الدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

 

كرة القدم في ساحات المحاكم

 

مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة

 

        كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى في العالم. ويرجع الفضل في وضع قواعد اللعبة إلى الانجليز. ولا تقف أهمية الساحرة المستديرة – كما يسمونها – على مجرد كونها اللعبة الشعبية الأولى في العالم، ولكنها أصبحت إحدى الصناعات المعاصرة التي تشارك فيها الدول والمؤسسات ورجال الأعمال. وتحقق هذه الصناعة أرباحا طائلة، تأتي بصفة أساسية من بيع حقوق البث التليفزيوني للشركات العالمية التي تعتبر متابعة المباريات أفضل السبل لحصول المحطات التليفزيونية على أكبر كم من الإعلانات. كما تحصل الاتحادات الرياضية الوطنية والعالمية على عائدات ضخمة من هذه الأرباح. فعلى سبيل المثال، بلغت أرباح الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) من الدعاية والإعلان وحقوق البث في مونديال جنوب أفريقيا مبلغا وقدره ثلاثة مليارات وثلاثمائة مليون دولار، أنفق منها ملياران على برامج التطوير والدعم المالي للاتحادات الوطنية، ومبلغ سبعمائة مليون دولار لإدارة المونديال في جنوب أفريقيا، بينما دخل باقي المبلغ في خزينة الاتحاد الدولي لكرة القدم. ويؤكد الخبراء الاقتصاديون أن المبالغ التقديرية التي سوف تضخها الدورة الحالية للاقتصاد الجنوب أفريقي يصل إلى ملياري دولار، من خلال وصول عدد الزائرين للمونديال إلى خمسمائة ألف نسمة، ينفق كل منهم في المتوسط أربعة آلاف دولار على الأقل خلال فترة البطولة. وتؤكد التقارير أن المكاسب التي حققتها بطولة كأس العالم في كوريا واليابان سنة 2002م تناهز الأربعة مليارات دولار، مقابل ميزانية أنفقتها اليابان في حدود ستمائة مليون دولار. وتؤكد التقارير كذلك أن حجم المكاسب غير المباشرة للاقتصاد الألماني في مونديال 2006م بلغ خمسة مليارات دولار([1]).

 

         ولعل أهمية كرة القدم في عالم اليوم هي التي دفعت البعض إلى إطلاق بعض المصطلحات والمسميات على الاتحاد الدولي لكرة القدم، والتي تجعل منه دولة لها رئيس وسلطات. وهكذا، بدأن نسمع بعض التعبيرات مثل "دولة الاتحاد الدولي لكرة القدم"، و"دولة الفيفا"، و"امبراطورية الفيفا"، و"جمهورية الفيفا" (راجع على سبيل المثال: جريدة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، س 135، العدد 45251، 20 ذو القعدة 1431هـ الموافق 28 أكتوبر 2010م، صفحة الرياضة، خبر تحت عنوان "الفيفا وبلاتر.. اتهامات فساد متكررة؛ جريدة الأهرام، س 135، العدد 45274، 14 ذو الحجة 1431هـ الموافق 20 نوفمبر 2010م، صفحة الرياضة، مقال تحت عنوان "سقوط جمهورية الفيفا").

 

