أشرف سعد الدين عبده - المحامي بالإسكندرية - مصر

<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

 

 

الجزء الرابـــع

من بحث الزواج العرفـــــي

 

 

تحديد الدعاوى التي لا يسري عليها القيد بالنص القانوني عليها :

نصت المادة 17- من القانون رقم 1 لسنة 2000 -  في عجز فقرتها الثانية على قبول بعض الدعاوى أمام القضاء، و لو كان الزواج غير ثابت بوثيقة رسمية و أنكر المدعى عليه الزوجية ، استثناء من القيد الوارد بها،  و هذه الدعاوى هي دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال ، دون غيرهما ، و اشترطت لذلك شرطاً واحداً هو أن يكون الزواج ثابتاً بأية كتابة ، فقد نصت المادة المذكورة في هذا الشأن على أنه : ( ..... ومع ذلك تقبل دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرهما إذا كان الزواج ثابتاً بأية كتابة ).

و سأتناول هذا الإستثناء بالشرح على النحو التالي :

 

نقـــد النص :

بداية أشيرإلى أن المادة 17 في فقرتها المتعلقة بهذا الإستثناء قد أثارت جدلاً كثيرا، فقد قيل بأنها تقنن الزنا ، أو تفتح الباب أمام تفاقم ظاهرة الزواج العرفي ، و رداً على ذلك قيل بأن كل ذلك اتهامات للقانون بغير دليل ، فالمشرع بهذه المادة لم يفتح الباب أمام الزواج العرفي و لم يشجع عليه ، و لم يشرع إثباته أو إثبات أي حق يترتب عليه ، و لكنه فتح الباب أمام امرأة تعيسة أو طائشة شاءت ظروفها أن يصبح الزواج العرفي بالنسبة لها حقيقة واقعة ، و نحن هنا أمام أمرين ، الأول : أن نترك هذه المرأة حبيسة عقد يقودها إلى فساد ، أو يوقعها تحت طائلة العقاب الجنائي بالجمع بين زوجين ،  الثاني : نفتح له الباب للفرقة حتى لا تصبح وقفاً على رجل ينكرالزواج بها ، و وضع هذه المرأة الشرعي من غير استحداث هذا النص أن تظل بإقرارها أمام القاضي أنها زوجة لا يمكنها الزواج مرة أخرى حتى يطلقها هذا الرجل المنكر، أو يموت فتعتد عدة وفاة ، فجاء هذا النص ليفتح أمام هذه المرأة باباً للرحمة حتى تصبح حرة من إقرارها بالزوجية قضاء، و تتحررمن زواج قائم ديانة ، و تصبح بعد أن تعتد عدة طلاق امرأة بلا زوج يمكنها أن تتصرف في مصيرها دون أن تقع في الإثم الديني أو تصبح تحت طائلة الجزاء الجنائي .    هذه هي وظيفة النص الجديد الوحيدة ..... و في هذا رفع أضرار أو ضرر وقع عليها أو منها ، و المبدأ الكلي في الشريعة الإسلامية لا ضرر و لا ضرار .( في النقد و الرد عليه : د/ محمد كمال إمام – أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين – الجزء الثاني – الطلاق – 2001 – ص 112 و ما بعدها ).  

 

 

تحديد الدعاوى المستثناة : دعوى التطليق أو الفسخ :

دعوى التطليق :

تعني هذه الدعوى التفريق بين الزوجين قضاء ، فهي دعوى تطليق على الزوج ، و ليست طلاقاً ، فالطلاق انقضاء إرادي لرابطة الزوجية ، أي إرادة أحد الزوجين ، أما التطليق فهو الإنقضاء الذي يستلزم تدخل القضاء .

 

و قد ورد النص على دعوى التطليق بصيغة مطلقة ، فلم يقيد المشرع الإستثناء الوارد في المادة 17 – دعوى التطليق – بسبب معين من أسباب التطليق ، و عليه فإن للزوجة  في زواج عرفي أن ترفع دعوى تطليق لأي سبب من الأسباب الورادة في قوانين الأحوال الشخصية إذا توافرت شروطها ، و هذه الدعاوى عديدة ، و تشمل التطليق للأسباب الآتية : لعدم الإنفاق ، للعيب ،  للضرر ، للزواج بأخرى ، لاستحكام الخلاف بين الزوجين ، لغيبة الزوج أو حبسه ، للردة ، التفريق لبطلان الزواج أو فساده ، دعوى إثبات إيقاع الطلاق ، و الدعوى الأخيرة ليست دعوى طلاق .( المستشار/ أحمد نصر الجندي – المرجع السابق – ص 309 ).

و إذا صد رالحكم بالتطليق فيجب على المرأة العدة و لا يجوز لها أن تتزوج ما دامت في العدة .

 

دعوى الفسخ :

تعريف الفسخ و آثاره :   الفرقة أي انحلال رابطة الزواج نوعان : طلاق و فسخ ، و يفرق بينهما بأن الطلاق هو إنهاء لعقد الزواج بلفظ خاص يترتب عليه زوال الملك و بقاء الحل إذا كان بائنا ً بينونة صغرى ، أو نقص عدد الطلقات مع بقاء الملك و الحل إن كان رجعياً ، أو زوال الملك و الحل إن كان بائناً بينونة كبرى .

 

أما الفسخ فهو نقض للعقد و رفع له وإزالة الحل الذي كان يترتب عليه في الحال ، و هو نوعان : أحدهما : فسخ يكون نقضاً للعقد من أصله ، و ذلك إذا اقترن بإنشاء العقد ما يبطله أو يفسده أو يجعله غير لازم ، و ثانيهما : فسخ لا ينقض العقد من أصله لأنه نشأ صحيحاً لازماً ، و إنما طرأ عليه سبب عارض يمنع بقاء النكاح ، كارتكاب أ ي منهما ما يوجب حرمة المصاهرة ، و هذا النوع الثاني قسمان ؛ أولهما : فسخ يمنع الزواج على التأبيد بسبب حدوث ما يوجب حرمة المصاهرة ، و الثاني : فسخ يمنع الزواج على التأقيت و سببه ما يوجب تحريماً مؤقتاً بين الزوجين كالردة .

