الدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

 

 

حقوق الطفل في التشريعات الرياضية

 

مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة

 

        الرياضة عبارة عن مجهود بدني وذهني، أو مهارة تمارس بموجب قواعد متفق عليها، بهدف الترفية والمتعة أو المنافسة والتميز أو تطوير المهارات. وتدل بعض الآثار، مثل الملعب الأولمبي باليونان، على أن العديد من الرياضات  تتم ممارستها منذ أقدم العصور. وهذا يؤكد أن الرياضة وجدت مع وجود الإنسان. وقد استوحى الإنسان الحديث بعض الرياضات من الأنشطة التي قام بها الإنسان البدائي، مثل مطاردة الفريسة من أجل لقمة العيش، والتي استوحي منها رياضات العدو والقفز والرماية.

 

        وتلعب الرياضة البدنية دورا هاما في بناء جسم الإنسان، وتؤدي إلى التقليل من الإصابة بمرض السكري وتقليل نسبة الكولسترول في الدم، وتحمي الجسم من العديد من الأمراض مثل السمنة وأمراض القلب والشرايين. كما تلعب الرياضة دورا هاما في الوقاية من بعض الأمراض النفسية والعصبية، وتشكل وسيلة فعالة للترويح عن النفس والتقليل من حالات  الاكتئاب. ولا تقتصر أهمية الرياضة على الجانب الصحي البدني، وإنما تمتد إلى الجانب الاقتصادي. إذ غدت الرياضة صناعة واستثمارا يعتمد عليها الملايين من البشر. وأصبح التفوق الرياضي وسيلة للارتقاء الاجتماعي والثراء المالي. ومن أجل ذلك، يسعى الكثيرون إلى تعليم أبناءهم إحدى  الرياضات وحثهم على ممارستها والتفوق فيها. ويحدث ذلك عادة في سن مبكرة. ومن هنا يثور التساؤل عن السن المناسبة لممارسة الرياضة، وعن الأعمار المسموح لها بالدخول في المنافسات الرياضية. من ناحية أخرى، لم تعد ممارسة الرياضة مجرد هواية، وإنما تم تطبيق نظام الاحتراف عليها، بحيث يكرس الشخص كل وقته لممارسة الرياضة وللاشتراك في المنافسات الرياضية، ويعتمد على ذلك كمصدر للعيش والارتزاق. ومن ثم، يثور التساؤل عما إذا كان احتراف الرياضة يعد نوعا من العمل، وتنطبق عليه بالتالي الأحكام الواردة في قانون العمل.

 

        وفي الإجابة على التساؤلات آنفة الذكر، يرى بعض المختصين([1]) أن الحديث هنا عن مرحلة سنية هي قاعدة بناء الإنسان بدنيا وصحيا ونفسيا، وكل ما يتم في هذه المرحلة السنية الصغيرة يحدد ما سيكون عليه الطفل في المراحل اللاحقة من العمر. وأخطاء هذه المرحلة صعب جدا وربما يستحيل إصلاحها عندما يكبر هذا الطفل. ويصدق ذلك بوجه خاص على الأخطاء المرتبطة بالجهاز العصبي، والتي إن وقعت في مرحلة الناشئين يبقى تأثيرها السلبي مدى العمر. إذ أن تعرض الجهاز العصبي للتلف في مرحلة الطفولة يعني استحالة إصلاحه بعد ذلك، وبحيث يبقى الشخص مريضا طيلة حياته. وإدراكا لهذه الحقيقة، فإن العديد من الدول تحرص على عدم إقحام الناشئ في أية مسابقات ومنافسات رسمية، فيها مكسب وخسارة وضغوط عصبية، قبل أن يكتمل نمو جهازه العصبي. ويكتمل نمو الجهاز العصبي بعد مرحلة البلوغ التي تدور حول سن الخامسة عشر سنة. وعلى هذا الأساس، فإن كل منافسات الناشئين الرسمية تبدأ من عمر خمس عشرة سنة. بل أن هناك لعبات تبدأ منافساتها في سن السادسة عشرة.