        وإدراكا لأهمية ومدى تأثير كرة القدم في عالم اليوم، بدأنا نشهد محاولات مستميتة ومتكررة من رجال السياسة لاستغلال انجازات الفرق الرياضية الكروية لبلادهم. ولا عجب في ذلك. فقد أظهرت الشعوب شغفها بالساحرة المستديرة، إلى الدرجة التي دفعت البعض إلى القول بأن أكبر حزبين في مصر هما الأهلي والزمالك. ولا تقف أهمية كرة القدم على دولة بعينها أو على منطقة دون أخرى، وإنما يمتد الشغف بكرة القدم إلى العالم بأسره. وللتدليل على ذلك، يكفي أن نسرد بعض الأمثلة من الأحداث التي واكبت مونديال جنوب أفريقيا. فقد رأينا جميعا اهتمام رئيس الجمهورية الفرنسية بخروج منتخب الديوك من الدور الأول للمونديال، ومناقشة الخروج المبكر في البرلمان. وفي نيجيريا، قرر رئيس الجمهورية تجميد مشاركة المنتخب في المسابقات الدولية لمدة عامين بعد الأداء الباهت للفريق الوطني في المونديال([2]). وعلى أثر خروج المنتخب الانجليزي من دور الستة عشر، والمنسوب جزئيا إلى خطأ حكم المباراة بعدم احتساب هدف صحيح للاعب الوسط «فرانك لامبارد»، طالب «ديفيد كاميرون» رئيس وزراء بريطانيا بالتقنية الحديثة لمعالجة أخطاء الحكام. ولمؤازرة المنتخب الألماني في مباراته ضد الأرجنتين، سافرت المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» إلى جنوب أفريقيا خصيصا لحضور المباراة([3]). كذلك، بدأت الرياضة عموما، وكرة القدم على وجه الخصوص، تحظى باهتمام المتخصصين في الشئون السياسية. وقد بدت هذه الظاهرة بصورة أكثر وضوحا أثناء مباريات كأس العالم في جنوب أفريقيا (راجع على سبيل المثال: د. عبد المنعم سعيد، على أبواب كأس العالم، جريدة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، س 134، العدد 45101، 17 جمادى الآخرة 1431هـ الموافق 31 مايو 2010م؛ د. عبد المنعم سعيد، تاملات في حكاية كأس العالم!!، مجلة الأهرام الاقتصادي، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، س 126، العدد 2166، 30 رجب 1431هـ الموافق 12 يوليو 2010م، صفحة الافتتاحية؛ فاروق جويدة، الوصايا العشر في درس أنجولا، جريدة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، س 135، العدد 44986، 21 صفر 1431هـ الموافق 5 فبراير 2010م، عمود "هوامش حرة"؛ د. وحيد عبد المجيد، بين النظام العالمي.. ونظام المونديال، جريدة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، س 134، العدد 45151، 8 شعبان 1431هـ الموافق 20 يوليو 2010م، صفحة قضايا وآراء). ولا تقتصر الظاهرة على أوقات وفترات إقامة البطولات الكبرى، وإنما استمرت بعد ذلك. وهناك العديد من الأمثلة والدلائل والشواهد على ذلك (راجع على سبيل المثال: د. عبد المنعم سعيد، مقال بعنوان "الأهلي والزمالك"، صحيفة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، الثلاثاء 5 يوليو 2011م، ص 10، العمود المسمى "من القاهرة"؛ سمير الشحات، مقال بعنوان "أين الدوري يا عميد..؟"، صحيفة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، الاثنين 11 يوليو 2011م، ص 6، العمود المسمى "أحداث في الأخبار"؛ صلاح منتصر، مقال بعنوان "الاتحاد والعفريت"، صحيفة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، الخميس 28 يوليو 2011م، ص 11، العمود المسمى "مجرد رأي"؛ الأستاذ صلاح منتصر، مقال بعنوان "الجمهور الذي نشلوه"، صحيفة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، الخميس 13 أكتوبر سنة 2011م، ص 11، العمود المسمى "مجرد رأي"). وللتدليل مرة أخرى على إدراك رجال السياسة لأهمية الرياضيين عموما ولاعبي كرة القدم على وجه الخصوص، لا يفوتنا أن نشير إلى ظاهرة استعانة الأحزاب السياسية بلاعبي الكرة السابقين كمرشحين لها في الانتخابات. ففي الانتخابات البرلمانية المصرية لسنة 2010م، قام الحزب الوطني الحاكم وحزب الوفد المعارض بترشيح العديد من الرياضيين (راجع: جريدة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، س 135، العدد 45273، 13 ذو الحجة 1431هـ الموافق 19 نوفمبر 2010م، صفحة الرياضة، مقال تحت عنوان "انتخابات مجلس الشعب في ملاعب كرة القدم"). بل لقد وصل الأمر في دولة ليبيريا إلى حد قيام لاعب الكرة الشهير "جورج ويا" بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، حيث كان قاب قوسين أو أدنى من تبوأ هذا المنصب الهام. كذلك، استفاد رئيس الوزراء الإيطالي "سيلفيو بيرلسكوني" من رئاسته لنادي "إيه سي ميلان" في اكتساب الشعبية التي أهلته لتبوأ منصب رئيس الوزراء في الجمهورية الإيطالية (راجع في هذا الشأن وفي الأهمية المتشعبة للرياضة: عمر سعد الدين محمود، كرة القدم بين السياسة الاقتصاد، مجلة السياسة الدولية، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، العدد 181، يوليو 2010م، قضايا السياسة الدولية). وثمة دليل آخر على المكانة الكبيرة والأهمية المتزايدة التي تحظى بها الرياضة عموما وكرة القدم على وجه الخصوص في عالم اليوم. ويكمن هذا الدليل في أن المنظمات الدولية كثيرا ما يقع اختيارها على نجوم الرياضة العالميين ليكونوا سفراء للنوايا الحسنة. كذلك، وعقب الإنجازات الرياضية التي يحققها المنتخب الوطني لدولة ما، غالبا ما يبادر رؤساء الدول الأخرى إلى تهنئة رئيس الدولة التي حقق منتخبها الإنجاز. فعلى سبيل المثال، وعلى أثر فوز المنتخب المصري بكأس الأمم الأفريقية المقامة في أنجولا سنة 2010م، للمرة الثالثة على التوالي، حرص رؤساء بعض الدول العربية على تهنئة الرئيس المصري بهذا الإنجاز الرياضي غير المسبوق.   

