المسئولية الجنائية لرجل الشرطة
عن الإهمال في تنفيذ أمر القبض
مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة
تنص المادة (283) من قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة على أن «كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة كلف بالقبض على شخص فأهمل في تنفيذ هذا الأمر بقصد معاونته على الفرار من العدالة يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة بحسب الأحوال المبينة فيها».
ويقوم النموذج الإجرامي لهذه الجريمة على ثلاثة أركان: صفة الجاني، والركن المادي، والركن المعنوي.
صفة الجاني: جريمة الإهمال في تنفيذ أمر القبض بقصد مساعدة المتهم على الهرب هي من جرائم ذوي الصفة الخاصة. فلا يمكن أن تقع هذه الجريمة من شخص عادي. إذ يتعين توافر صفة خاصة في مرتكبها، وهي أن يكون موظفا عاما أو مكلفا بخدمة عامة. بل أنه لا يكفي مجرد توافر هذه الصفة، وإنما ينبغي كذلك توافر حالة واقعية معينة، وهي أن يكون الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة قد تم تكليفه فعلا من قبل السلطات المختصة بالقبض على شخص ما. وعلى الرغم من أن المشرع يوسع من نطاق صفة الجاني، بحيث لا يقصرها على الموظف العام وإنما يمدها إلى المكلف بخدمة عامة، فإن من غير المتصور تكليف غير الموظفين بتنفيذ أمر القبض. وكنا نحبذ أن يقصر المشرع صفة الجاني في هذه الجريمة على الموظف العام، لاسيما وأن المادة الخامسة من قانون العقوبات الاتحادي توسع من مدلول صفة «الموظف العام» بحيث لا تقتصر على الموظف العام بالمعنى الدقيق، وإنما تمتد لتشمل «كل من فوضته إحدى السلطات العامة القيام بعمل معين، وذلك في حدود العمل المفوض فيه». ويعني ذلك أن المشرع قد أدخل المكلف بخدمة عامة في عداد الموظفين العموميين.
ولا صعوبة في الأمر إذا كان التكليف بالقبض على المتهم قد صدر من السلطة المختصة، أي النيابة العامة في صورة أمر القبض والإحضار. إذ أن هذا الأمر هو عبارة عن أمر صادر عن المحقق وموجه إلى رجال السلطة العامة بأن يحضروا أمامه شخصا، ولو بالقوة الجبرية[1]. أو هو على حد تعبير المشرع الفرنسي، الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق ويوجهه إلى رجال السلطة العامة بأن يقتادوا فورا المتهم أمامه (المادة 122 الفقرة الثانية من قانون الإجراءات الجنائية)[2]. ففي هذه الحالة، ينبغي على رجل السلطة العامة أو رجل الشرطة أن يبذل كل ما في وسعه لتنفيذ هذا الأمر. ولكن لا يعد من قبيل أمر القبض والإحضار الطلب الموجه إلى الشرطة للبحث والتحري عن الجاني غير المعروف وضبطه، إذ لا يعد في صحيح القانون ضبطا، لأنه لم يتضمن تحديدا لشخص المتهم الذي صدر الأمر بالقبض عليه وإحضاره، ولذلك قضي ببطلان إجراءات القبض والتفتيش المستندة إلى هذا الطلب[3]. وينبني على ذلك أن الركن المفترض للجريمة التي نحن بصددها لا يكون متوافرا إذا كان الأمر يقتصر على مجرد طلب البحث والتحري.
الركن المادي: عبر المشرع عن الركن المادي لهذه الجريمة بقوله «أهمل في تنفيذ أمر القبض». ونعتقد أن المشرع قد جانبه الصواب عندما استخدم لفظ «أهمل»، الذي يستخدم عادة في الجرائم غير العمدية. ولما كان المشرع قد عبر صراحة عن قصده في اعتبار الجريمة التي نحن بصددها جريمة عمدية، الأمر الذي يبدو جليا من استعمال عبارة «بقصد معاونته على الفرار»، لذلك كنا نحبذ أن يستبدل المشرع لفظ «أرجأ» أو «لم يبادر» بلفظ «أهمل» بحيث تجري صياغة النص على النحو التالي: «يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة بحسب الأحوال المبينة فيها كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة كلف بالقبض على شخص فأرجأ أو لم يبادر إلى تنفيذ هذا الأمر بقصد معاونته على الفرار من العدالة». فالركن المادي لهذه الجريمة يتحقق بكل تأخير متعمد في تنفيذ أمر القبض.
ولا يشترط أن يؤدي التأخير في تنفيذ أمر القبض إلى هروب الشخص المطلوب للعدالة فعلا، ولكن يكفي أن يكون القصد من وراء التأخير هو معاونة هذا الشخص على الفرار. ويعني ذلك أن جريمة الإهمال في تنفيذ أمر القبض تدخل ضمن جرائم الخطر، وهي الجرائم التي لا يلزم لتوافر النموذج الإجرامي لها أن تكون ثمة نتيجة مادية معينة.
الركن المعنوي: يتخذ الركن المعنوي لهذه الجريمة صورة العمد. فينبغي لكي يتحقق النموذج الإجرامي لهذه الجريمة أن يتوافر القصد الجنائي بعنصريه، أي العلم والإرادة المنصرفين إلى جميع مادياتها. فيجب إذن أن يعلم الجاني بصفته كموظف عام أو مكلف بخدمة عامة، وأن يعلم أيضا بأمر القبض على المتهم، ومع ذلك تتجه إرادته إلى تأخير تنفيذ هذا الأمر. وبالإضافة إلى ما سبق، ينبغي توافر قصد خاص لدى الجاني، وهو معاونة المتهم على الهرب. ويكفي أن يتوافر هذا القصد، ولو لم يتحقق الهرب فعلا.
العقوبة المقررة: يعاقب المشرع على جريمة الإهمال في تنفيذ أمر القبض بقصد معاونة المتهم على الهرب بنفس العقوبات المقررة للمكلف بالحراسة الذي يساعد المتهم على الهرب والمنصوص عليها في المادة (282) من قانون العقوبات الاتحادي. وبالرجوع إلى الأحكام الواردة في هذه المادة، نجد أنها تميز في العقوبة المقررة للمكلف بالحراسة تبعا للعقوبة المقررة أو المحكوم بها على الشخص الهارب. فإذا كان الهارب محكوما عليه بالإعدام، تكون العقوبة المقررة للحارس هي السجن المؤقت مدة لا تقل عن خمس سنوات. وإذا كان الهارب محكوما عليه بالسجن المؤبد أو المؤقت أو كان متهما في جريمة عقوبتها الإعدام، يعاقب الحارس بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات. أما في الأحوال الأخرى، كأن يكون الهارب متهما أو محكوما عليه في جنحة أو خاضعا لتدبير احترازي سالب أو مقيد للحرية، تكون عقوبة الحارس هي الحبس بين الحد الأدنى العام (شهر واحد) والحد الأقصى العام (ثلاث سنوات).
ومؤدى ما سبق أن جريمة الإهمال في تنفيذ أمر القبض قد تكون جناية وقد تكون جنحة، وذلك تبعا للعقوبة المقررة للشخص المطلوب القبض عليه.
[1] د. محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1995، رقم 641، ص 591.
([2]) Art. 122 al. 2 CPP dispose que «».
[3] نقض 31 ديسمبر سنة 1978، مجموعة أحكام محكمة النقض، س 29، رقم 206، ص 993.
ساحة النقاش