللغات الأجنبية ترجمة مصطلح الجهاد بالحرب المقدسة ، و الإسلام لا يعرف مصطلح الحرب المقدسة ، فهناك فقط حرب مشروعة و حرب غير مشروعة ، و قد أسئ فهم مصطلح الجهاد في غالب الأحيان ، فالجهاد معناه بذل الجهد ، و من هنا فهوينقسم إلى قسمين : أحدهما : جهاد النفس و هو الذي يطلق عليه الجهاد الأكبرالذي ينصب على محاربة الإنسان لنوازعه الشريرة و التغلب على أهوائه و تصفية نفسه من كل الصفات الذميمة و تطهيرها من الحقد و الحسد و الكراهية للآخرين ، أما النوع الثاني من الجهاد فيطلق عليه الجهاد الأصغربمعنى الحرب المشروعة ، و الحرب المشروعة في الإسلام أو الجهاد هي حرب دفاعية هدفها رد العدوان فقط ، على ما يأتي تباعاً ، و القرآن صريح في ذلك إذ يقول : "  و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم و لا تعتدوا ، إن الله لا يحب المعتدين " سورة البقرة آية 190 ،  فعلى الرغم من الإذن بالقتال دفاعاً عن النفس فإن القرآن يحذر من مجاوزة الحد في ذلك إلى الإعتداء ، و كراهية الإسلام للقتال و إراقة الدماء يعد موقفاً مبدئياً ، فالاستثناء إذن هو القتال لرد العدوان ، قال تعالى : " كتب عليكم القتال و هو كره لكم " سورة البقرة آية 216 .

 

و الإسلام دين الرحمة و السلام ، فكلمة الإسلام مشتقة من الأصل ذاته الذي اشتق منه لفظ السلام ، و قد وصف الله نفسه في القرآن بأنه السلام ، و تحية المسلمين هي السلام ، تذكيراً لهم باستمرار بأن السلام هدف رئيسي لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان ،  و مقاصد الشريعة الإسلامية تتمثل في حماية الحقوق الأساسية للأنسان ، و بصفة خاصة حماية حياته و دينه و عقله و أسرته و ممتلكاته ، و من هنا حرم الإسلام الإعتداء على الآخرين بأي شكل من الأشكال ، إلى حد أنه جعل الإعتداء على فرد واحد من أفراد الإنسانية كأنه اعتداء على البشرية كلها ، قال تعالى في كتابه العزيز: "  من قتل نفساً بغيرنفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جمعياً ، و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً " سورة المائدة آية 32 .

 

و من الأهمية بمكان التفرقة بين التعاليم السمحة للإسلام و بين السلوكيات الخاطئة لبعض المسلمين ، فإذا كان بين المسلمين بعض المتعصبين أو المتطرفين أو الإرهابين فلا يرجع ذلك بأي حال من الأحوال إلى تعاليم الإسلام ، و إنما يرجع إلى فهم خاطئ و تأويل باطل لتعاليم الإسلام .

(يراجع فيما تقدم كله : الدكتور/ محمود حمدي زقزوق – حقائق الإسلام في مواجهة حملات التشكيك – الطبعة السادسة 2006 – طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – سلسلة قضايا إسلامية – العدد 133 – ص 57 و ما بعدها )

 

  و لكن ....يا أسفى على ما يُرمى به الإسلام ، من كل حدب و صوب  ، من أباطيل الاتهامات ، بأنه دين سفك للدماء و تخريب للعمران و عدوان على الآخرممن لا يدين به ،   و هو أمر الإسلام منه برئ براءة الذئب من دم ابن يعقوب ،   و لا مراء في ضرورة التصدي لمثل تلك المزاعم الباطلة ، دفاعاً عن دين الإسلام ، و إظهار حقيقة الأمر فيه ، لا سيما في وقت قد اعتصمت فيه الشعوب العربية المحررة من سطوة حكامها الظلمة بالإسلام ،   و أصبح الإسلام حديث الساعة ،   و من أجل ذلك فقد استملحت القيام  بتجميع الأدلة و الأقوال النافية لتلك الإدعاءات الزائفة ،   نقلاً عن أئمتنا الأعلام ممن تصدوا لتلك الفرية ،  حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود ، و ذلك من خلال بعض العناصرالمتعلقة بهذا الموضوع ،  على النحو التالي :