 

وقد بدأت ممارسة لعبة كرة القدم على سبيل الهواية. وفي مرحلة متأخرة نسبيا، تحولت كرة القدم من الهواية إلى الاحتراف. ومع انتقال كرة القدم من عالم الهواية إلى عالم الاحتراف، بدأت تظهر فئة من اللاعبين تتخذ من احتراف كرة القدم مهنة وحرفة لهم، بحيث يكرسون لها جل وقتهم، ويخضعون لنظام تدريب قاس وصارم. وبدأت العلاقة بين اللاعب وناديه تتخذ شكل العلاقة التعاقدية، ويصل سعر اللاعب في بعض الأحيان إلى عشرات ملايين من الدولارات. ومع ظهور نظام الاحتراف، بدأ تظهر بعض الإشكاليات والمنازعات القانونية بشأن عقود احتراف اللاعبين أو انتقالهم من نادي إلى آخر. كما بدأت تظهر بعض المنازعات والخلافات بشأن الجهة المالكة لحقوق البث التليفزيوني للمسابقات الرياضية (راجع في هذا الشأن: د. فاروق الأباصيري، رؤية قانونية حول مشكلة بث المسابقات الرياضية، جريدة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، س 132، العدد 44452، 19 شعبان 1429هـ الموافق 20 أغسطس 2008م، صفحة قضايا وآراء). ونرى من الملائم في هذا الصدد أن نلفت النظر إلى النقاط التالية:

