الدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

الرفق بالحيوان.. واجب شرعي والتزام قانوني

 

مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة

 

          ارتبط في أذهان البعض أن الرفق بالحيوان فكرة أوربية غربية. وربما يرجع ذلك إلى أن الدول الأوروبية أول من عرفت إنشاء جمعيات للرفق بالحيوان. فقد تأسست أول جمعية للرفق بالحيوان في انجلترا، سنة 1824م، تحت اسم «الجمعية الملكية للرفق بالحيوان». ويرجع الفضل في نشأة هذه الجمعية إلى «ريتشارد مارتين» (1754 ــ 1834)، وكان عضو أيرلندي في البرلمان الإنجليزي. كذلك، كان هذا النائب البرلماني وراء صدور قانون في إنجلترا يجرم الاعتداء على الماشية، وهو القانون المعروف باسم «قانون مارتين». وفي سنة 1849م، صدر قانون آخر شمل بالحماية كل الحيوانات. وفي سنة 1866م، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، أسس «هنري برج» جمعية لرعاية الحيوانات الضالة ومساعدة المزارعين في رعاية الماشية بتوعيتهم صحياً. ثم انتشر هذا التقليد بعد ذلك في العديد من الأقطار. وكانت مصر أولى الدول العربية التي عرفت فكرة إنشاء جمعيات الرفق بالحيوان، وكان ذلك في سنة 1894م. والهدف من وراء إنشاء هذه الجمعيات هو الرفق بالحيوان عند المصاحبة، والإحسان إليه في المعاملة، والتلطف معه في السلوك.

 

          والواقع أن الرفق بالحيوان فريضة إسلامية دعا إليها الإسلام منذ أربعة عشر قرناً، وقبل أن تعرف أوربا هذا الموضوع بقرون طويلة. إذ يعتمد الإسلام مبدأ الرفق في جميع شؤون الحياة، فيجعل منه سمة للمؤمن، وعنصراً يقوي الإيمان، وفضيلة تزين العمل. وفي ذلك، تروي السيدة عائشة رضي الله عنها أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله» (رواه البخاري مسلم). وروى مسلم بسنده عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شأنه». وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير» (رواه الترمذي).

 

          وقد تواترت النصوص على فضل الإحسان إلى الحيوان والرفق به. نذكر من ذلك، حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه الحر، فوجد بئرا ًفنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له، قالوا: يا رسول الله إن لنا في البهائم أجرا ً؟ فقال: في كل كبد رطبة أجر» (رواه مالك، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: «فشكر الله له فأدخله الجنة»).

 

          ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عذبت امرأة في هرة لم تطعمها ولم تسقها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض» (أخرجه البخاري ومسلم).

 