 

 

(1)          الباعث على الحرب في الإسلام

 

"  و قتِلُوا فِي سَبيلِ اللهِ الّذينَ يُقتِلُونكُمْ وَ لا تعْتدُوا ،  إنّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتدِينَ  "

سورة البقرة آية رقم 190

 

 

إن المتتبع لنصوص القرآن و أحكام السنة النبوية في الحروب يرى أن الباعث على القتال ليس هو فرض الإسلام ديناً على المخالفين ، و لا فرض نظام اجتماعي ، بل كان الباعث على قتال النبي صلى الله عليه و سلم هو دفع الإعتداء .   و ها هنا قضيتان ، إحداهما نافية و الأخرى مثبتة ، أما النافية فهي : أن القتال ليس للإكراه في الدين ، و دليلها قوله تعالى "  لا إكْرَاهَ فِي الدِينِ ،  قَد تبَيّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ ... " سورة البقرة آية رقم 256 ، و لقد منع النبي رجل حاول أن يكره بعض ولده على الدخول في الإسلام ، و جاءت امرأة عجوز إلى عمربن الخطاب في حاجة لها ، و كانت غير مسلمة ، فدعاها إلى الإسلام ، فأبت فتركها عمر، و خشي أن يكون في قوله و هو أمير المؤمنين إكراه ، فاتجه إلى ربه ضارعاً قائلاً : " اللهم أرشدت و لم أكره " ، و لقد نهى القرآن الكريم عن الفتنة في الدين ، و اعتبرفتنة المتدين في دينه أشد من قتله ، و أن الاعتداء على العقيدة أشد من الاعتداء على النفس ، و لذا جاء فيه صريحاً : "  و الفتنة أشد من القتل  " سورة البقرة آية رقم 191 .   و أما القضية المثبتة ، أن القتال لدفع الاعتداء ، فقد نص عليها القرآن أيضاً ، إذ يقول : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ، و اتقوا الله و اعلموا أن الله مع المتقين " سورة البقرة آية رقم 194 .

 

و إن القرآن بمحكم نصوصه جعل الذين لا يقاتلون المؤمنين في موضع البر إن وجدت أسبابه ، و إن الذين يقاتلون هم الذين يعتدون ؛ و قد جاء في القرآن الكريم : " لا ينهكم الله عن الذين لم يقتلونكم في الدين و لم يخرجوكم من ديركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم ،  إن الله يحب المقسطين (#)  إنما ينهكم الله عن الذين قتلوكم في الدين و أخرجوكم من ديركم و ظهروا على إخراجكم أن تولوهم ، و من يتولهم فأولئك هم الظلمون " سورة الممتحنة الآيتان 8 ، 9 .

 

و مع أن القتال شرع لدفع الاعتداء ، لم يأمرالقرآن بالحرب عند أول بادرة من الاعتداء أو عند الاعتداء بالفعل إذا أمكن دفع الاعتداء بغير القتال ، فقد جاء فيه : "  و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ، و لئن صبرتم لهو خير للصبرين (#)  و اصبر و ما صبرك إلا بالله ، و لا تحزن عليهم و لا تك في ضيك مما يمكرون " سورة النحل الآيتان 126 ، 127 .

 

ولكن يجب علينا أن نفرض أن كل مبدأ سام يتجه إلى الدفاع عن العقيدة و عن الحرية الشحصية يهم الداعي إليه أن تخلو له وجوه الناس ، و أن يكون كل امرئ حراً في اعتقاده ، يستطفي من المذاهب بحرية كاملة ما يراه أصلح للاتباع في اعتقاده وما يراه أقرب إلى العقل في نظره ؛ إذا كان طاغية أو ملك قد أرهق شعبه من أمره عسراً ، و ضيق عليه فكره ؛ و حال بينه و بين الدعوات الصالحة ، تتجه إليه ، فإن حق صاحب الدعوة إذا كان في يده قوة أن يزيل تلك الحجز التي تحول بينه و بين دعوته ليصل إلى أولئك المستضعفين و تخلو وجوههم لإدراك الحقائق الجديدة ، و إعلان اعتناقها إن رأوا ذلك و آمنوا به ، و لكن محمداً النبي الأمين لم يلجأ إلى ذلك ابتداءً حتى لا يظن أحد في الأخلاف أن محمداً قاتل ليفرض دينه على الناس ، أو ليكرههم عليه ، و لذلك سلك طريقين :