أولا: ثمة اعتقاد شائع في مصر والعالم العربي بعدم جواز اللجوء للقضاء في أمور كرة القدم، بحجة أن الفيفا يحظر ذلك. خلافا لذلك، يؤكد البعض أن هذا الحظر قاصر على الأمور الفنية فقط. أما التعاقدات بين الأندية أو بين الأندية واللاعبين وغيرها من الأمور التي تشتمل على نواح مالية، فإن من الجائز اللجوء إلى القضاء العادي بشأنها، لأنها ترتبط بقانون العمل والقانون التجاري. وللتدليل على ذلك، يضرب أصحاب هذا الرأي مثالا ببعض الأحكام الصادرة من القضاء العادي في بعض الدول الأوربية. ونعتقد أن الواقع العملي قد يكشف عن منازعات وخلافات لا يتصور في شأنها اللجوء إلى التحكيم الرياضي. ولعل أبرز مثال على ذلك يكمن في السلوكيات التي تقع تحت طائلة التجريم طبقا لقانون العقوبات الوطني، كما هو الشأن في الخلاف الذي ثار بين نادي الزمالك واللاعب الدولي "محمد ناجي جدو". فقد إدعى الأخير أن مسئولي نادي الزمالك قد ارتكبوا جريمة إساءة الائتمان على التوقيع، وذلك بأن قاموا بتدوين مبلغ مالي كبير في إيصال الأمانة الذي قام بتوقيعه على بياض. وبالفعل قدم بلاغا إلى النيابة العامة للتحقيق في الموضوع وتحريك الدعوى الجنائية ضد الجناة، وذلك قبل أن يتم الصلح بين الطرفين. ومن أمثلة المنازعات التي لا يتصور اللجوء بشأنها إلى التحكيم الرياضي، نذكر الخلاف الذي نشأ بين نادي الزمالك واتحاد كرة القدم القطري بشأن سماح نادي الزمالك للاعبه حسين ياسر المحمدي باللعب للمنتخب القطري أثناء دورة كأس الخليج العشرين المقامة بدولة اليمن خلال شهر نوفمبر 2010م، وذلك مقابل مبلغ مالي معين. وتتلخص وقائع الخلاف في أن اللوائح الصادرة عن الفيفا تتضمن تنظيما لعلاقة اللاعبين المحترفين حول العالم بالأندية التي يلعبون لها وبالاتحادات الوطنية التي ينتمون إليها. وتكفل هذه اللوائح تحقيق التوازن الدقيق بين مصالح الأندية التي ترتبط مع اللاعب بعقد احتراف وبين مصالح الاتحادات الوطنية ومنتخباتها التي لها حق في اللاعب ليمثلها في المسابقات الرياضية الدولية. ولتحقيق التوازن بين المصالح المتعارضة على النحو السابق، حدد الاتحاد الدولي لكرة القدم البطولات أو اللقاءات التي يحق للاتحادات أن تستدعي فيها لاعبيها. وعلة هذا التحديد هي الحرص على ألا تضار الأندية من غيابهم خلال الموسم، لأن النادي يتعاقد مع اللاعب نظير مبالغ مالية كبيرة، ليستفيد من وجوده، لا أن يعاني من غيابه. ولما كانت بطولة كأس الخليج غير مدرجة على أجندة الاتحاد الدولي لكرة القدم، فإن اللاعب "حسين ياسر المحمدي" لا يحق له المشاركة مع منتخب قطر خلال هذه البطولة. ولذلك، عندما قام الاتحاد القطري باستدعاء اللاعب حسين ياسر المحمدي للمشاركة في البطولة، رفض نادي الزمالك الطلب مستندا إلى لوائح الفيفا. لم يلتزم اللاعب بالقرار، وسافر وانضم للمنتخب القطري رغم أنف لوائح الفيفا. وعلى أثر ذلك، قام جهاز الكرة في نادي الزمالك بتوقيع العقوبة المحددة في العقد المبرم مع اللاعب، وخاطب الاتحاد القطري لأجل عودة اللاعب. وهنا، سافر مسئول من الاتحاد القطري إلى القاهرة وقابل مسئولي نادي الزمالك، للتفاوض بشأن السماح للاعب بالمشاركة مع منتخب بلاده نظير مبلغ مالي. وبالفعل، تم الاتفاق بين نادي الزمالك والاتحاد القطري لكرة القدم على السماح للاعب بالمشاركة نظير أداء الاتحاد القطري مبلغ مائة ألف دولار. وبناء على هذا الاتفاق، شارك اللاعب فعلا في مباراة المنتخب القطري ضد الكويت ثم في مباراته ضد السعودية حيث أصيب بخلع في الكتف. وإزاء عدم قيام الاتحاد القطري بدفع المبلغ المالي المتفق عليه، أكد مسئولو الزمالك بأنهم سيتقدمون بشكوى إلى الفيفا. وأغلب الظن هنا أن الفيفا سيرفض شكوى الزمالك لأن إدارة الزمالك وافقت على المشاركة. وإذا كان الخلاف حول عدم أداء الاتحاد القطري للمقابل المالي المتفق عليه، فإن الفيفا لا شأن له بذلك. ونعتقد أن المجال الطبيعي للطعن في هذه الحالة هو اللجوء إلى سبيل القضاء العادي (راجع في شأن هذه الواقعة الفريدة: جريدة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، س 135، العدد 45287، 27 ذو الحجة 1431هـ الموافق 3 ديسمبر 2010م، ص 17، مقال الأستاذ إبراهيم حجازي الأسبوعي "خارج دائرة الضوء"، والذي ورد تحت عنوان "استدرجوا الزمالك لاختراع مبدأ الإعارة من ناد لمنتخب...).      

ثانيا: ضرورة دراسة العلاقة بين القضاء الرياضي والقضاء العادي، وما إذا كان من الجائز الطعن أمام القضاء العادي في القرارات الصادرة من محاكم التحكيم الرياضية أم لا. وهنا، تجدر الإشارة إلى الحكم الصادر من المحكمة الفيدرالية السويسرية بشأن العقوبة الموقعة من محكمة التحكيم الرياضي بإيقاف حارس مرمى منتخب مصر عصام الحضري، على خلفية القضية المرفوعة من النادي الأهلي ضده وضد نادي سيون السويسري.