 

بيان الفرق التي تكون طلاقاً و تلك التي تكون فسخاً :

الفرق التي تكون طلاقاً :

1-   ما تكون بلفظ من ألفاظ الطلاق الصريح أو الكتابة .

2-   الخلع .

3-   الإيلاء .

4-   الفرقة لعيب في الزوج ككونه عنيناً أو مجبوباً أو خصياً.

5-   اللعان طبقاً لرأي أبي حنيفة و محمد الراجح في المذهب .

6-   الفرقة لإباء الزوج الإسلام بعد اسلام زوجته طبقاً لرأي أبي حنيفة و محمد الراجح في المذهب .

7-   التفريق لعدم الإنفاق و للغيبة و لحبس الزوج و للضرر و للتضرر من الزواج بأخرى .

 

الفرقة التي تكون فسخاً : 

1-   الفرقة لبطلان العقد أو فساده أو عدم صحته .

2-   الفرقة بسبب ارتكاب أحد الزوجين مع أحد أصول الآخر أو فروعه ما يوجب حرمة المصاهرة .

3-   الفرقة بخيار البلوغ أو الإفاقة من الزوج أو الزوجة .

4-  الفرقة لعدم كفاءة الزوج ، بأن تكون المرأة العاقلة البالغة قد زوجت نفسها بغير كفء دون رضاء وليها العاصب .

5-  الفرقة لنقصان المهر عن مهر المثل إذا باشرت المرأة العاقلة  البالغة بنفسها عقد زواجها من كفء لها على مهر أقل من مهر مثلها و لم يرض بذلك وليها العاصب .

6-   الفرقة بسبب ردة الزوجة أو امتناعها عن الإسلام ، او اعتناق أي دين سماوي بعد اسلام زوجها.

7-   الفرقة بردة الزوج على رأي أبي حنيفة  و أبي يوسف الراجح  في المذهب .

 

آثار التفرقة بين الطلاق و الفسخ :

1-  يترتب على الطلاق البائن انحلال رابطة الزوجية في الحال ، و على الطلاق الرجعي انحلال الزوجية بعد انقضاء العدة ، أما الفسخ فينحل به عقد الزواج في الحال .

2-  الطلاق ينقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته ، أما الفسخ فلا ينقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج .

3-  الطلاق غير المكمل لثلاث يلحقه الطلاق في العدة ، لأن العقد قائم بعده ، أما الفسخ فلا يلحقه طلاق في العدة ، و يستثنى من ذلك الفرقة بسبب ردة الزوجة أو إبائها عن الإسلام فإنه يقع عليها الطلاق في العدة عقوبة و زجراً لها .

4-  الفسخ يكون في عقد الزواج الصحيح و في عقد الزواج الباطل أو الفاسد ، أما الطلاق فلا يكون إلا في عقد الزواج  الصحيح .

5-  الطلاق إذا وقع من قبل الزوج ، قبل الدخول حقيقة أو حكماً ، يترتب عليه وجوب نصف المهرالمسمى للمطلقة ، و وجوب المتعة لها إن لم يكن المهر مسمى في العقد تسمية صحيحة ، و أما فسخ العقد قبل الدخول و قبل الخلوة إن كان الأمر متصلاً بإنشاء العقد فلا يترتب على هذه الفرقة شئ من المهر.

6-  أن المتعة المنصوص عليها في المادة 18 مكرراً من القانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 لا تستحق إلا في حالة الطلاق دون حالة الفسخ .

( يراجع مشكوراً  ًفي الفسخ و ما ورد بشأنه : المستشار/ البكري – المرجع السابق – ص 153 وما بعدها ، و بتفصيلات أكثر في المذاهب الأربعة : الشيخ / عبد الرحمن الجزيري – الفقه على المذاهب الأربعة – الجزء الرابع – قسم الأحوال الشخصية – النكاح و الطلاق – ص 381 و ما بعدها ).

 

        آثار القضاء بفسخ عقد الزواج :

        إذا حكم بفسخ عقد الزواج و كان الرجل قد دخل بالمرأة فيترتب على ذلك وجوب الفرقة أو التفريق بينهما و وجوب العدة على المرأة من وقت تفريق القاضي بينهما ، و العدة هنا عدة طلاق ، و يثبت به نسب الولد من الرجل إذا حصل حمل من ذلك الدخول ، و ذلك للاحتياط في إحياء الولد و عدم تضييعه، و لا يجب فيه المهر على الزوج إلا لأقل من المسمى أو من مهر المثل ، و لا يثبت شئ من هذه الأحكام إلا بالدخول الحقيقي ، فالخلوة و لو كانت صحيحة لا يترتب عليها شئ من هذه الأحكام . ( دار الإفتاء المصرية – المجلد الخامس – ص 1894 ، 1895 ) .  و لا يترتب على الفسخ أحكام أخرى ، فلا تجب فيه النفقة أو الطاعة أو التوارث بين الزوجين .

 

       الإستثناء قاصرعلى دعوى الطلاق أو الفسخ فقط :

       أورد المشرع بعد أن ذكر هذا الإستثناء كلمة ( دون غيرهما ) ، تأكيداً منه على أن الإستثناء يقتصر على قبول دعوى التطليق أو الفسخ فقط ، دون أي أثر آخر من الآثار التي يمكن أن تترتب على التطليق أو الفسخ من حقوق للمرأة ، و لا تملك المرأة الاستفادة من آثار هذا الحكم بإقامة دعاوى أخرى للمطالبة بهذه الآثار.