 

        ولا يجوز أن يفهم من ذلك عدم جواز ممارسة الرياضة قبل سن الخامسة عشر، وإنما المحظور فقط هو الاشتراك في المسابقات الرسمية. إذ تبدأ مرحلة الإعداد في الفترة السابقة على الخامسة عشر. فما إن تتحدد اللعبة الموهوب فيها الناشئ حتى يخضع لبرنامج إعداد بدني مقنن فيه الأحمال التدريبية، ويتم تحديدها بواسطة متخصصين، وبحيث تكون مناسبة ومتفقة مع المرحلة السنية وملائمة للفروق الفردية بين النشء. إذ توجد فروق بدنية بين ذوي الأعمار المتساوية، وثمة طفل نموه أسرع من آخر، رغم تساوي أعمارهما. وينبني على ذلك، أن الحمل التدريبي لابد أن يراعي هذه الفروق، والتي توضحها وتحكمها قياسات العضلات والعظام. وعلى كل حال، فإن الناشئ يخضع لبرنامج إعداد بدني علمي مدروس، ويخضع أيضا لبرنامج إعداد مهاري، يتعلم فيه الأداء السليم لكل مهارة. وبعد أن ينتهي من تعلم المهارات الخاصة باللعبة التي يمارسها، وهي مرحلة تستغرق سنوات، تبدأ مرحلة التكرار، أي تكرار تأدية المهارة. والتكرار يكون مئات المرات في وحدة التدريب الأسبوعية ويستمر أيضا سنة أو سنتين أو ثلاثا. المهم أننا في نهاية هذه المرحلة، تكون المهارات قد تحولت إلى عادات حركية لدى الناشئ، وهي أعلى مراتب الإتقان، ووقتها يصبح الناشئ مشروع بطل حقيقي أو نجم لعبة جماعية. إذا يكون قد اكتسب كل عناصر اللياقة البدنية في موعدها وفي إطار برنامج إعداد علمي على مدى خمس أو ست سنوات. وخلال هذه السنوات، تعلم أيضا كل مهارات اللعبة وقام بتكرارها مئات المرات، بحيث غدت عادات حركية يؤديها  بأقل مجهود وبدون تفكير وبإتقان تام.

 

هذا من الناحية الفنية. أما من الناحية القانونية، فيلاحظ أن المادة  الأولى من القانون الاتحادي رقم 15 لسنة 2005 م  في شأن تنظيم سباقات الهجن([2]) تنص على أن «يحظر بأي صورة من الصور مشاركة الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن ثمانية عشر سنة ميلادية من الجنسين في (سباقات الهجن) وتبطل كافة إجراءات استقدامهم». وتنص المادة الثانية من ذات القانون – معدلة بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم (4) لسنة 2008م([3]) – على أنه «مع عدم الإخلال بعقوبة أشد ينص عليها قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات والغرامة التي لا تقل عن (50,000) خمسين ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف أي حكم من أحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية، وتضاعف العقوبة في حالة العود».

 

والتحديد السابق خاص برياضة سباقات الهجن، ويمكن أن يصدق أيضا على الرياضات العنيفة مثل الملاكمة والمصارعة. وبالنسبة للرياضات الأخرى، مثل كرة القدم وكرة اليد وكرة السلة، نعتقد أن السن اللازمة للاشتراك في المنافسات الرياضية هي الخامسة عشر، وذلك اتساقا مع المادة (20) من القانون الاتحادي رقم (8) لسنة 1980 في شأن تنظيم علاقات العمل.

 