 

أولهما :   أن يرسل الدعوة الدينية إلى الملوك و الرؤساء في عصره يدعوهم إلى الإسلام ، و يحملهم إثمهم ، و إثم من يتبعونهم إن لم يجيبوا دعوته ؛ و لذلك جاء في كتابه إلى هرقل :

"  أسلم تسلم ، و إلا فعليك إثم اليريسين ( أي الرعية من الزراع و غيرهم ) ، يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئاً ، و لا يتخذ بعضناً بعضاً أرباباً من دون الله " .

 

ثانيهما :   إنه بعد الدعوة الرسمية أخذ يعلن الحقائق الإسلامية ليتعرفها رعايا تلك الشعوب فيتبعها من يريد اتباعها ، و قد اتبعها فعلاً بعض أهل الشام ممن يخضعون لحكم الرومان ، و عرف المصريون و غيرهم حقيقتها ، حتى لم تعد مجهولة لمن يريد أن يتعرفها و تسامعت بها البلاد المتاخمة للعرب .

 

و ما اتجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى قتال الفرس أو الروم ، إلا بعد أن ثبتت حقيقتان :

 

إحداهما : أن الروم قد ابتدأوا فاعتدوا على المؤمنين الذين دخلوا في الإسلام من أهل الشام ، فكان ذلك فتنة في الدين ، و إكراهاً عليه ، و ما كان محمد ليسكت على ذلك ، و إنه وإن كان لا يحمل الناس على اعتناق الإسلام كرهاً ، ولكنه لايمكن أن يسكت عمن يحاولون أن يخرجوا أتباعه من دينهم كرهاً ، إنه لا يريد أن يعتدي عليه و لذلك اعتبرهذا العمل من جانب الرومان اعتداء على دينه و عليه ؛ لأنه صاحب الدعوة فلابد أن يزيل هذه الفتنة .

 

وثانيتهما :  أن كسرى عندما بلغ إليه كتاب الرسول عليه السلام هم بقتل من حملوه و أخذ الأهبة ليقتل النبي صلى الله عليه وسلم ، و اختارمن قومه من يأتيه برأسه الشريف الطاهر، و لكن أنى لكسرى و أمثاله من الطغاة أن يمكنهم الله سبحانه و تعالى من ذلك ؟  و النبي عليه السلام – و قد علم بالأمر- ما كان ليسكت حتى يرتكب كسرى هذا الإثم ؟  بل إنه النبي العادل الحصيف ، و لذلك كان لابد أن يصرعه و جيشه قبل أن يصرعه هو .

 

و لهاتين الحقيقتين اتجه النبي عليه السلام لقتال الرومان  والفرس لمنع الفتنة في الدين من أولئك الرومان و محاربيهم ، كما قاتل المشركين لمنع هذه الفتنة ، إذ يقول القرآن الكريم : "  و قتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين لله ،  فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظلمين " سورة البقرة آية 193 .

 

و يقول ابن تيمية – أحد علماء المسلمين الكبار- في قتال النبي عليه السلام لأهل الروم : "  و أما النصارى فلم يقاتل النبي صلى الله عليه و سلم أحداً منهم ، حتى أرسل رسله إلى قيصرو إلى كسرى ، و إلى المقوقس و النجاشي ، و ملوك العرب بالشرق و الشام ، فدخل في الإسلام من النصارى و غيرهم من دخل ، فعمد النصارى بالشام فقتلوا بعض من قد أسلم ؛ فالنصارى هم الذين حاربوا المسلمين أولاً ، و قتلوا من أسلم منهم بغياً و ظلماً ، فلما بدأ النصارى بقتل المسلمين أرسل (محمد صلي الله عليه و سلم ) سرية أمّر عليها زيد بن حارثة ، ثم جعفراً ، ثم ابن رواحة ، وهو أول قتال قاتله المسلمون بمؤتة من أرض الشام ، و اجتمع على أصحابه خلق كثيرمن النصارى ، و استشهد الأمراء رضي الله عنهم و أخذ الراية خالد بن الوليد " .