       و هذا القول يتفق مع الغاية التي من أجلها أقر المشرع هذا الإستثناء، و هي فتح الباب أمام المتزوجة عرفياً للفكاك من أسر هذا الزواج .

 

       هل يسري الإستثناء على دعوى الخلع ؟

       يثور التساؤل عن حق المتزوجة عرفياً في مخالعة زوجها ، أي هل يجوز لها – في حالة إنكار الزوج لواقعة الزواج – اللجوء للقضاء للمطالبة بمخالعة زوجها ، و هل تقبل الدعوى حينئذ ؟

 

       ذهب رأي إلى أن المتزوجة بعقد زواج عرفي ، شفوي أو كتابي ، لا يحق لها استخدام مكنة التطليق خلعاً لعدم ثبوت زواجها،  إلا أنه إذا كانت الزوجية العرفية ثابتة بأية كتابة على النحو المنصوص عليه بعجز الفقرة الثانية من المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 و أقامت الدليل على سبق قيام الزوجية بينها و المدعي عليه،  و الذي يحق لها إثبات حصوله بكافة طرق الإثبات، ينفتح أمام الزوجة في هذه الحالة إمكانية اللجوء إلى طلب التطليق خلعاً ، و يرى صاحب هذا الرأي أنه لا يقدح في ذلك القول أن المشرع قد حصر حق المتزوجة عرفياً في المادة 17 /2 في طلب الطلاق دون غيره على سبيل الإستثناء تمكيناً لها من الخروج من ذلك المأذق المتمثل في تحقق أسباب التطليق لديها دون قدرة على طلبه قضائياً لعدم ثبوت الزواج في وثيقة رسمية ، و ذلك بالنظر إلى  النتيجة التي تسفر عنها كلاً من دعوى الخلع ودعوى التطليق في الزواج العرفي باعتبارها واحدة في الحالتين ، و هي فصم عرى الزوجية دون حق في المطالبة أو التداعي بأي حق من الحقوق المقررة للزوجة ، فضلاً عما هو مقرر في قضاء محكمة النقض من أن القيد الوارد في المادة 17 /2 من القانون رقم 1 لسنة 2000 ينحصر في عدم قبول الدعاوى المترتبة على عقد الزواج – عند إنكار الزوجية – إلا إذا كانت الزوجية ثابتة في وثيقة رسمية ، و لا يمتد إلى الدعاوى الناشئة عن النزاع في ذات الزواج أو في وجود الزوجية ذاتها ، حيث يجوز لكل من الزوجين عند الإنكار إثباتها بكافة طرق الإثبات  ، كما لا يجوز الإرتكان إلى اختلاف طبيعة الحكم الصادر في حالة التطليق للمتزوجة عرفياً باعتباره حكماً قابلاً للطعن عليه و الحكم الصادر في طلب المخالعة باعتباره حكماً انتهائياً لا يجوز الطعن عليه عملاً بحكم الفقرة الأخيرة من المادة 20 من القانون رقم 1 لسنة 2000 ، باعبتار أنه لا يجوز الاستناد إلى طبيعة الحكم أو درجته كضابط للتفرقة بين الحقوق الموضوعية ( المستشار/ أشرف مصطفى كمال – المرجع السابق – ص 314 ، 315 ).

 

         الزواج العرفي و التطليق للزواج بأخرى :

         منح المشرع الزوجة حق طلب التطليق لزواج زوجها من أخرى   ، كسبب من أسباب التطليق الواردة في القانون المصري،  حيث نصت المادة 11 مكرراً من القانون رقم 25 لسنة 1925 على أنه :(.... و يجوز للزوجة التي تزوج عليها زوجها أن تطلب الطلاق منه إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالهما و لولم تكن قد اشترطت عليه في العقد ألا يتزوج عليها ................).                            

 

        و يثور التساؤل عن حكم الزوجة طالبة التطليق لهذا السبب ، من حيث إثبات الزواج الآخر إذا كان عرفياً ؟  و كذا ينشأ التساؤل عن الحكم  في حال ما إذا كانت طالبة التطليق لذات السبب متزوجة عرفياً ؟

 

       فأما عن السؤال الأول ، إذا تزوج رجل من امرأة زواجاً رسمياً ، ثم تزوج من أخرى زواجاً عرفياً ، و أرادت الزوجة الأولى – و قد علمت بأن زوجها قد تزوج عليها عرفياً – الطلاق ، فما هو الدليل الذي تستطيع أن تعتصم به إثباتاً للزواج الآخر العرفي ؟

 

 ذهب رأي – صادر قبل العمل بالقانون الجديد رقم 1 لسنة 2000 – إلى أنه لما كانت المادة 99 /4 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 تنص على أنه ( و لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة رسمية في الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931 ) ، و كان حكم هذا النص يسري على الدعاوى التي يقيمها أحد الزوجين على الآخر، و على الدعاوى التي يقيمها ورثة أيهما على الآخر أو على ورثته ، و كذلك على الدعاوى التي يقيمها الغير أو النيابة العامة في الأحوال التي تباشر فيها الدعوى كطرف أصيل قبل أيهما أو ورثتهم، و كان النص المذكور يطبق سواء كان النزاع في ذات الزوجية أو فيما يتعلق بالحقوق التي تكون سبباً لها ، و هو حكم متعلق بالنظام العام ، فإنه يترتب على ذلك أنه إذا أقامت الزوجة دعوى تطليق ضد زوجها لزواجه بأخرى ، فأنكر الزوج زواجه بأخرى ، تعين على الزوجة إثبات زواجه بأخرى بوثيقة زواج رسمية ، و أنه إذا كان الزوج – ترتيباً على ذلك – متزوجاً بالزوجة الأخرى بموجب عقد زواج عرفي ، فإن الزوجة لن تستطيع إثبات هذا الزواج وبالتالي لن تتمكن من الحصول على حكم بالتطليق .( المستشار/ محمد عزمي البكري – المرجع السابق – الكتاب الثاني ص 385 ، 386 ،  المستشار/ واصل علاء الدين – أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية و القانون – طبعة 1994 ص 455 ).

