أشرف سعد الدين عبده - المحامي بالإسكندرية - مصر

<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

 

مدى جواز سحب مجلس الشعب الثقة من الحكومة في ظل الإعلان الدستوري الراهن

 

أثيرفي الآونة الأخيرة نقاش طويل و حاد بشأن مدى أحقية مجلس الشعب القادم في سحب الثقة من الحكومة ،  و قد اختلفت الآراء في هذا الصدد ،  حيث ذهب البعض إلى نفي تلك المكنة عن مجلس الشعب ،  بينما ارتأى البعض الآخرأن مجلس الشعب يملك تلك السلطة ، و نظراً لأهمية الموضوع و خطورته على الحياة السياسية و النيابية في البلاد ،  لا سيما و مجلس الشعب يوشك أن تنتهي عملية انتخاب أعضائه و بدء مباشرته اختصاصاته خلال وقت قريب جداً ، فقد رأيت أن أبدي وجهة نظري المتواضعة جداً في هذا المضمار،  تبياناً لوجه الصواب فيها ، و ذلك كالتالي :

 

بداءة ينبغي ملاحظة أن المسألة المثارة تدورفي فلك المنازعات الدستورية ، باعتبارأن الدستور  - وعلى ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا – هو القانون الأساسي الأعلى الذي يرسي القواعد و الأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ،  و يقرر الحريات و الحقوق العامة ، و يرتب الضمانات الأساسية لحمايتها ،  و يحدد لكل من السلطة التشريعية  والتنفيذية و القضائية وظائفها و صلاحيتها ،  و يضع الحدود و القيود الضابطة لنشاطها بما يحول دون تدخل أي منها في أعمال السلطة الأخرى ، أو مزاحمتها في ممارسة اختصاصاتها التي ناطها الدستوربها  (حكمها الصادرفي الدعوى رقم 5 لسنة 15 ق  " دستورية " – جلسة 20/5/1995 ).

 

و على ذلك و كنتيجة حتمية له ، فإن بحث المسألة الراهنة يكون من خلال الاحتكام إلى النصوص الدستورية و المتمثلة حالياً في الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011 و كذا المبادئ التي سنتها المحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن .

 

و حيث إنه بمطالعة نصوص الإعلان الدستوري سالف الذكريتبين أنه صد خالياً من نص حاكم لتلك المسألة أو منظماً لها ، و السئوال الذي يطرح نفسه في ظل هذا الوضع الدستوري : هل يجوز رغم عدم النص على تنظيم تلك المسألة في الإعلان الدستوري المذكور، لمجلس الشعب أن يقوم بسحب الثقة من الحكومة ؟

 

الرأي عندي أنه يجوز لمجلس الشعب سحب الثقة من الحكومة ، و ذلك للأسباب التالية :

 

أولاً :  البين من استقراء قضاء المحكمة الدستورية العليا أنها استنت مبدأ هاماً جداً ، مؤداه جواز إعمال نص أو مبدأ دستوري سابق رغم عدم النص عليه في الدستورالساري ، و ذلك إذا تبين من الدساتيرالسابقة و الأوضاع القانونية وقتها أنها عنيت بذلك المبدأ الدستوري ، و كان لهذا المبدأ بذلك مكاناً علياً في المجال الدستوري بحيث صارأمراً بديهياً و أصلاً دستورياً يعمل به ولو لم ينص عليه .

 

فقد أعملت المحكمة الدستورية العليا المبدأ المذكورفي صدد الطعن بعدم دستورية القراربقانون رقم 263 لسنة 1960 الصادر بحل المحافل البهائية ، حيث ورد في حكمها الصادر في هذا الطعن  :

 

"   المشرع قد التزم في جميع الدساتيرالمصرية مبدأ حرية العقيدة و حرية إقامة الشعائرالدينية باعتبارهما من الأصول الدستورية الثابتة المستقرة في كل بلد متحضر، فلكل انسان أن يؤمن بما يشاء من الأديان و العقائد التي يطمئن إليها ضميره و تسكن إليها نفسه ،  ولا سبيل لأي سلطة عليه فيما يدين به في قرارة نفسه و أعماق وجدانه ، أما حرية اقامة الشعائر الدينية و ممارستها فهي مقيدة بقيد أفصحت عنه الدساتيرالسابقة و أغفله الدستورالقائم وهو " قيد عدم الإخلال بالنظام العام و عدم منافاة الآداب " ، و لا ريب أن إغفاله لا يعني اسقاطه عمداً و إباحة اقامة الشعائرالدينية ولو كانت مخلة بالنظام أو منافية للآداب ، ذلك أن المشرع رأى أن هذا القيد غني عن الإثبات و النص عليه صراحة باعتباره أمراً بديهياً و أصلاً دستورياً يتعين إعماله ولو أغفل النص عليه ....." ( حكمها الصادرفي الدعوى رقم 7 لسنة 2 ق " دستورية " – جلسة 1/3/1975 ).

