الدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

الرياضة والدستور

 

بقلم الدكتور أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة

 

        خلال السنوات الأخيرة من حكم «حسني مبارك»، وبالتحديد في الفترة الممتدة من سنة 2006م إلى فبراير 2010م، حقق المنتخب الوطني المصري لكرة القدم إنجازات غير مسبوقة، عبر فوزه بكأس الأمم الأفريقية ثلاث مرات متتالية. ولأن مشروع التوريث كان على أشده آنذاك، فقد فكر أركان النظام البائد في استغلال هذه الانتصارات، لخدمة مشروع التوريث. ومع توالي الانتصارات والإنجازات الكروية، كان اهتمام النظام باستغلالها يتزايد ويتعاظم. وللتدليل على ذلك، يكفي أن نلقي الضوء على بعض الأحداث التي صاحبت هذه الفترة. فمع كل انتصار أو إنجاز كروي كان يحققه المنتخب الوطني لكرة القدم، كان الرئيس ونجليه يسارعون إلى تكريم المنتخب واستقباله في قصر الرئاسة ومنح الجهاز الفني واللاعبين أرفع الأوسمة الرسمية. وبعد تحقيق بطولة كأس الأمم الأفريقية بأنجولا 2010م، وذلك للمرة الثالثة على التوالي والسابعة في تاريخه، انتقل الرئيس وأركان حكمه إلى مطار القاهرة لاستقبال المنتخب الوطني. وقد ذكرت الصحف الصادرة آنذاك أن الرئيس السابق قد حيا مدرب المنتخب «حسن شحاتة» واللاعبين فردا فردا، في حضور رئيس الوزراء «أحمد نظيف» ورئيس مجلس الشعب «أحمد فتحي سرور» ونجلي الرئيس «علاء» و«جمال مبارك». وقد حدث ذلك في صباح يوم الاثنين الموافق الأول من فبراير سنة 2010م. وفي مساء ذات اليوم، حظي لاعبو المنتخب باستقبال الرئيس السابق لهم في قصر الرئاسة، حيث قام بمنحهم أعلى الأوسمة الرسمية التي تمنحها الدولة. وكان نجلا الرئيس «علاء» و«جمال مبارك» قد رافقا المنتخب الوطني من أنجولا، حيث حرصا على تشجيع ومؤازرة المنتخب.

 

كذلك، فكر النظام البائد في استغلال التصفيات المؤهلة لكأس العالم بجنوب أفريقيا 2010م، من أجل خدمة مشروع التوريث، وإلهاء الشعب المصري عن المشاكل الحقيقية والوضع المزري الذي كانت تمر به البلاد. ومع اقتراب التصفيات من نهايتها، وانحصار المنافسة على بطاقة التأهل بين مصر والجزائر عبر مباراة فاصلة في «أم درمان»، قام النظام بالتعامل مع الموضوع كما لو كنا بصدد مشروع قومي يكفل تحقيق الأمن والرفاهية والرخاء للأجيال القادمة. فقد حرص الرئيس السابق على حضور المران الأخير والرئيسي لمنتخب مصر الوطني الذي يستعد من خلاله لخوض مباراته المصيرية أمام الجزائر مساء يوم 14 نوفمبر 2009م. وكما ورد في الصحف الصادرة آنذاك، فقد «تناول مبارك مع مسئولي اتحاد الكرة سيناريو الاستعداد لهذا اللقاء على المستوى الفني والتنظيمي. واطمأن الرئيس على أن كل الأمور تسير حسب المخطط له، وأن كل اللاعبين جاهزون للمباراة سواء الذين يشاركون أو يجلسون على دكة البدلاء». تصوروا إلى هذا الحد، وصل اهتمام الرئيس السابق بالمنتخب الكروي!!! وكانت هذه هي المرة الثانية في التاريخ المصري التي يحضر فيها رئيس الجمهورية تدريبات أحد المنتخبات الكروية. حيث كانت المرة الأولى قبل مباراة السنغال في كأس الأمم الأفريقية بالقاهرة سنة 2006م. كذلك، وجه الرئيس بإقامة جسر جوي لنقل المشجعين الراغبين في السفر إلى السودان، لمؤازرة المنتخب المصري لكرة القدم في المواجهة المصيرية للتأهل لكأس العالم، والتي أطلق عليها في وسائل الإعلام تعبير «موقعة أم درمان».