 

        و ذهب رأي آخر- لا سيما بعد صدور القانون الجديد رقم 1 لسنة 2000 و أكدته محكمة النقض – إلى عكس ذلك ، مرتكناً إلى أنه لما كانت الفقرة الثانية من المادة 17 من القانون سالف الذكرتمنع قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج – عندالإنكار- إلا إذا كانت الزوجية ثابتة في وثيقة زواج رسمية في الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931 ، و كان المنع المقصود في هذا المجال هو المنع من إثبات أي حق من الحقوق التي تكون الزوجية سبباً مباشراً لها ، و إذا كان السبب المنشئ لحق الزوجة في طلب الطلاق لاقتران زوجها من أخرى ليس هو واقعة زواجه الأخرى ذاتها ، و إنما هو الضرر الذي يكون قد أصابها من ذلك الزواج الآخرإن كان و الذي تكلف بإثباته ، مما مؤداه أن الزواج الثاني ليس هو السبب المباشر لنشوء حق الزوجة في طلب الطلاق ، فإن سماع طلب إثبات الزواج الثاني لا يشترط فيه و الحال كذلك أن تكون تلك الزوجية – و قد أنكرت – ثابتة في وثيقة زواج رسمية ، و يكون للزوجة طالبة الطلاق إثباتها بكافة طرق الإثبات الشرعية ( المستشار/ أشرف مصطفى كمال – المرجع السابق – ص 339 ، 340 ،  الطعن رقم 463 لسنة 73 ق – جلسة 23/4/2005 ، و الطعن رقم 422 لسنة 64 ق – جلسة 29/9/1998 ).

 

        و هذا الرأي الأخير – عندي – هو الصواب ، ففضلاً عن أن التطليق للزواج بأخرى ليس ناشئاً عن عقد الزواج الثاني و إنما سببه المباشر هو الضرر الناتج عن الزواج الثاني ، كما انتهى أصحاب هذا الرأي ، فإن التطليق بصفة عامة يعد إنهاء لعقد الزواج ، فكيف يكون ناشئاً عنه ؟  ،  كما أن الزوجية في حد ذاتها يجوز إثباتها بكافة الطرق و لا تخضع للقيد الوارد بالمادة 17 وفقاً لقضاء النقض المنوه عنه فيما سبق ، بالإضافة إلى أن القول بغير ذلك يؤدي إلى نتيجة شاذة ، هي كون المتزوجة عرفياً أفضل حالاً من المتزوجة رسمياً التي تزوجت وفق أحكام القانون ، إذ يكفي المتزوجة عرفياً أية ورقة تصلح إثباتاً للزواج العرفي كي تُسمع دعواها ، أما المتزوجة رسمياً طالبة التطليق فلن تُسمع دعواها إلا إذا أثبتت الزواج الآخربوثيقة رسمية ، و هو ما لن تتمكن منه لكون الزواج الآخر عرفياً .

 

         و عن التساؤل الثاني و هو الفرض العكسي للحالة السابقة ، أي حالة ما إذا كانت الزوجة طالبة التطليق متزوجة بموجب عقد زواج عرفي ، فإن دعواها تكون مسموعة حتى ولو أنكر الزوج الزوجية العرفية ، طالما كانت ثابتة في أي ورقة إعمالاً لحكم المادة 17/3 من القانون رقم 1 لسنة 2000 ( المستشار/ أشرف مصطفى كمال – المرجع السابق – الجزء الثاني – ص 340 ،  مستشار/ محمد عزمي البكري – المرجع السابق – ص 386 ).

 

        و يثور تساؤل آخر، و هو ما حكم المتزوجة عرفياً حين تطلب التطليق لزواج زوجها من أخرى زواجاً عرفياً  ؟

 

        في هذه الحالة ، إذا لم يكن هناك إنكار للزواجين العرفيين فإن الدعوى تُسمع حينئذ ، أما إذا كان هناك إنكار، فالأمر لا يخرج عن أحد فرضين ؛ إما أن ينكرالزوج الزواج الآخر مع اعترافه بزواجه من طالبة التطليق ، و في هذا الفرض تسمع دعواها و يكون لها أن تثبت الزواج الآخر بكافة طرق الإثبات ، لكون التطليق للزواج بأخرى ليس ناشئاً عن الزواج الثاني بل عن الضرر الناتج عنه ، فضلاً عن أن المنازعات المتعلقة بإثبات الزواج وجوداً و صحة لا تخضع لقيد عدم السماع الوارد بالمادة 17 ، حسبما سبق بيانه .

 

        أما إذا كان الزوج قد أنكر زواجه العرفي من طالبة التطليق مع اعترافه بالزواج الآخر،     ففي هذه الحالة يجب على الزوجة طالبة التطليق إثبات زواجها العرفي منه بأية كتابة حتى تسمع دعواها ،   فإن أثبتت سمعت دعواها ، و إلا لم تسمع .