 

 

 

إذا كان ذلك كذلك ، و كان المبدأ الدستوري المتعلق بسلطة المجلس التشريعي في سحب الثقة من الحكومة قد درجت عليه الدساتيرالمصرية و أصبح جزءً لا يتجزأ من النظام السياسي و الدستوري في البلاد ، و من ذلك دستورسنة 1882 ذوالنظام البرلماني ، و الذي تبنى تقرير المسؤلية الوزارية ، فقد نصت المادة رقم 21 منه على أن ( النظار متكافئون في المسئولية أمام مجلس النواب عن كل أمر يتقرر بمجلس النظارو يترتب عليه إخلال بالقوانين ) ، و النظار هم الوزراء و مجلس النظار هو مجلس الوزراء ، و كذلك دستورسنة 1923 و الذي كان ينص في المادة 65 منه على أنه :  "  إذا قرر مجلس النواب عدم الثقة بالوزارة وجب عليها أن تستقيل ، فإذا كان القرارخاصاً بأحد الوزراء وجب عليه اعتزال الوزارة " ،و ذات الوضع استمر في ظل دستور سنة 1930 ،   كما أن دستور سنة 1971 المعطل حالياً خول مجلس الشعب سلطة سحب الثقة من الحكومة بإجراءات معينة و ذلك في المادتين 127 و 128 .

 

و على ذلك فإنه يكون لزاماً و أمراً مقضياً إعمال مبدأ سحب الثقة من الحكومة من جانب مجلس الشعب دون محاجة في ذلك بخلوالإعلان الدستوري الراهن من نص على ذلك .

 

ثانياً :  من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن :

"  إغفال بعض الوثائق الدستورية النص على الزواج كحق ، و ما يشتمل عليه بالضرورة من حق اختيار الزوج ، لاينال من ثبوتها ، و لا يفيد أن تلك الوثائق تتجاهل محتواها أو أنها تطلق يد المشرع في مجال القيود التي يجوز أن يفرضها على مباشرة أيهما ، ذلك أن هذين الحقين يقعان داخل مناطق الخصوصية التي كفل صونها دستور جمهورية مصر العربية بنص المادة 45 التي تقرر أن لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون ، يؤيد ذلك أن أبعاد العلاقة بين النصوص الدستورية  وربطها ببعض ، كثيراً ما ترشح لحقوق لا نص عليها ، و لكن تشي بثبوتها ما يتصل بها من الحقوق التي كفلها الدستور، و التي تعد مدخلاً إليها بوصفها من توابعها أو مفترضاتها أو لوازمها ، و كثيراً ما تُفضي فروع بعض المسائل التي نظمتها الوثيقة الدستورية ، إلى الأصل العام الذي يجمعها ، و يعتبرإطاراً محدداً لها ، ولا يكون ذلك إلا من خلال فهم أعمق لمراميها و استصفاء ما وراءها من القيم و المثل العليا التي احتضنها الدستور .... " ( حكمها الصادر في الدعوى رقم 23 لسنة 16 ق " دستورية " – جلسة 18/3/1995 ).

 

لما كان ذلك ، و كان البين من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011 أنه تضمن بعض الاختصاصات المخولة لمجلس الشعب ، و منها ما نصت عليه المادة 33 منه ،  من أنه :

" يتولى مجلس الشعب فور انتخابه سلطة التشريع ، و يقرر السياسة العامة للدولة ، و الخطة العامة للتنمية الاقتصادية و الاجماعية ، و الموازنة العامة للدولة ، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ".