        وتجدر الإشارة هنا إلى أمرين: (الأول) أن ديباجة القانون الاتحادي رقم 15 لسنة 2005م في شأن تنظيم المشاركة في سباقات الهجن تشير إلى أن هذا القانون قد صدر «بناء على ما عرضه وزير العمل والشؤون الاجتماعية، وموافقة مجلس الوزراء، وتصديق المجلس الأعلى للاتحاد». وطبقا للمادة الثالثة من هذا القانون، «تتولى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بالتعاون والتنسيق مع كافة الجهات المعنية تطبيق أحكام هذا القانون». ومفاد ما سبق أن المشرع قد نظر إلى أن المشاركين في سباقات الهجن يتم استقدامهم في العادة من خارج الدولة، ويدخلون إليها بناء على كفالة أحد المواطنين أو المقيمين فيها. ومن ثم، رأي أن يسند الاختصاص بتطبيق أحكام القانون إلى وزارة العمل. ويعني ذلك أن المشرع قد نظر إلى المشاركة في سباقات الهجن باعتبارها أحد الأعمال. ولما كان القانون الاتحادي رقم 15 لسنة 2005م قد حظر المشاركة في سباقات الهجن قبل بلوغ سن الثامنة عشر، فإن ذلك يجعلنا نقول بأن المشرع قد ساوى بينها وبين الأعمال الخطرة التي لا يجوز تشغيل الأحداث فيها قبل بلوغ سن الثامنة عشر. بل يبدو سائغا القول بأن المشرع قد اعتبر المشاركة في سباقات الهجن أحد الأعمال الخطرة، ومن ثم اشترط بالنسبة لها ألا يقل سن الشخص المشارك فيها عن ثماني عشرة سنة. (الثاني) أن ديباجة المرسوم بقانون اتحادي رقم 4 لسنة 2008م تشير إلى أنه قد صدر «بناء على ما عرضه وزير شؤون الرئاسة، وموافقة مجلس الوزراء». ووفقا للمادة الأولى من هذا المرسوم بقانون، تم تعديل نص المادة الثالثة من القانون الاتحادي رقم 15 لسنة 2005م، بحيث غدت على النحو التالي: «تتولى وزارة شؤون الرئاسة بالتعاون مع الجهات المعنية متابعة تنفيذ أحكام هذا القانون». ومفاد هذه المادة أن وزارة شؤون الرئاسة هي المعنية بتنفيذ أحكام هذا القانون والإشراف على تنفيذه. ويتأكد هذا الفهم في ضوء ملاحظة أن المادة الثانية من المرسوم بقانون اتحادي رقم 4 لسنة 2008م قد نصت على إضافة مادة جديدة إلى القانون الاتحادي رقم 15 لسنة 2005م، وهي المادة الثانية مكررا 3، يجري نصها على النحو التالي: «يكون للموظفين الذين يصدر بتحديدهم قرار من وزير العدل بالاتفاق مع وزير شؤون الرئاسة صفة مأموري الضبط القضائي في إثبات ما يقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية وذلك في نطاق اختصاص كل منهم». كذلك، تم استحداث مادة أخرى، هي المادة الثانية مكررا 4، والتي تنص على أن «يصدر وزير شؤون الرئاسة اللائحة التنفيذية لأحكام هذا القانون». وكل ذلك يقطع دون شك بأن وزارة شؤون الرئاسة غدت هي السلطة المختصة بالإشراف على تطبيق القانون الاتحادي رقم 15 لسنة 2005م في شأن تنظيم المشاركة في سباقات الهجن.

 

        وهكذا، تغيرت السلطة المختصة بالإشراف على تطبيق أحكام القانون الاتحادي رقم 15 لسنة 2005م، بحيث لم يعد الاختصاص منعقدا لوزارة العمل، وإنما صار منوطا بوزارة شؤون الرئاسة. وقد يرى البعض في ذلك نوعا من الاهتمام بهذه السباقات. ولكن، نرى من الملائم التأكيد دوما على أن الأمر يتعلق بإحدى الرياضات المحلية التي يشتهر بها المجتمع الإماراتي بوجه خاص، والمجتمعات الخليجية بشكل عام. ومن ثم، نعتقد بأنه كان من الأنسب أن تناط مهمة الإشراف على تطبيق أحكام هذا القانون لوزارة الشباب بالتنسيق مع المجالس والهيئات والاتحادات الرياضية المعنية بهذه الرياضة.

 


([1]) الأستاذ إبراهيم حجازي، ستة على ثلاثة بالملعب والثلاثة كسبوا، صحيفة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، س 135، العدد 45014، الجمعة 19 ربيع الأول سنة 1431ھ، الموافق 5 مارس سنة 2010م،  صفحة الرياضة.

([2]) صدر هذا القانون في التاسع والعشرين من جمادى الأولى سنة 1426ھ الموافق 5 يوليو سنة 2005م، ونشر بالجريدة الرسمية في الثالث عشر من جمادى الآخرة سنة 1426ھ الموافق 19 يوليو سنة 2005م، وتم العمل به اعتبارا من تاريخ صدوره. راجع: الجريدة الرسمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، س 35، العدد 432، جمادى الآخرة 1426ھ – يوليو 2005م.

([3]) صدر هذا المرسوم بقانون اتحادي في السادس من شوال سنة 1429ھ الموافق الخامس من أكتوبر سنة 2008م، ونشر بالجريدة الرسمية في العاشر من شوال سنة 1429ھ الموافق التاسع من أكتوبر سنة 2008م، وتم العمل به اعتبارا من تاريخ النشر. راجع: الجريدة الرسمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، س 38، العدد 485، شوال 1429ھ – أكتوبر 2008م.

المصدر: الدكتور أحمد عبد الظاهر
  • Currently 201/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
49 تصويتات / 553 مشاهدة
نشرت فى 3 أكتوبر 2010 بواسطة law

ساحة النقاش

sobhiaboobida
<p>صباح الخير&nbsp; امدك الله بالصحة والعافية ثقافة واسعة وفي جميع المجالات الرياضية والفنية وان دل ذلك فهو اعكاس للشخصية العلمية الشاملة وشكرا لك على هذه المعلومات&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; صبحي ابو عبيدة</p>

عدد زيارات الموقع

158,118