 

و بهذا يتعين أن قتال النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن إلا دفعاً للاعتداء.

 

 

 

 

و الاعتداء الذي حدث في عهد النبي صلي الله عليه و سلم كان على صورتين :

 

إحداهما : أن يهاجم الأعداء النبي عليه السلام فيرد كيدهم في نحورهم .

و الثانية :  أن يفتنوا المسلمين عن دينهم ، و لابد أن يمنع النبي ذلك الاعتداء على حرية الفكرو العقيدة.

 

و في الصورتين نجد النبي صلى الله عليه و سلم لا يفرض دينه ، و لا يكره أحداً عليه ، و لكن يحمي حرية الاعتقاد التي هي مبدأ من مبادئه ، إذ قد جاءت مقررة في القرآن حيث يقول : "  لا إكراه في الدين " ، ففي الحق أن قتال النبي كان دفاعاً عن حرية الرأي و حماية العقيدة من أن يفتن صاحبها .

 

و ما إن انتقل النبي صلى الله عليه و سلم إلى جوار ربه حتى كانت كل البلاد التي حوله قد تحركت لتفتن المؤمنين عن دينهم ، و قد ابتدأ الرومان فعلاً ن فلم يكن بد من الاستعداد لهم ، و كان كسرى قد هم بأن يقتله ، و لذا أوصى عليه الصلاة و السلام بأن يذهب جيش كثيف إلى الشام و جعل أسامة بن زيد أميراً عليه ، و جعل من جنوده الشيخين الجليلين أبا بكر و عمر رضي الله عنهما .

 

و لما جاءت الخلافة إلى أبي بكرثم إلى عمرأرسلا الجيوش إلى كسرى و هرقل بعد أن خمدت الردة ، و صارت الكلمة لله و لرسوله و للمؤمنين في البلاد العربية .

 

و كذلك كان القتال في عهد الخلفاء الراشدين جميعاً ، لا في عهد الخليفتين الأولين فقط ؛ و لقد سارت المعركة في طريقها بين الفرس و من وراءهم من الشرق ،  وفي الشام و ما وراءها من ملوك هرقل و أمن الناس بهذه الحرب في عقائدهم ، و لم يكن الأمن خاصاً بالمسلمين ، بل إن اليعقوبيين من المسيحيين أمن لهم اعتقادهم ؛ فحيل بين الرومان و ما يشتهون في محاولة حملهم على الكثلكة ؛ و لذا رحبوا بالغزاة من المؤمنين ، و لم يكن القتال إلا مع الرومان ، حتى إذا هزموا في أول صدمة صارت المعركة بين المسلمين و المصريين مناوشات و ليست حروباً ، و انتهى الأمربالتسليم لعدالة الإسلام ، الذي يحمي الحريات و خصوصاً حرية الاعتقاد .

( في كل ما تقدم فضيلة الشيخ الإمام / محمد أبو زهرة – نظرية الحرب في الإسلام – إصدار المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – الطبعة الثانية 2008 – العدد رقم 160 -  ص 23 وما بعدها )

 

و من جميل التأملات في كتاب الله تعالى ، قوله  ( و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذكرفيها اسم الله كثيراً، و لينصرن الله من ينصره ، إن الله لقوي عزيز) سورة الحج من الآية رقم 40 ، فيلاحظ أن الصلوات و هي بيوت العبادة لليهود ، و البيع و هي معابد النصارى ، و الصوامع وهي أماكن عبادة الرهبان ، قدمت على المساجد ، لأن المسلم بطبيعته سيدافع عن أماكن عبادته ، و لكنه قد لا يدافع عن بقية أماكن العبادة ، و من ثم قدمت الآية الصوامع و البيع و الصلوات حتى لا يغفل المسلم عن الدفاع عنها ، و يوقن أن حمايتها جزء من رسالته في الحياة ، و هذه الحماية لأماكن العبادة غيرالإسلامية تدل على سماحة الإسلام ، و أنه لا يكره أحداً على الإيمان به ، بل يحمي الذين أبوا أن يصدقوا بدعوته من الإعتداء عليهم أو ظلمهم أو انتهاك حرمات أماكن عبادتهم ما داموا لايمكرون بالإسلام و المسلمين .( د/ محمد الدسوقي – نحو رؤية إسلامية في القانون الدولي الإنساني – طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – 2008 العدد رقم 156 – ص 41 ).