 

        قد يتصور البعض أن ما سبق يعبر عن اهتمام بالغ بالرياضة وعن الإدراك الكامل لأهمية الرياضة في حياة الشعوب. والواقع أن الأمر لا يعدو كونه محاولة لاستغلال نجاحات وإنجازات المنتخب في تسويق صورة «جمال مبارك» والتقريب بينه وبين الشعب المصري الذي كان يرى في انجازات المنتخب متنفسا عن المعاناة اليومية وصور الإحباط المتكررة التي يمر بها. لقد عمد نظام «مبارك» إلى تحويل المباراة الفاصلة بين المنتخبين المصري والجزائري إلى حفل لتوريث «جمال مبارك» عرش أبيه، وذلك على حساب علاقات أخوية ضاربة في أعماق التاريخ بين الشعبين المصري والجزائري، وعلى حساب المصالح والاستثمارات المصرية في الجزائر والتي تضررت كثيرا من جراء الأحداث المصاحبة لهذه المباراة.

 

        ومع نشوب ثورة 25 يناير، فكر النظام البائد من جديد في استغلال المنتخب الوطني المصري لكرة القدم. ففي اليوم التالي لخطاب الرئيس السابق، والذي أعلن فيه عدم ترشحه لفترة رئاسية سادسة، قام النظام بالدفع نحو تنظيم مظاهرات حاشدة من ميدان «مصطفى محمود» بضاحية المهندسين بالجيزة، لتأييد «مبارك». وقد ضمت هذه المظاهرات معظم الكرويين، وعلى رأسهم الجهاز الفني للمنتخب المصري الأول بأكمله بقيادة «حسن شحاتة»، وكذا لاعبو المنتخب الفائز بكأس أفريقيا ثلاث مرات متتالية.

 

        وعلى الرغم من اهتمام النظام السابق باستغلال الانجازات الكروية الرياضية، لا نكاد نلمس دليلا واحدا على الاهتمام بالرياضة في حد ذاتها، وتشجيع ممارستها. وعلى العكس من ذلك، لعلنا نتذكر جميعا محاولة الاعتداء على مركز شباب الجزيرة، عبر الشروع في إقامة بعض المشروعات التجارية والاستثمارية على أنقاضه. ولم يتوقف هذا المشروع إلا بعد الحملة الصحفية التي قام بها الأستاذ «إبراهيم حجازي». كذلك، لم يظهر النظام البائد اهتماما يذكر بانجازات اللعبات الرياضية الأخرى، لاسيما كرة اليد والاسكواش، والتي تعد لعبات غير شعبية لا تحظى باهتمام جماهيري أو إعلامي.

 

والآن، ومع نجاح ثورة 25 يناير في إسقاط النظام، انفتح الباب واسعا نحو إعداد دستور جديد، يتلائم مع آمال وتطلعات المجتمع المصري. وهكذا، غدا من حق كل مصري أن يحلم بأن يتضمن الدستور الجديد نصا بعينه أو حقا معينا. وهكذا، وتأكيدا على ضرورة الاهتمام بالرياضة، برزت في الآونة الأخيرة الدعوات إلى وضع بند في الدستور الجديد ينص على أن ممارسة الرياضة حق لكل مواطن. ويشمل ذلك أن يتقرر لكل مواطن حقه في أن يجد الأرض التي يمارس عليها الرياضة متاحة أمامه بدون قيود، وحقه في أن يجد الوقت الذي يمارس فيه هذه الرياضة (الأستاذ إبراهيم حجازي، مقال بعنوان «لائحة كل ثلاث سنوات لقانون ميت أم تكاتف الجميع لأجل أن يكون للرياضة بنود في الدستور الجديد؟»، العمود الأسبوعي «في دائرة الضوء»، جريدة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، يوم الجمعة الموافق الأول من يوليو سنة 2011م). كذلك، ظهرت بعض المجموعات على شبكة التواصل الاجتماعي (الفيس بوك)، والتي تطالب بضرورة النص على تشجيع الرياضة في الدستور، واعتبار ممارسة الرياضة أحد الحقوق الدستورية المعترف بها، شأنها في ذلك شأن الصحة والتعليم.

 

        وبالنظر في تجارب الدول الأخرى، وتحت عنوان «تشجيع الرياضة»، تنص المادة 43 من الدستور الاسباني لسنة 1978م على أن «1- الحق في حماية الصحة معترف به. 2- يجب على السلطات العامة تنظيم والسهر على حماية الصحة العامة، وذلك باتخاذ التدابير الوقائية والإجراءات والخدمات الضرورية. ويحدد القانون الحقوق والواجبات المقررة على الجميع لهذا الغرض. وتشجع السلطات العامة التعليم الصحي والتدريب البدني والرياضة»([1]). ولعل الربط بين ممارسة الرياضة وبين الحق في الصحة يدل على نظرة المشرع الدستوري الإسباني للرياضة باعتبارها وسيلة للصحة البدنية والنفسية والعقلية. فكما يقولون «العقل السليم في الجسم السليم». ووفقا للمادة 59 من الدستور التركي لسنة 1982م، وتحت عنوان «تشجيع الرياضة»، «تتخذ الدولة التدابير المناسبة لتحسين الصحة البدنية والعقلية للمواطنين الأتراك من كل الأعمار، وتشجيع نشر وممارسة الرياضة بواسطة الجمهور، وتحمي الدولة الرياضين»([2]).