ثالثا: ظهرت بعض التخصصـات القانونية ذات الصلة بالمسـابقات والأنشطة الرياضية. وهكذا، بدأنا نسمع عن فرع جديد من فروع قانون العمل، وهو قانون العمل الرياضي (Droit du travail dans le sport)، وبدأ يتداول كذك مصطلح جديد على أذهان رجال القانون، وهو القانون الجنائي الرياضي أو القانون الجنائي للألعـاب الرياضـية (Droit penal du sport). وفي هذا الصدد، نعتقد أن هذه الفروع تتمتع - أو على الأقل ينبغي أن تتمتع - بذاتية معينة، وذلك بالمقارنة بالقانون العام. فعلى سبيل المثال، تقرر تشريعات العمل إعفاء الدعاوى التي يرفعها العمال للمطالبة بحقوقهم من الرسوم القضائية. وقد ورد النص على هذا الإعفاء في المادة الخامسة من القانون الاتحادي رقم (8) لسنة 1980م في شأن تنظيم علاقات العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تنص على أن "تعفى من الرسوم القضائية في جميع مراحل التقاضي والتنفيذ الدعاوى التي يرفعها العمال أو المستحقين عنهم استنادا إلى أحكام هذا القانون...". ونعتقد أن مثل هذا الحكم لا مبرر له فيما يتعلق بالدعاوى التي يرفعها لاعبو الكرة، والذين يتقاضى أغلبهم مئات الآلاف من الدولارات. بل أن دخل بعضهم السنوي يصل في بعض الأحيان إلى عشرات الملايين، سواء من ممارسة الكرة أو من عقود الإعلانات الموقعة معهم. فلا يجوز - بأي حال من الأحوال - المساواة بين لاعب الكرة وبين العامل العادي في هذا الشأن.

رابعا: ضرورة تحديد الطبيعة القانونية للأندية الرياضية، وما إذا كانت تتمتع بالشخصية المعنوية أم لا. وإذا كانت تتمتع بالشخصية القانونية، فهل تندرج ضمن الأشخاص المعنوية العامة أم الأشخاص المعنوية الخاصة ؟ وهل يختلف الحكم القانوني بحسب ما إذا كان النادي الرياضي مملوكا للدولة أم يتخذ شكل الشركة التجارية. وغني عن البيان أن نظام الاحتراف المعتمد من الاتحاد الدولي لكرة القدم يستلزم أن يتخذ نشاط كرة القدم شكل الشركة، وأن يستقل فريق الكرة عن النادي، وبحيث لا يكون لأي جهة أخرى سلطة عليه، يستوي في ذلك أن تكون هذه الجهة هي الدولة أو مؤسسة أو أية جهة أخرى.

خامسا: ضرورة تحديد الطبيعة القانونية للاتحادات الرياضية الوطنية، وما إذا كانت تعد جهات إدارية من أشخاص القانون العام، وبحيث يجوز الطعن في القرارات الصادرة عنها أمام القضاء الإداري. وتجدر الإشارة هنا إلى أن النظام القانوني الفرنسي يتضمن وجود محكمة إدارية للرياضة، تختص بالفصل في الطعون المقدمة ضد القرارات الصادرة عن الاتحادات الرياضية الوطنية. ويمتد نطاق اختصاص المحكمة الإدارية إلى البت في القرارات ذات الصبغة الفنية. فعلى سبيل المثال، ألغت المحكمة الإدارية قرارا صادرا من الاتحاد الفرنسي لكرة القدم بإيقاف اللاعب الدولي المغربي المحترف في صفوف "نانسي"، يوسف حجي، على إثر اعتداءه على حكم مباراة لنانسي ضد أحد الفرق الأخرى.