 

 

و لا مراء أن مدلول و مفهوم الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ترتبط ارتباطاً لا يقبل التجزئة بآلية تنفيذ نتائج تلك الرقابة و محاسبة المسئول عن الإخلال بها ،و هو ما يتمثل في مسئولية السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة و ما يستتبعه  ذلك من سلطة سحب الثقة منها ، فسحب الثقة من الحكومة من لوازم و مفترضات تلك الرقابة ، فلا سلطة بدون مكنة على تنفيذ مقتضياتها و آثارها و محاسبة المخالف لها ، و إلا لتجردت تلك السلطة الرقابية من مضمونها و مقوماتها ، و لأضحت مجرد أمراً نظرياً يعمل في الفراغ ، حال أنها سلطة ملزمة بقوة القواعد الدستورية ، لا يجوز تهميشها أو تجريدها من آثارها أو إيهانها من خلال تحوير مقاصدها أو الإخلال بمقتضياتها أو الإعراض عن متطلباتها ، و لأخل ذلك إخلالاً جسيماً بميزان الرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية و التنفيذية و الذي تحرص الدساتيرعلى ضمانها باعتبارها القائمة على ارساء ركائز الحكم ، و هو ما أكدته المحكمة الدستورية العليا حيث قضت بأن : " الدستور – إذا كان تقدمياً – يمثل ضمانة رئيسية لإنفاذ الإرادة الشعبية في توجهها نحو مثلها الأعلى ، و بوجه خاص في مجال إرسائها نظاماً للحكم لا يقوم على التسلط على مقاليد الأمورانفراداً بها و احتكاراً لها ، بل يعمل على توزيع السلطة في إطارديمقراطي بين الأفرع المختلفة التي تباشرها بما يكفل توازنها و تبادل الرقابة فيما بينها ...." ( حكمها الصادر في الدعوى رقم 17 لسنة 14 ق " دستورية " – جلسة 14/1/1995 ).

 

 

وهذا ما كان يجري عليه الأمرفي ظل الدستورالمعطل الصادرسنة 1971، فإن ذلك الدستور قد مال في تنظيم السلطة التنفيذية إلى الأخذ بالنظام الرئاسي ، و لكنه في العلاقة بينها و بين البرلمان أخذ بالنظام البرلماني ، و من ثم فإنه جعل لمجلس الشعب حق الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ، و تتحقق هذه الرقابة بوسائل عديدة ، كالأسئلة و الاستجوابات و التحقيقات البرلمانية ، على أن أقوى وسيلة للرقابة البرلمانية هي طرح الثقة بالوزارة و التي قد تنتهي إلى سحب الثقة منها ( د/ مصطفى أبو زيد فهمي – الدستور المصري فقهاً  وقضاءً – الطبعة التاسعة 1996 – ص 617 و ما بعدها )، 

 

و بذلك يكون سحب الثقة من الحكومة مستفاداً من الإعلان الدستوري ذاته بما دلت عليه نصوصه في هذا الصدد .

 

ثالثاً :  من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن :

"  مبدأ خضوع الدولة للقانون – محدد على ضوء مفهوم ديمقراطي – مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية ، و ضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان و كرامته و شخصيته المتكاملة .... ". ( حكمها الصادرفي الدعوى رقم 49 لسنة 17 ق " دستورية " – جلسة 15/6/1996 ).

 

و قد استقر الوضع في البلاد الديمقراطية التي يقتدى بها في مجال الحكم الديمقراطي على حق المجلس البرلماني التشريعي في سحب الثقة من الحكومة .

 

رابعاً : من المقررفي الفقه الدستوري أن العرف الدستوري مصدر رسمي من مصادرالقانون الدستوري في دول الدساتيرالمكتوبة  ،  و يبرز دور العرف في سد الثغرات التي تنتج عن عدم مراعاة الجوانب العملية و الواقعية ، كما أنه أكثر قدرة من القواعد الدستورية المكتوبة على معالجة المشاكل التي تتمخض عن العلاقة بين السلطات الحاكمة في الدولة ، لأنه يتلاءم مع الواقع و الظروف ، و قد لعب العرف الدستوري دوراً هاماً في ظل النظام الدستوري الذي أتى به دستورسنة 1923 ، و من أمثلة القواعد الدستورية التي نشأت عن طريق العرف ؛  حق الملك في رئاسة مجلس الوزراء ، و حقه في الاعتراض على المرشحين لتولي مناصب وزارية ، و أيضاً حق الحكومة في إصدارلوائح البوليس ، رغم أن دستورسنة 1923 لم يكن يرخص للسلطة التنفيذية إصدارمثل تلك اللوائح ، و لكنها جرت على إصدارها على نحو ما كان سائداً قبل الدستور، و قد ذهب فقه القانون إلى أن هناك قاعدة عرفية تجيزللسلطة التنفيذية الاستمرارفي إصدارهذه اللوائح ( في هذا المثل – المستشارمحمد وجدي عبد الصمد – الاعتذار بالجهل بالقانون – الطبعة الثالثة 1988 – ص 291 )،  و ما جرى عليه العمل من عرض مشروعات قوانين الضرائب على مجلس النواب قبل مجلس الشيوخ ،  و قد  اعترف دستورسنة 1923 بالعرف باعتباره مصدراً رسمياً بجوارالوثيقة الدستورية في المادة 13 التي نصت على أن " تحمي الدولة حرية القيام بشعائرالأديان و العقائد طبقاً للعادات المرعية في الديارالمصرية ، على ألا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب " .

 

  و ينقسم العرف الدستوري إلى أنواع ثلاثة ، المفسر، و يقتصرهذا النوع على تفسيرما قد يكون غامضاً من نصوص الدستورأو توضيح ما قد يشوبها من إبهام ، أي أنه لا ينشئ قواعد دستورية جديدة , و من ذلك تفسيرنص المادة الثالثة من دستور الجمهورية الفرنسية  الثالثة الصادرسنة 1875 ، و التي كانت تقرر اختصاص رئيس الجمهورية بكفالة تنفيذ القوانين على أساس الاعتراف له بسلطة اصداراللوائح التنفيذية ، لأن كفالة تنفيذ القوانين لا يتأتي إلا بإصداراللوائح اللازمة لتنفيذها . و النوع الثاني ، العرف المكمل ، و هو الذي يتولى اكمال النقص الذي قد يوجد في  القواعد الدستورية ، و ذلك بتنظيم المسائل الدستورية التي أغفل المشرع الدستوري تنظيمها ، سواء باكمال النقص أو بسد العجز الناتج عن عدم معالجة بعض الموضوعات في وثيقة الدستور، و أما النوع الثالث للعرف الدستوري فهو العرف المعدل ، وهو الذي يعدل في نصوص الوثيقة الدستورية ، سواء بإضافة أحكام جديدة إليها أو بحذف أحكام منها .

( في ما تقدم : د/ عبد الغني بسيوني عبد الله – القانون الدستوري – طبعة 1990 – ص 53 و ما بعدها )

 

و لما كان واقع التطبيق في جمهورية مصر العربية  وبلاد الديمقراطية في العالم قد جرى على أحقية المجلس التشريعي في سحب الثقة من الحكومة حتى صارذلك أمراً لصيقاً بالحياة البرلمانية ، باعتباره مكوناً جوهرياً لها ، به تنبض مقوماتها ، لتستوي على سوقها حال ممارستها ، الأمر الذي يكون معه مبدأ سحب الثقة من الحكومة قد صارعرفاً غير منكور، فوق كونه مبدأ مسطوراً ، و ذلك سواء أخذنا بالعرف كمفسرأو مكمل للوثيقة الدستورية المتمثلة في الإعلان الدستوري .

 

مع ملاحظة هامة ، هي أن الإعلان الدستوري بحكم طبيعته المؤقتة لا يجمع شتات الأمورالدستورية ، و ما يكون له ذلك ، فإغفاله أمراً ما كالذي نحن بصدده الآن لا يعني رفضه إياه ،  و من الضروري حينئذ اللجوء للمصادرالتي يعتد بها في مقام الحديث عن المسائل الدستورية .

 

 

خامساً :  من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا في شأن تفسير الدستور أن :

 

" النصوص الدستورية لا يجوز فهمها على ضوء حقبة جاوزها الزمن ، بل يتعين أن يكون نسيجها قابلاً للتطور، كافلاً ما يفترض فيه من اتساق مع حقائق العصر" ( حكمها الصادرفي الدعوى رقم 23 لسنة 16 ق " دستورية " – جلسة 18/3/1995 ).

 

"  إنه من المسلم أنه ينبغي عند تفسيرنصوص الدستور، النظر إليه باعتبارها وحدة واحدة يكمل بعضها بعضاً ، بحيث لا يفسرأي نص منها بمعزل عن نصوصه الأخرى ، بل يجب أن يكون تفسيره متسانداً معها بفهم مدلوله فهماً يقيم بينها التوافق و ينأى بها عن التعارض "( حكمها الصادر في الدعوى رقم 37 لسنة 9 ق " دستورية " – جلسة 19/5/1990 ).