 

       تطليق المتزوجة عرفياً و أثره في حلها لزوجها الأول الذي طلقها طلاقاً بائناً بينونة كبرى :

       تثور هنا مسألة هامة ناتجة عن إجازة التطليق في الزواج العرفي ، و هي أنه قد يحدث أن يتزوج رجل من امرأة زواجاً رسمياً ، ثم يقع الطلاق بينهما و يصل الأمرإلى الطلقة الثالثة ، أي طلاق بائن بينونة كبرى ، و من آثار هذا الطلاق أنه لا تحل هذه المرأة لهذا الزوج إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره نكاحاً شرعياً صحيحاً – ليس باطلاً أو فاسداً – ثم يدخل بها زوجها الجديد دخولاً حقيقياً ، أي يذوق عسيلتها و تذوق عسيلته ، ثم يموت عنها أو يطلقها و تنقضي عدتها منه ، و هنا تحل لزوجها الأول بعقد جديد مستوفياً شروطه الشرعية ، فإذا تزوجت هذه المرأة – بعد طلاقها طلاقاً بائناً بينونة كبرى – من رجل زواجاً عرفياً صحيحاً و حدث الطلاق بينهما أو تم تطليقها منه قضاءًً ، فهل يجوز لها أن تعود لزوجها الأول ؟

 

       في هذه الحالة أرى – و الله تعالى أعلى و أعلم – أنه إذا تم التطليق بينهما قضاء ، فإنه يحل لها شرعاً و قانوناً أن تعود لزوجها الأول بعقد جديد إذا كان قد تم الدخول بها دخولاً حقيقياً من زوجها الثاني ، ذلك أن التطليق لا يكون إلا عن زواج صحيح شرعاً بخلاف الفسخ ، و بذلك تتوافر شروط حل الزوجة المطلقة طلاقاً بائناً بينونة كبرى لزوجها الأول ، و هي زواجها من آخر زواجاً صحيحاً مستكملاً أركانه و شروطه شرعاً ، ثم الدخول فيه دخولاً حقيقياً ، و حدوث الفرقة بينهما وانقضاء عدتها منه .  فضلاً عن أن المشرع أقر التطليق في الزواج العرفي ، كما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 1 لسنة 2000 ، فتحاً لباب الرحمة للزوجات اللاتي وقعن في مشكلة هذا الزواج ، فهيّأ و أوجد لهن مخرجاً منه ،  لا ليعشن وحيدات في سلك الرهبنة ، و لكن ليحددن مصيرهن وفقاً لما يحقق مصلحتهن المشروعة ، بالزواج أو عدمه ، و ذلك رفعاً للحرج عنهم ، و دفعاً للضرر و إزالة للعسر، فلا تكون حياتهن وزراً و هضماً ، و لا عوجاً و أمتا .

 

       أما إذا تم الطلاق بينهما رضاءً و ليس قضاءً ، فإنه إذا تم الإشهاد عليه و توثيقه لدى الموظف المختص ، فيعتد به في حلها لزوجها الأول بالشرائط السالف الإشارة إليها ،   أما إذا لم يتم الإشهاد على الطلاق و توثيقه ، مع إنكار الزوج الثاني لإيقاع الطلاق ، فإن المادة 21 من القانون رقم 1 لسنة 2000 كانت تقف لتلك الزوجة بالمرصاد في شأن إثبات الطلاق ، حيث كانت تنص على أنه ( لا يعتد في إثبات الطلاق عندالإنكارإلا بالإشهاد و التوثيق ..... )، و مؤدى ذلك ألا تستطيع الزوجة المذكورة العودة لزوجها الأول لانتفاء الإشهاد و التوثيق لطلاقها من زوجها الثاني (العرفي )، و هو أمر يشكل حرجاً شديداً .

 

        و قد قيل – بحق – تعقيباً على اشتراط الإشهاد و التوثيق إثباتاً للطلاق عند الإنكار،   "  أن توثيق الطلاق لا علاقة له على الإطلاق بوقوع الطلاق من عدمه ، لأن الطلاق يقع فور صدوره منجزاً أو وجود المعلق عليه إذا كان معلقاً على أمر معين ، أما التوثيق فهو إجراء لاحق لوقوع الطلاق قصد به الإثبات حتى لا يكون هناك خلاف بين الطرفين حول وقوع الطلاق أوعدمه ، فتوثيق الطلاق إجراء شكلي ، و الطلاق واقع في كل المذاهب من تاريخ وقوعه ، و ليس في إيجاب توثيق إشهاد الطلاق و لا في تنظيم طرق العلم به أي قيد على حق الطلاق الذي أسند الله تعالى إيقاعه إلى الزوج ، كما لا تشكل إجراءات توثيق إشهاد الطلاق أي قيد على جواز إثبات وقوع الطلاق قضاءً بكافة طرق الإثبات  " .   ( المستشار/ أحمد نصر الجندي – مرجع سابق – ص 532 ، 533 ).      

 

 

       إلا أن المحكمة الدستورية العليا قد رفعت هذا الحرج تماماً ، حيث قضت بعدم دستورية ما تضمنته المادة 21 سالفة الذكرمن قصر الاعتداد في إثبات الطلاق عندالإنكار على الإشهاد و التوثيق ، و على ذلك فلتلك الزوجة أن تثبت طلاقها أمام القضاء بكافة طرق الإثبات ، و حينئذ يجوز لها العودة لزوجها الأول بالضوابط المبينة فيما تقدم ،   و لأهمية حكم المحكمة الدستورية العليا آنف الذكر فسنورده هنا تميماً للفائدة :

 

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

 

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد ، 15 ينايرسنة 2006  الموافق 15 ذي الحجة  سنة 1428 هـ.

برئاسة السيد المستشار/  ممدوح مرعي ............... ..........رئيس المحكمة

و عضوية السادة المستشارين /عدلي محمود منصور و على عوض محمد صالح و أنوررشاد العاصي و السيد عبدالمنعم حشيش و محمد خيري طه و الدكتور / عادل عمر شريف................ ..................... ..............نواب رئيس المحكمة

و حضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما.....رئيس هيئة المفوضين

و حضور السيد/ ناصرإمام محمد حسن..................................أمين السر

 

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم113  لسنة 26 قضائية " دستورية "  .