سادسا: ضرورة تحديد الطبيعة القانونية للاتحاد الدولي لكرة القدم، وغيره من الاتحادات المماثلة، وما إذا كانت هذه الاتحادات تعد منظمات دولية أو لا. وهل يعتبر العاملون في هذه الاتحادات موظفين دوليين أم لا. وما هو الحكم القانوني في حالة وقوع جريمة رشوة على سبيل المثال من أحد هؤلاء العاملين. فقد ثارت الأقاويل أكثر من مرة عن قيام أعضاء في اللجنة التنفيذية للفيفا بعرض أصواتهم للبيع، عند التصويت لاختيار الدولة التي تستضيف المونديال (راجع على سبيل المثال: جريدة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 18 أكتوبر 2010م، صفحة الرياضة، خبر تحت عنوان "فضيحة تهز الفيفا"؛ جريدة الأهرام، س 135، العدد 45275، 15 ذو الحجة 1431 هـ الموافق 21 نوفمبر 2010م، صفحة الرياضة، مقال تحت عنوان "فضيحة الرشوة بالفيفا رد اعتبار لمصر في صفر المونديال"). كما نجحت مجلة كيكر الألمانية في كشف واقعة فساد جديدة، تتثمل في قيامها بشراء الأسئلة التي يتم تقديمها في امتحانات وكلاء اللاعبين مقابل 2800 دولار. وأكدت المجلة أن الفيفا يضع عشرين سؤالا لمن يرغب في الحصول على رخصة مزاولة مهنة وكيل لاعبين، وأنه يتعين الإجابة على أربعة عشر سؤالا، وأنها حصلت على خمسة عشر سؤالا وإجاباتها النموذجية مقابل المبلغ آنف الذكر (راجع: جريدة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، س 135، العدد 45251، 20 ذو القعدة 1431هـ الموافق 28 أكتوبر 2010م، صفحة الرياضة، خبر تحت عنوان "الفيفا وبلاتر.. اتهامات فساد متكررة). وعلى إثر تفشي واقعة قيام أعضاء في اللجنة التنفيذية بعرض أصواتهم للبيع عند التصويت على استضافة مونديال 2018 و2022، صدرت بعض القرارات الرادعة من لجنة الأخلاق التابعة للفيفا بحق ستة من أعضائه (راجع: جريدة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، س 135، العدد 45274، 14 ذو الحجة 1431هـ الموافق 20 نوفمبر 2010م، صفحة الرياضة، مقال تحت عنوان "سقوط جمهورية الفيفا"). كذلك، وقبل ساعات فقط من تصويت الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) على اختيار الدولة التي ستنظم مونديال 2018م والدولة التي ستتنظم مونديال 2022م، كشف التليفزيون البريطاني (بي بي سي) النقاب عن تورط "عيسى حياتو" رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (الكاف) والبرازيلي "ريكاردو تكسيرا" والباراجواني "بيكولاس لويز" في الحصول على رشاوى من شركة للتسويق الرياضي طوال عقد التسعينيات، لتسهيل فوزها بحقوق بث المونديال. وطبقا للتقرير التليفزيوني الذي بثته شبكة التليفزيون البريطانية (بي بي سي)، فإن حياتو وتكسيرا ولويز حصلوا من شركة (ISL) للتسويق الرياضي على قرابة مائة مليون دولار في الفترة من 1989م إلى 1999م، لمنحها حقوق بث مباريات كأس العالم. ولم يتوقف حصولهم على الرشاوى إلا بعد إفلاس الشركة في سنة 2001م. وأكدت شبكة التليفزيون البريطانية أنها تمتلك الوثائق المؤيدة للاتهامات الواردة في تقريرها (راجع: جريدة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، س 135، العدد 45285، 25 ذو الحجة 1431هـ الموافق الأول من ديسمبر 2010م، الصفحة الأولى، خبر تحت عنوان "بي بي سي: حياتو و2 من مسئولي الفيفا تلقوا رشاوى قيمتها 100 مليون دولار). وإذا كان الفيفا يقوم بالتحقيق في مثل هذه الوقائع توصلا إلى توقيع الجزاء المناسب في حالة ثبوتها، فإن التساؤل يثور عن مدى ملائمة تحرك المشرع الوطني لتجريم فعل كل من يقوم بتقديم الرشوة إلى أعضاء وموظفي الاتحادات الرياضية الدولية. وإذا كانت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد تلقي على عاتق المشرع الجنائي الوطني التزاما بتجريم رشو  الموظفين الدوليين، فإن التساؤل يثور عما إذا كان من المناسب أن يمتد اهتمام المشرع الدولي إلى تجريم سلوك رشو أعضاء وموظفي الاتحادات الرياضية الدولية.