          والرفق بالحيوان التزام قانوني أيضا. ففي الثاني والعشرين من شعبان سنة 1428هـ الموافق الرابع من سبتمبر سنة 2007م، صدر القانون الاتحادي رقم 16 لسنة 2007م في شأن الرفق بالحيوان. ويحتوي هذا القانون على تسع عشرة مادة. ووفقا للمادة الثانية من هذا القانون، «يجب على ملاك الحيوانات أو القائمين على رعايتها حسب الأحوال اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لعد إلحاق الأذى بها، وعلى وجه الخصوص مراعاة ما يأتي: 1- الأخذ في الاعتبار أنواع الحيوانات ودرجة نموها وتأقلمها وتدجينها، واحتياجاتها وفقا للخبرة والمعرفة العلمية. 2- عدم إطلاق سراح أي حيوان تحت رعايتهم، يعتمد بقاؤه بشكل طبيعي عليهم، وفي حالة الرغبة في التخلي عنه يجب تسليمه للإدارة المختصة أو السلطة المختصة. 3- توفير عدد كاف من العاملين ذوي قدرة مناسبة ومعرفة وكفاية مهنية بالأمور المتعلقة بالحيوانات التي تحت إشرافهم ورعايتهم. 4- معاينة الحيوانات التي تحت إشرافهم ورعايتهم مرة واحدة على الأقل في اليوم وتفقد أحوالها». وتحت عنوان «حرية الحركة للحيوان»، تنص المادة الرابعة من ذات القانون على أن «يجب أن توفر للحيوانات مساحة كافية لتلبية احتياجاتها عندما تحد حركتها بصفة دائمة أو مؤقتة وفقاً لما هو وارد في اللوائح والقرارات الصادرة عن الوزارة». وتحت عنوان «المباني ووسائل الراحة للحيوان»، ووفقا للمادة الخامسة من نفس القانون، «1- يجب أن تكون المواد المستخدمة في بناء المنشآت وخاصة الحظائر والأقفاص والاصطبلات وكذلك المعدات التي يمكن أن تلامسها الحيوانات غير مؤذية وأن تكون خالية من مصادر التلوث ويسهل تنظيفها وتطهيرها بالكامل. 2- يجب أن توفر للحيوانات التي لا تربى في مبان، حماية من أحوال الطقس المتقلبة والضواري وأية أخطار على صحتها وأن يتاح لها الوصول إلى مرقد مناسب وجيد التصريف للفضلات». وفيما يتعلق بتغذية الحيوانات، تنص المادة السادسة من القانون المشار إليه على أنه «مع مراعاة ما تحدده اللائحة التنفيذية لهذا القانون بشأن المواد المسموح بإضافتها لغذاء الحيوانات، يجب أن يتم إطعام الحيوانات بالعلف الكامل الذي يتناسب مع عمرها ونوعها وبكميات كافية تبقيها بصحة جيدة وتفي باحتياجاتها الغذائية، مع تمكينها من الوصول بشكل مستمر لمصادر المياه المناسبة أو تزويدها بكفايتها من الماء النقي يومياً». وتحت عنوان «نقل الحيوانات»، تنص المادة السابعة من القانون على أن «يجب أن يتم نقل الحيوانات بطريقة تضمن سلامتها، وعدم تعريضها للإصابات أو الضرر، وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون الشروط والمواصفات الواجب تحققها في تحميل الحيوانات ونقلها وإنزالها وتغذيتها أثناء النقل وأية شروط أخرى خاصة بوسائل النقل». ويتناول القانون أيضا بالتنظيم موضوع «علاج الحيوانات»، وذلك في المادة الثامنة منه، بنصها على أنه «1- إذا كان من شأن التدخل العلاجي للحيوان أن يسبب له ألماً أو فزعاً أو مضايقة، فيجب أن يتم هذا التدخل بواسطة طبيب بيطري أو أخصائي. 2- يجب أن تتم جميع التدخلات الجراحية للحيوانات تحت تخدير عام أو موضعي وفي مكان مجهز طبياً لنوع الجراحة». وطبقا للمادة التاسعة من القانون، وتحت عنوان «إعادة الحيوان لمالكه»، «لا يجوز إعادة حيوان تم التحفظ عليه ونقله للعلاج إلى مالكه إلا بتمام شفائه وبعد توافر أحد الشرطين التاليين: 1- ثبوت عدم تكرار الإهمال من قبل المالك. 2- تدفع تكاليف النقل والعلاج حال تكرار الإهمال». ويقرر المشرع بعض المحظورات الماسة بالحيوانات، وذلك في المادة العاشرة من القانون، والتي تنص على أن «يحظر القيام بأي من الأفعال التالية: 1- التعدي الجنسي على الحيوان. 2- خلط أنواع الحيوانات ببعضها أثناء العرض أو البيع. 3- عرض أو بيع أو الاتجار بأي حيوان مريض أو مصاب أو في حالة جسمانية هزيلة ما لم يشف تماماً». وبمقتضى المادة الحادية عشرة من القانون، يحظر المشرع بوجه خاص «تنظيم عامة أو منافسات أو عروض للحيوانات لأغراض تجارية أو أية أغراض أخرى بما في ذلك الإعلانات أو أغراض الديكور، دون تصريح خطي من الإدارة المختصة أو السلطة المختصة». وتحت عنوان «استخدام الحيوانات للأغراض العلمية»، تنص المادة الثانية عشرة على أن «1- يحظر استخدام الحيوانات لأغراض التجارب العلمية إلا بعد الحصول على ترخيص من الإدارة المختصة أو السلطة المختصة. 2- تجمع الوزارة قاعدة بيانات بشأن استخدام الحيوانات للأغراض العلمية داخل الدولة». ولكفالة الالتزام بأحكام القانون، قرر المشرع بعض العقوبات لمن يخالف الواجبات أو لم يلتزم بالمحظورات الواردة فيه. إذ تنص المادة الرابعة عشرة من القانون على أن «1- يعاقب بالحبس الذي لا يقل عن شهر وبالغرامة التي لا تقل عن خمسة آلاف درهم كل من تعدى جنسياً على الحيوان. 2- يعاقب بالحبس الذي لا يزيد على سنة وبالغرامة التي لا تقل عن خمسة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أطلق سراح حيوان موبوء مع علمه بذلك. 3- يعاقب بالغرامة التي لا تزيد على عشرين ألف درهم كل من  يخالف الالتزامات الأخرى المقررة بموجب أحكام هذا القانون وتلك  المقررة باللوائح والقرارات الصادرة تنفيذاً له». وتؤكد النصوص آنفة الذكر بوضوح حرص المشرع الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة على الرفق بالحيوان.

 

          وعلى هذا النحو، يبدو سائغا القول بأن الرفق بالحيوان هو واجب ديني أخلاقي حرص على تقريره الشرع الإسلامي الحنيف، والتزام قانوني يحرص المشرع الإماراتي على مراعاته.

 

المصدر: الدكتور أحمد عبد الظاهر
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 3480 مشاهدة
نشرت فى 21 ديسمبر 2011 بواسطة law

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

158,112