 

و من أدلة نفي عدوانية الإسلام ، اتفاق جمهورالمسلمين عى أنه لا يحل قتل النساء و الصبيان و الرهبان و الشيخ الكبير والأعمى و الزمن و نحوهم ؛ لأنهم ليسوا من المقاتلة ، و لو أن القتال كان للحمل على إجابة الدعوة ( دعوة الإسلام ) و طريقاً من طرقها حتى لا يوجد مخالف في الدين ما ساغ استثناء هؤلاء ، فاستثناؤهم برهان على أن القتال إنماهو لمن يقاتل دفعاً لعدوانه ،  كما أن وسائل القهرو الإكراه ليست من طرق الدعوة إلى الدين لأن الدين أساسه الإيمان القلبي و الاعتقاد ، و هذا الأساس تكونه الحجة لا السيف ،  و من أقوال العلماء التي تؤيد الروح السلمية قول الفخرالرازي في تفسيرقوله تعالى : (  لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي ) ، أنه تعالى لما بين دلائل التوحيد بياناً شافياً قاطعاً لمعذرة قال بعد ذلك أنه لم يبق بعد إيضاح هذه الدلائل عذر للكافرفي الإقامة على كفره إلا أن يقسرعلى الإيمان و يجبرعليه ، و ذلك مما لا يجوز في دار الدنيا التي هي دارالابتلاء ، إذ أن في القهرو الإكراه على الدين بطلان معنى الابتلاء و الامتحان ، و نظيرهذا قوله سبحانه : " و لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً ، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " ( يراجع في تفصيل ذلك :  العلامة الشيخ / عبد الوهاب خلاف – السياسة الشرعية في الشئون الدستورية  الخارجية و المالية – ص 86 و ما بعدها )  .

 

و قد شهد شاهد من أهل الغرب شهادة صدق للإسلام ، حيث يقول المستشرق البريطاني توماس اونولد  إن النظرة إلى الجهاد على أنه حرب عدوانية إنما تعود إلى بعض الفقهاء المسلمين ، و يعلق بأن تلك النظرة لا أساس لها من القرآن ، و إنما ترجع إلى اجتزاء بعض الآيات من مواقعها بعيداً عن كامل مضمونها ( مشارإليه في كتاب الدكتور/ محمد طلعت الغنيمي – قانون السلام في الإسلام – ص 49 ).

 

كما فطن لسخافة و بطلان الاتهام المنسوب للإسلام  كاتب غربي كبيرهو توماس كارليل صاحب كتاب " الأبطال و عبادة البطولة " ، فإنه اتخذ محمداً صلى الله عليه و سلم مثلاً لبطولة النبوة ، وقال ما معناه :

 

"  إن اتهامه بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخف غيرمفهوم ، إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يشهررجل فرد سيفه ليقتل به الناس أو يستجيبوا لدعوته ، فإذا آمن به من يقدرون على حرب خصومهم فقد آمنوا به طائعين مصدقين و تعرضوا للحرب من أعدائهم قبل أن يقدروا عليها "  ( الأستاذ / عباس محمود العقاد – حقائق الإسلام و أباطيل خصومه – طبعة مكتبة الأسرة – مهرجان القراءة للجميع – ص 166 ).

 

إن روح الإسلام في العلاقة بين المسلم و سائربني الإنسان في مختلف مجالاتها تحكمها حكمة عظيمة ، تتمثل فيما يتعلمه المسلم من القرآن الكريم من كونها وشيجة من وشائج المودة و الرحمة ، و سبيل إلى التعارف بين الغرباء ، فالتعارف هو حكمة التعدد و التكاثربين الشعوب و القبائل من أبناء آدم و حواء ، فقد قال تعالى :

" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرو أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا " سورة الحجرات – آية رقم 13 .

 

و المودة و الرحمة هي حكمة الاجتماع في الأسرة ، فقد قال تعالى : "  و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة " سورة الروم – آية 21 .