المحالة من محكمة

 

شبين الكوم الإبتدائية نفاذاً لحكمها الصادر في الدعوى رقم 1299 لسنة 2003 شرعي كلي ( نفس ).

                                  

                                    المقامة من

السيدة / عفاف عبد الغفار قاسم .

 

ضد

السيد/ محمد صابر سليمان .

 

 

 

الإجراءات

بتاريخ 10 مايوسنة 2004 ، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 1299 لسنة 2003 شرعي كلي شبين الكوم  ،بعد أن قضت محكمة شبين الكوم الكلية للأحوال الشخصية نفس بوقفها و إحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة 21 من قانون تنظيم بعص أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 ، و قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى  .

 

و بعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .

و نظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، و قررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .

 

المحـكمـــة

 

بعد الإطلاع على الأوراق ، و المداولة .

         حيث إن الوقائع – على ما يتبين من حكم الإحالة و سائر أوراق الدعوى – تتحصل في أن المدعية كانت قد اقامت الدعوى رقم 1299 لسنة 2003 شرعي كلي أمام محكمة شبين الكوم الكلية للأحوال الشخصية نفس ، بطلب الحكم بإثبات طلاقها من المدعى عليه طلاقاً بائناً بينونة كبرى المكمل للثلاث طلقات اعتباراً من شهر مايو سنة 2003 ، قولاً منها بأنها تزوجت من المدعى عليه بالعقد الصحيح بتاريخ 15/12/1971 ، و دخل بها و عاشرها معاشرة الأزواج و أنجب منها ذكوراً و إناثاً ، و أنه دأب على طلاقها و مراجعتها من نفسه دون توثيق الطلاق رغم وقوعه شرعاً ، إلى أن قام في غضون شهر مايو سنة 2003 بطلاقها الطلقة الثالثة ، التي غدا بها طلاقها منه بائناً بينونة كبرى ، وقد اعترف بذلك أمام شهود عدول ، و أفتت دار الإفتاء المصرية في مواجهته بأن المدعية أصبحت محرمة عليه شرعاً لطلاقها المكمل للثلاث ، بحيث لا تحل له إلا أن تنكح زوجاً غيره ، دون أن تكون هناك فتوى مكتوبة ، و على اثر ذلك انتقلت المدعية للإقامة مع زويها ، غير أن المدعى عليه رفض توثيق الطلاق ، مما حدا بها إلى إقامة دعواها المشار إليها توصلاً للقضاء لها بطلباتها المتقدمة .

 

          و أثناء نظر الدعوى قررت المحكمة ضم الدعوى رقم 1449 لسنة 2003 شرعي كلي شبين الكوم – المقامة من المدعية ضد المدعى عليه للإعتراض على إنذار الطاعة الموجه منه لها – إلى هذه الدعوى للإرتباط و ليصدر فيهما حكم واحد ، و بجلسة 31/3/2004 قضت المحكمة بوقف الدعوى رقم1299 لسنة 2003 شرعي كلي شبين الكوم و إحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة 21 من القانون رقم 1 لسنة 2000 لما تراءى لها من مخالفته للمادتين 2 ، 12 من الدستور، و في الدعوى رقم 1449 لسنة 2003 شرعي كلي شبين الكوم بإثبات طلاق المعترضة بحكم نهائي .

 

      و حيث إن المادة 21 من القانون رقم 1 لسنة 2000 المشار إليه تنص على أنه :

"  لا يعتد في إثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد و التوثيق ، و عند طلب الإشهاد عليه وتوثيقه يلتزم الموثق بتبصير الزوجين بمخاطر الطلاق ، و يدعوهما إلى اختيار حكم من أهله و حكم من أهلها للتوفيق بينهما ، فإن أصر الزوجان معاً على إيقاع الطلاق فوراً ، أو قررا معاً أن الطلاق قد وقع ، أو قرر الزوج أنه أوقع الطلاق ، وجب توثيق الطلاق بعد الإشهاد عليه .    و تطبق الأحكام السابقة في حالة طلب الزوجة تطليق نفسها إذا كانت قد احتفظت لنفسها بالحق في ذلك في وثيقة الزواج ، و يجب على الموثق إثبات ما تم من إجراءات في تاريخ وقوع كل منها على النموذج المعد لذلك ، و لا يعتد في إثبات الطلاق في حق أي من الزوجين إلا إذا كان حاضراً إجراءات التوثيق بنفسه أو بمن ينوب عنه ، أو من تاريخ إعلانه بموجب ورقة رسمية " .

 

       و حيث إن المسائل الدستورية التي تقضي محكمة الموضوع بإحالتها مباشرة إلى المحكمة الدستورية العليا عملاً بالبند (أ) من المادة 29 من قانونها الصاد ربالقانون رقم 48 لسنة 1979 ، لازمها أن تبين النصوص القانونية التي تقدر مخالفتها للدستور، ونصوص الدستورالمدعى بمخالفتها ، و نطاق التعارض بينهما ، و أن يكون قضاؤها هذا دالاً على انعقاد إرادتها على عرض المسائل الدستورية  التي ارتأتها مباشرة على المحكمة الدستورية العليا استنهاضاً لولايتها بالفصل فيها ، و هو ما يتعين على هذه المحكمة تحرية في ضوء ما قصدت إليه محكمة الموضوع و ضمنته قضاؤها بالإحالة ، وصولاً لتحديد نطاق المسائل الدستورية التي تدعى المحكمة للفصل فيها .