سابعا: غدا البث التليفزيوني للفعاليات الرياضية مجالا خصبا للتنافس الشديد بين القنوات التليفزيونية. بل أن الأمر قد تعدى في بعض الحالات حد التنافس الشريف إلى محاولة التشويش على إشارة البث. وبعد أن كان التشويش قاصرا على البرامج والقنوات الإخبارية ذات الصبغة السياسية، غدت حلبة البث التليفزيوني للمباريات الرياضية مجالا خصبا لمحاولات التشويش. والسابقة الأولى والخطيرة في هذا المجال تكمن في محاولة التشويش على قيام قناة الجزيرة الرياضية ببث حفل ومباراة افتتاح كأس العالم المقامة في جنوب أفريقيا سنة 2010م. من ناحية أخرى، غالبا ما يثور الخلاف حول الجهة التي تملك حقوق البث لمباريات الدوري المحلي، وما إذا كانت الاتحادات الوطنية القائمة على شئون اللعبة أم الأندية أطراف هذه المباريات. وعلى المستوى القاري، لاسيما في قارة أفريقيا، غالبا ما يثور الخلاف حول الجهة المالكة لحقوق البث، وما إذا كان الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (الكاف) أم الأندية المشاركة في البطولات الأفريقية. ومن ناحية ثالثة، ثار التساؤل في مصر عن مدى ملائمة السماح للأندية بتشفير مبارياتها وتسويقها وبيعها بمبلغ مالي كبير للقنوات الخاصة، أم أن من واجب الدولة وحقها كفالة حق مشاهدة المباريات للمواطن العادي. ويبدو التساؤل الأخير مشروعا في ضوء ملاحظة أن الأندية الرياضية مملوكة للدولة. وربما يتغير الحال في ظل نظام الاحتراف ولوائح الاحتراف المعتمدة من الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، والتي تستلزم أن يتخذ النادي شكل شركة، دون أن يكون للدولة أو لأية جهة أو مؤسسة أخرى تأثير عليها. وهكذا، يغدو من الضروري تحديد الجهة المالكة لحقوق البث، وبيان ما إذا كان للدولة حق التدخل لضمان المشاهدة المجانية للمواطن العادي عبر شاشات التليفزيون الحكومي.

ثامنا: ضرورة الاهتمام بتنظيم الندوات والمؤتمرات العلمية التي تناقش موضوعات التنظيم القانوني للمسابقات الرياضية. ونرى من الضروري كذلك تخصيص دبلوم دراسات عليا في القانون الرياضي. وفي هذا الصدد، نود التأكيد على أن كلية الحقوق بجامعة أسيوط كانت سباقة في هذا الشأن، بحيث قامت باستحداث هذا التخصص ضمن دبلومات الدراسات العليا في القانون.

تاسعا: ضرورة الاهتمام بإنشاء مكاتب محاماة واستشارات قانونية متخصصة في موضوع التنظيم القانوني للمسابقات والألعاب الرياضية. فلا يعقل ولا يستساغ أن يتم إسناد كل القضايا الخاصة بالأندية واللاعبين العرب إلى مكاتب محاماة أجنبية. فلا يعقل أن نظل نسمع عن بعض الأسماء الأجنبية مثل المحامي الإيطالي «مازيللي»، بينما تبقى مكاتب المحاماة المصرية والمحامين المصريين بعيدين كل البعد عن هذا التخصص الحيوي، الذي يمكن أن يوفر مئات الآلاف من فرص العمل للشباب المصري. 

عاشرا: ضرورة إصدار مجلة دورية متخصصة تعني بالموضوعات القانونية الرياضية، وتقوم بإلقاء الضوء على القضايا والمنازعات الرياضية وتتناول بالدراسة والتحليل أحكام المحاكم الرياضية الدولية والأحكام الصادرة عن القضاء الوطني في شأن المنازعات الرياضية.  

 


([1]) راجع: جريدة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 9 يوليو 2010م، ص 14، خبر تحت عنوان «مونديال جنوب أفريقيا يحقق أعلى الأرباح ويزيد 50 % على ألمانيا».

([2]) وإذا كان قد تم التراجع عن قرار التجميد، انصياعا لتهديدات الاتحاد الدولي لكرة القدم، إلا أن صدور القرار عن رئيس الدولة يؤكد مدى الأهمية التي تحظى بها كرة القدم في نيجيريا. 

([3]) راجع في هذا الموضوع: محمد صابرين، السياسة تختطف «المونديال» !، جريدة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 9 يوليو 2010م، ص 4، العمود المسمى «سياسة خارجية».

المصدر: الدكتور أحمد عبد الظاهر
  • Currently 253/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
61 تصويتات / 2083 مشاهدة
نشرت فى 3 أكتوبر 2010 بواسطة law

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

158,105