 

و المؤمنون أخوة ، و الناس إخوان من ذكر و أنثى ، و شرما يخشاه الناس من رذائلهم أنها تلقي بينهم العداوة و البغضاء ، فقد قال تعالى : " إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر" سورة المادئة – آية 91 ،   فمن آمن بالله على هدي من هذا الدين فقد آمن بإله يرضيه من عباده أن يسلكوا سبيل المودة و السلام و يسخطه منهم أن يسلكوا سبيل العداوة و العدوان .( المرجع السابق – 170 ، 171 ).

 

و من الأمثلة على التعايش السلمي للمسلمين مع غيرالمسلمين :

 

1-  تقديرالرسول صلى الله عليه و سلم للأموات و لو كانوا غيرمسلمين و لجنائزهم ، فقد روي أنه مرت به جنازة فقام ، فقيل له : إنها جنازة يهودي ، فقال : أليست نفساً ؟ .

 

2– أن الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ذبحت له شاة في أهله ، فلما جاء قال : " أهديتم لجارنا اليهودي " سمعت النبي صلي الله عليه و سلم يقول : " ما زال جبريل يوصيني بالجارحتى ظننت أنه سيورثه " .

 

3- أن عمربن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الثاني للمسلمين ، برغم ما جرى له من واحد من غير الملسلمين - و هو أبو لؤلؤة المجوسي - و الذي تسبب في مقتله ، يقول و هو في لحظات حياته الأخيرة : "  أوصى الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً أن يوفي بعهدهم و أن يقاتل من ورائهم ، و ألا يكلفهم فوق طاقتهم " .

 

4- أن ابن تيمية – و هو من كبارعلماء المسلمين – حين تغلب التتارعلى الشام و أسروا جماعة من المسلمين و أهل الذمة ، ذهب إلى حاكمهم ، و كلمه في إطلاق سراح الأسرى ، فأطلق أسرى المسلمين  منع أسرى أهل الذمة ، فأبى ابن تيمية الرجوع إلا بافتكاك أسرى أهل الذمة و حصل له ما أراد .

 

5-أما يكفي لكل ذي عقل و انصاف ، أنه عندما حقق الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه و سلم أمنيته بفتح مكة المكرمة و دخلها فاتحاً منتصراً ظافراً قال لقريش : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيراً ، أخ كريم و ابن أخ كريم ، فقال :  اذهبوا فأنتم الطلقاء ، لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لي و لكم .

( يراجع في تلك الأمثلة : فضيلة الدكتور/ أحمد عمرهاشم – التعايش السلمي للمسلمين مع غير المسلمين – مجلة الأزهر- عدد يناير2012 الجزء الثاني السنة 85 – ص 364 و ما بدها )

 

لا مراء أنه يبين من جماع ما تقدم ، أن الإسلام صاحب دعوة عالمية ، و عقيدة جوهرها السماحة ، و السلام العادل للجميع ، و أن قتال النبي صلى الله عليه و سلم كله كان مدافعة عن الحق و أهله و حماية لدعوة الحق ، و لذلك كان تقديم الدعوة شرطاً لجواز القتال ، و إنما تكون الدعوة بالحجة و البرهان لا بالسيف و السنان ،  فدين هذه أصوله و تلك نماذج من تطبيقاته الواقعية ، يستحيل عقلاً و منطقاً ، أن يكون متسماً بالعنف أو العدوانية .

 

أشرف سعد الدين عبده المحامي بالإسكندرية

01226128907

المصدر: كتب مختلفة في نظرية الحرب في الإسلام
lawing

أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية 0126128907

ساحة النقاش

أشرف سعد الدين عبده - [email protected]

lawing
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,957,674

راسلنا على الاميل

نرحب بكل الزائرين للموقع ، و نتمنى لهم أن يجدوا ما ينفعهم و يحتاجون إليه ، و لمن أراد التواصل معنا أوالاستفسارأو تقديم الاقتراحات الخاصة بالموقع و محتوياته ، عفلى الرحب و السعة ، و ذلك على الاميل الخاص بالأستاذ / أشرف سعد الدين المحامي :
[email protected]