 

       وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – و هي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط  بينها و بين المصلحة القائمة  في الدعوى الموضوعية ، و ذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها و المطروحة على محكمة الموضوع .

 

      و حيث إن الثابت من الإطلاع على الأوراق ، أن نطاق الإحالة كما قصدت إليه محكمة الموضوع ، و ضمنته أسباب حكمها بالإحالة ، إنما ينصب على ما تضمنته نص المادة 21 المطعون فيه من قصر الإعتداد في إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد و التوثيق دون غيره من طرق الإثبات المقررة ، و هو الشق من النص الطعين الذي تتحقق المصلحة الشخصية المباشرة بالنسبة له ، بحسبان أن مبنى النزاع الموضوعي هو طلب الحكم بإثبات الطلاق لامتناع المدعى عليه المطلق عن إثباته طبقاً للنص المشار إليه ، و أن القضاء في مدى دستورية هذا النص سيكون له أثره و انعكاسه على الطلب الموضوعي سالف الذكر، و قضاء محكمة الموضوع فيه ، و من ثم فإن نطاق الدعوى الراهنة و المصلحة فيها تكون قائمة بالنسبة للنص المذكور في حدود إطاره المتقدم ، و لا تمتد إلى غير ذلك من الأحكام التي وردت بنص المادة 21 المطعون فيه .

 

       و حيث إن حكم الإحالة ينعي على هذ النص الطعين ، محدداً نطاقاً على النحو المتقدم ، مخالفته لنص المادتين 2 ، 12 من الدستور،  على سند من أن هذا النص بقصره إثبات الطلاق عندالإنكارعلى الإشهاد و التوثيق ، خلافاً للأصل المقرر شرعاً من جواز إثبات الطلاق بكافة طرق الإثبات من بينة و إقرار و يمين ، يترتب عليه نتائج يأباها الشرع و يتأذى لها الضمير، و ذلك إذا ما وقع الطلاق بالتلفظ بألفاظه الدالة عليه صراحة أو ضمناً ، رغم عدم إمكان إثباته بغير الدليل الذي حدده النص الطعين ، بما مؤداه اعتبار العلاقة الزوجية قائمة و مستمرة قانوناً ، رغم ما يشوبها من حرمة شرعية ، و هو ما يخالف أحكام الدستور.

 

        و حيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حكم المادة الثانية من الدستور- بعد تعديلها في 22 من مايو سنة 1980 – يدل على أن الدستور أوردها ليفرض بمقتضاها – و اعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل – قيداً على السلطة التشريعية يلزمها فيما تقره من النصوص القانونية ، بألا تناقض مبادئ الشريعة الإسلامية في أصولها الثايتة – مصدراً و تأويلاً – و التي يمتنع الإجتهاد فيها ، و لا يجوزالخروج عليها ، أو الالتواء بها عن معناها ، و لا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معاً ، ذلك أن دائرة الإجتهاد تنحصرفيها و لا تمتد لسواها ، و هي بطبيعتها متطورة ، تتغير بتغير الزمان و المكان لضمان مرونتها و حيويتها .  و إذا كان الإجتهاد في الأحكام الظنية و ربطها بمصالح الناس عن طريق الأدلة الشرعية – النقلية منها و العقلية – حقاً لأهل الإجتهاد ، فأولى أن يكون هذا الحق مقرراً لولي الأمر ينظر في كل مسألة بخصوصها بما يناسبها ، و بمراعاة أن يكون الإجتهاد دوماً واقعاً في إطار الأصول الكلية للشريعة لا يجاوزها ، ملتزماً ضوابطها الثابتة ، متحرياً مناهج الاستدلال على الأحكام العملية و القواعد الضابطة لفروعها ، كافلاً صون المقاصد الكلية للشريعة ، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس و العقل و العرض والمال ،  مستلهماً في ذلك كله حقيقة أن المصالح المعتبرة هي تلك التي تكون مناسبة لمقاصد الشريعة و متلاقية معها ، و من ثم كان حقاً على ولي الأمر عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما ما لم يكن إثماً ، و كان واجباً كذلك ألا يشرع حكماً يضيق على الناس أو يرهقهم في أمرهم عسراً ، و إلا كان مصادماً لقوله تعالى " ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج " .

 

         وحيث إن الطلاق و قد شرع رحمة من الله بعباده ،  و كان الطلاق هو من فرق النكاح التي ينحل الزواج الصحيح بها بلفظ مخصوص صريحاً كان أم كناية ،  لذلك حرص المشرع في القانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض احكام الأحوال الشخصية و تعديلاته – وفقاً لما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام  قوانين الأحوال الشخصية – على عدم وضع قيد على جواز إثبات الطلاق قضاء بكافة طرق الإثبات المقررة ، غير أن المشرع قد انتهج في النص الطعين نهجاً مغايراً في خصوص إثبات الطلاق عند الإنكار ، فلم يعتد في هذا المجال بغير طريق واحد هو الإشهاد و التوثيق معاً ، بحيث لا يجوز الإثبات بدليل آخر ، مع تسليم المشرع في ذات الوقت – كما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 1 لنسة 2000 المشارغليه – بوقوع الطلاق ديانة ، و هذا النص و إن وقع في دائرة الإجتهاد المباح شرعاً لولي الأمر ،  إلا انه – في حدود نطاقه المطروح في الدعوى الماثلة – يجعل الطلقة في حرج ديني شديد ، و يرهقها من أمرها عسراً ، إذا ما وقع الطلاق و علمت به و أنكره المطلق ،  أو امتنع عن إثباته إضراراً بها ، مع عدم استطاعتها إثبات الطلاق بالطريق الذي أوجبه النص المطعون فيه ، و هو ما يصطدم مع ضوابط الإجتهاد ، و المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية ، فضلاً عما يترتب على ذلك من تعرض المطلقة لأخطر القيود على حريتها الشخصية و أكثرها تهديداً  مساساً بحقها في الحياة ، التي تعتبر الحريةالشخصية أصلاً يهيمن عليها بكل أقطارها ، تلك الحرية التي حرص الدستور على النص في المادة 41 منه على أنها من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز الإخلال بها أوتقييدها بالمخالفة لأحكامه ، و التي يندرج تحتها بالضرورة تلك الجقوق التي لا تكتمل الحرية الشخصية في غيبتها ، و من بينها حقي الزواج والطلاق وما يتفرع عنهما ، و كلاهما من الحقوق الشخصية التي لا تتجاهل القيم الدينية أو الخلقية أو تقوض روابطها ،  و لا تعمل كذلك بعيداً أو انعزالاً عن التقاليد التي تؤمن بها الجماعة  ، بل تعززها و تزكيها  بما يصون حدودها و يرعى مقوماتها .