 

" الأصل في النصوص الدستورية أنها تعمل في إطار وحدة عضوية تجعل من أحكامها نسيجاً متآلفاً متماسكاً ، بما مؤداه أن يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص استقلالاً لا يعزلها عن بعضها البعض ، و إنما يقيم منها في مجموعها ذلك البنيان الذي يعكس ما ارتأته الإرادة الشعبية أقوم لدعم مصالحها في المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ، و لا يجوز بالتالي أن تفسر النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها ، و لا أن ينظرإليها بوصفها هائمة في الفراغ ، أو باعتبارها قيماً مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعي  "( حكمها الصادر في الدعوى رقم 11 لسنة 13ق " دستورية " – جلسة 8/7/2000 ).

 

 

"   من المقرر –  و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة  –  أن النصوص الدستورية لا تتعارض أو تتهادم أو تتنافر فيما بينها ،  و لكنها تتكامل في إطارالوحدة العضوية التي تنتظمها من خلال التوفيق بين مجموع احكامها و ربطها بالقيم العليا التي تؤمن بها الجماعة في مراحل تطورها المختلفة ،  و يتعين دوماً أن يعتد بهذه النصوص بوصفها متآلفة فيما بينها لا تتماحى أو تتآكل ،  بل تتجانس معانيها  وتتضافرتوجهاتها ،  و لا محل بالتالي لقالة إلغاء بعضها البعض بقدر تصادمها ،  ذلك إن إنفاذ الوثيقة الدستورية و فرض أحكامها على المخاطبين بها ، يفترض العمل بها في مجموعها ،  باعتبارأن لكل نص منها مضموناً ذاتياً لا ينعزل به عن غيره من النصوص أو ينافيها أو يسقطها ،  بل يقوم إلى جوارها متسانداً معها مقيداً بالأغراض النهائية وا لمقاصد الكلية التي تجمعها  "  ( حكمها الصادرفي الدعوى رقم 15 لسنة 18ق " دستورية " –  جلسة 2/1 /1999 ).

 

و لما كانت الدولة المصرية – شعباً و مؤسسات – تمر بمرحلة تاريخية فارقة ، ثار فيها الشعب صاحب السلطة التأسيسية الأصلية – أعلى سلطة حقيقية في البلاد يخضع لها الجميع  - ثورة مجيدة ، و اعتصم  بقيم الحرية و العدل و المساواة و أصول الديمقراطية الحقة ، بما تتضمنه من رقابة كل مسئول أو جهة و محاسبته على ما قدم ، رافضاً السلطة المطلقة للحكام و ما اقترفته أيديهم  من إفساد و ظلم غاشم  ، و جنايتهم على شعبهم و تخريبهم لوطنهم  ، مولياً وجهته شطرالاستمساك بالرقابة الصارمة على و فيما بين سلطات الدولة ، و تنحية و عزل الحكام المتسلطين و محاسبتهم ،  و كان المقررأن "  شرعية السلطة الحاكمة تعتمد من الوجهة الدينية و الدستورية على رضا الشعوب ، و اختيارها الحر، من خلال اقتراع علني يتم في نزاهة و شفافية ديمقراطية ، باعتبارها البديل العصري المنظم لما سبقت به تقاليد البيعة الإسلامية الرشيدة ، و طبقاً لتطورنظم الحكم و إجراءاته في الدولة الديثة و المعاصرة ، و استقرعليه العرف الدستوري من توزيع السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية ، و الفصل الحاسم بينهم، و من ضبط وسائل الرقابة و المساءلة و المحاسبة ، بحيث تكون الأمة هي مصدر السلطات جميعاً و مانحة الشرعية و سالبتها عند الضرورة " ( يراجع : بيان الأزهر الشريف و المثقفين لدعم إرادة الشعوب العربية الصادرة بتاريخ الرابع من ذي الحجة سنة 1432 – منشوربمجلة الأزهر- عدد يناير الجزء الثاني سنة 2012 – ص 426 ) .

 

 ولما كان ذلك ، و كانت سلطة مجلس الشعب في سحب الثقة من الحكومة لا تعدو أن تكون نوعاً من آليات الرقابة التي تقتضيها و تستوجبها طبيعة الحالة الثورية الراهنة ، تأكيداً للحق في تقويم اعوجاج الحكام و المسئولين ، منعاً للطغيان و الفساد و الاستغلال من أن يعود سيرته الأولى ،  وتحقيقاً للإصلاح السياسي و الاجتماعي و الدستوري ، الذي استهدفه الشعب من خلال ثورته المجيدة ، فإن تقريرهذا الحق و الواجب يعد أمراً مقضياً ، متعيناً إعماله .