 

        وفيما يتعلق بالدساتير العربية، وتحت عنوان «النشء والشباب والرياضة»، تنص المادة 14 من الدستور السوداني لسنة 2005م على أن «(1) تضع الدولة السياسات وتوفر الوسائل لرعاية النشء والشباب وضمان تنشئتهم على وجه صحي بدنيا وأخلاقيا وحمايتهم من الاستغلال والإهمال المادي والأخلاقي. (2) ترعى الدولة الرياضة وتمكن الشباب من تنمية مهاراتهم. (3) تحمي الدولة وتدعم المؤسسات الرياضية الأهلية وتضمن استقلاليتها». ومؤخرا، وبناء على الاستفتاء الدستوري الحاصل في الأول من يوليو سنة 2011م، تم تعديل الدستور المغربي، بحيث أصبح ينص صراحة على التزام السلطات العمومية باتخاذ الإجراءات والوسائل الملائمة للنهوض بالرياضة. بيان ذلك أن الفصل 26 من الدستور المغربي – معدل بموجب الظهير الشريف رقم 1.11.91 صادر في 27 شعبان 1432هـ (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور – على أن «تدعم السلطات العمومية بالوسائل الملائمة، تنمية الإبداع الثقافي والفني، والبحث العلمي والتقني والنهوض بالرياضة. كما تسعى لتطوير تلك المجالات وتنظيمها، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية ومهنية مضبوطة». وينص الفصل 31 من ذات الدستور على أن «تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في:... - التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية...». وقد ورد هذا الحق مقرونا بالعديد من الحقوق الأساسية التقليدية ذات الأهمية البالغة، مثل الحق في العلاج والعناية الصحية، والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والحصول على تعليم عصري، والسكن اللائق، والحق في العمل وتولي الوظائف العمومية، والحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة. بل أن الحق في الاستفادة من التربية البدنية قد ورد سابقا في الترتيب على الحق في السكن اللائق، والحق في العمل وتولي الوظائف العمومية، والحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة. ولعل في ذلك دلالة على الأهمية الكبيرة التي يوليها المشرع الدستوري المغربي للتربية البدنية. كذلك، يلاحظ أن الفصلين آنفي الذكر قد وردا في الباب الثاني، والذي يحمل عنوان «الحريات والحقوق الأساسية».

 

        أما الدستور المصري لسنة 1971م، فقد جاء خلوا من مثل هذا النص. حيث اقتصر على مجرد النص على أن «تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة، وترعى النشء والشباب وتوفر لها الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم» (المادة العاشرة).

 

        ونعتقد من المناسب أن يتضمن الدستور المزمع إعداده النص صراحة على الحق في ممارسة الرياضة، باعتباره أحد الحقوق المقررة لكل مواطن. وفي حالة إقرار مثل هذا النص، فإن السلطات العامة في الدولة يقع على عاتقها كفالة الوسائل اللازمة لممارسة الرياضة أمام كل مواطن راغب في ذلك. ولا يقتصر الاهتمام على الرياضيين المحترفين، وإنما يمتد إلى الرياضيين الهواة. كذلك، لا يقتصر الاهتمام على رياضة كرة القدم فقط، باعتبارها اللعبة الشعبية الأولى، وإنما يمتد أيضا إلى كافة الرياضات الأخرى. ولا يقتصر الاهتمام على تنظيم الفعاليات والمنافسات الرياضية في الأندية والمنشآت الرياضية، وإنما يمتد إلى الرياضة المدرسية وتوفير الوسائل وتخصيص الوقت اللازمين لممارسة الرياضة في المدارس. 

 

 

 


([1]) L'art. 43 de la Constitution espagnole du 27 décembre 1978 dispose que «1. Le droit à la protection de la santé est reconnu. 2. Il incombe aux pouvoirs publics d'organiser et de surveiller la santé publique par des mesures de prévention et par les prestations et les services necessaries. La loi fixe les droits et les devoirs de tous à cet effet. Les pouvoirs publics encouragent l'éducation sanitaire, l'éducation physique et le sport. De meme, ils favorisent une utilisation appropriée du loisir».

([2]) Sous le titre « Promotion des sports», l'article 59 de la Constitution Turque du 1982 dispose que «L'État prend les mesures propres à améliorer la santé physique et mentale des citoyens turcs de tout âge et encourage l'extension de la pratique du sport par les masses. L'État protège les sportifs méritants».

المصدر: الدكتور أحمد عبد الظاهر
  • Currently 80/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
19 تصويتات / 351 مشاهدة
نشرت فى 1 سبتمبر 2011 بواسطة law

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

154,784