 

        و من أجل ذلك جعل الدستور في المادة 9/1 منه قوام الأسرة الدين و الأخلاق ، كما جعل رعاية الأخلاق و القيم و التقاليد و الحفاظ عليها والتمكين لها ، التزاماً دستورياً على عاتق الدولة بسلطاتها المختلفة والمجتمع ككل ، ضمنه المادتين 9/2 ، 12 من الدستور، و الذي غدا إلى جانب الحرية الشخصية قيداً على السلطة التشريعية ، فلا يجوز لها أن تأتي عملاً يخل بهما ، ذلك أنه و إن كان الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ، إلا أن المشرع يلتزم بما يسنه من قوانين باحترام الأطر الدستورية لممارسته لاختصاصاته ، و أن يراعي كذلك أن كل تنظيم للحقوق لا يجوز أن يصل في منتهاه إلى إهدار هذه الحقوق أو أن ينتقص منها ، و لا أن يرهق محتواها بقيود لا تكفل فاعليتها ، الأمر الذي يضحى معه هذا النص فيما تضمنه من قصر الإعتداد في إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد و التوثيق ، دون غيرهما من طرق الإثبات المقررة ، مخالفاً للمواد 2، 9 ، 12 ، 41 من الدستور.

 

 

 

 

 

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 21 من قانون تنظيم بعض أوضاع و إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 فيما تضمنه من قصر الإعتداد  في إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد  و التوثيق .

 

 

إثـــبات الزواج العرفـــي

 

       اعتد المشرع بالدليل الكتابي لإثبات الزواج غير الرسمي أو العرفي ، فنص على قبول دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال إذا كان ذلك الزواج ثابتاً بأية كتابة .  و المشرع بذلك يكون قد وسع من مجال الكتابة ، في إثبات هذا الزواج إذا تعلق الأمر بدعوى التطليق أو الفسخ فقط ،  حيث سوّى في ذلك بين أن يكون الزواج ثابتاً بورقة رسمية أو عرفية ، كما لم يشترط دليل كتابي معين ، بل أية كتابة تصلح لإثبات الزواج العرفي يمكن قبولها ،  سواء كانت عقد الزواج العرفي ذاته ، أو ورقة أخرى يمكن إثبات هذا الزواج بها .

 

       نقـــد النـــص  :

       هذا ،   وقد انتقد البعض هذا النص لأنه لم يطلق الإثبات ،  و قد قيل رداً على ذلك ،  أن النص صحيح ، لأن فلسفة المشرع في قانون الأحوال الشخصية أن يقيد الإثبات في مجال الزواج و الطلاق بالكتابة الرسمية ، و لظروف الزواج العرفي الخاصة فتح الباب ليشمل الكتابة الرسمية و العرفية ، و من غير المعقول أن يشترط القانون الوثيقة الرسمية  و يستبعد البينة من الزواج لفساد الزمان ، ثم يعود إلى البينة في الزواج العرفي ، إنه بذلك يناقض أسسه التي يقوم عليها ، فكلمة أية كتابة وافية بالغرض ، حيث لا يقر المشرع المصري البينة وسيلة للإثبات عند الإنكار( د/ محمد كمال إمام – أحكام الطلاق – ص 113 ).

 

       و قد قيل بأن النص جاء صريحاً بقوله أية كتابة ، فالكتابة شرط أساسي لإثبات الزواج العرفي ،  و الرسائل الموقع عليها من الزوج لها قوة الدليل الكتابي من حيث الإثبات ،  إلا أن الإقرار الوارد في خطاب إقرار غير قضائي يخضع للتقدير القضائي ، و لقاضي الموضوع سلطة الترجيح بين البيّنات و استظهار الواقع في الدعوى و درجة الحق فيها ( أ/ سمير عبد السميع – المرجع السابق ص 53 ).

 

 

 

 

       و قيل بأن المقصود أية كتابة يستشف منها إقرار المنكر للزواج ، كعقد إيجار أو رسالة أو محضر شرطة أو بيانات دفاتر الفنادق و ما شابه ، فإذا لم يكن الزواج ثابتاً بأية كتابة فلا تقبل دعوى إثبات

المصدر: أشرف سعد الدين المحامي
lawing

أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية 0126128907

  • Currently 38/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
13 تصويتات / 2860 مشاهدة

ساحة النقاش

أشرف سعد الدين عبده - [email protected]

lawing
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,958,851

راسلنا على الاميل

نرحب بكل الزائرين للموقع ، و نتمنى لهم أن يجدوا ما ينفعهم و يحتاجون إليه ، و لمن أراد التواصل معنا أوالاستفسارأو تقديم الاقتراحات الخاصة بالموقع و محتوياته ، عفلى الرحب و السعة ، و ذلك على الاميل الخاص بالأستاذ / أشرف سعد الدين المحامي :
[email protected]