 

سادساً :  من الأصول التي أصبحت محل اجماع ، و تواترت عليها الدساتيرالمصرية  ، و أكدها الإعلان الدستوري الصادربتاريخ 30/3/2011 ،  أن السيادة للشعب وحده ، و هو مصدر السلطات ، و يمارس الشعب هذه السيادة و يحميها ،  وكان المقررأن الشعب هو صاحب السلطة التأسيسية الأصلية ، تلك السلطة المتميزة عن سلطات الدولة المعروفة ، فهي سلطة لم تنظمها نصوص خاصة و لم تتلق اختصاصها بوضع الدستورمن نص صريح ، فهي تستطيع أن تتدخل لوضع دستورجديد  والبلاد خالية تماماً من أي نص دستوري ،  و هي تتدخل أيضاً لاسقاط نظام دستوري سابق و وضع نظام جديد ،  فالشعب في الأنظمة الديمقراطية هو صاحب السيادة ، تنبع منه سائر السلطات ، و سلطته أصلية لا تنبع من أحد ، فهو بحكم وضعه هذا هو الذي يملك أعلى السلطات في الدولة ، السلطة التأسيسية الأصلية ( د/ مصطفى أبو زيد فهمي – الدستورالمصري فقهاً و قضاءً – الطبعة التاسعة 1996 – ص 133 و ما بعدها ).

 

  و من المقرر كذلك في الفقه الدستوري أن البرلمان يأتي بالانتخاب من الشعب ، أي أن البرلمان في مجموعه يمثل الشعب ، باعتبارأن نيابة النائب عن الأمة هي وكالة جماعية تقدمها الأمة ككل إلى المجلس النيابي ككل ،   و يترتب على ذلك بالضرورة أن النائب ينوب عن الأمة بأسرها و ليس عن الدائرة الانتخابية التي فازفيها ،  و قد نص نص دستور1923 في المادة 91 منه على أن : "  عضو البرلمان ينوب عن الأمة كلها .... " ، و هذا ذات النص الوارد في المادة 86 من دستورسنة 1930 ، و إذا كان دستورسنة 1971 قد فاته أن ينص على ذلك فلأنه وجد أن هذا الأصل الدستوري أصبح يقوم في مصردون حاجة للنص عليه ( د/ مصطفى فهمي أبوزيد – المرجع السابق – ص 370 و ما بعدها ).

 

و ترتيباً على ذلك ، و لما كانت الأمة مصدر السلطات وصاحبة السيادة ، و كان البرلمان ينوب عن الأمة ، و كان ما سواها خاضعاً لها و منفذاً لما اتخذته سبيلاً لها في حاضرها ، فإن سحب البرلمان الثقة من الحكومة – و هي خاضعة للأمة و عاملة لحسابها – أمراً مقضياً ، حتى يتسنى للأمة ممثلة في نوابها مراقبة الحكومة عما أسند إليها تحقيقه  و تنفيذه .

 

و قد أكدت المحكمة الدستورية العليا على أن :

" أهم ما يميز الوثيقة الدستورية و يحدد ملامحها الرئيسية ، هو أن الحكومة خاضعة لمواطنيها و لا يفرضها إلا الناخبون ، و كلما اعاق القائمون بالعمل العام أبعاد هذه الحرية ، كان ذلك من جانبهم هدماً للديمقراطية في محتواها المقرر دستورياً ، و إنكاراً لحقيقة أن حرية التعبيرلا يجوز فصلها عن أدواتها ، و أن وسائل مباشرتها يجب أن ترتبط بغاياتها ، فلا يعطل مضمونها أحد ، و لا يناقض الأغراض المقصودة من إرسائها ، و ما الحق في الرقابة الشعبية النابعة من يقظة المواطنين المعنيين بالشئون العامة ، الحريصين على متابعة جوانبها ، و تقريرموقفهم من سلبياتها إلا فرعاً من حرية التعبيرو نتاجاً لها ".

(حمها الصادرفي الدعوى رقم 17 ق "دستورية " – جلسة 14/1/1995 )

 

أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية

المصدر: أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية
lawing

أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية 0126128907

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 209 مشاهدة

ساحة النقاش

أشرف سعد الدين عبده - [email protected]

lawing
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,957,537

راسلنا على الاميل

نرحب بكل الزائرين للموقع ، و نتمنى لهم أن يجدوا ما ينفعهم و يحتاجون إليه ، و لمن أراد التواصل معنا أوالاستفسارأو تقديم الاقتراحات الخاصة بالموقع و محتوياته ، عفلى الرحب و السعة ، و ذلك على الاميل الخاص بالأستاذ / أشرف سعد الدين المحامي :
[email protected]