المسئولية الجنائية لرجل الشرطة
عن الإهمال في الحراسة المفضي إلى هرب المتهم
مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة
تنص المادة (281) من قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة على أن «من كان مكلفا بحراسة مقبوض عليه أو بمراقبته أو بنقله أو بمرافقته وهرب بإهمال منه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة التي لا تجاوز عشرين ألف درهم إذا كان الهارب محكوما عليه بعقوبة جناية أو متهما في جناية أما في الأحوال الأخرى فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة اشهر أو بالغرامة التي لا تجاوز خمسة آلاف درهم».
وتقوم هذه الجريمة على ثلاثة أركان، هي: صفة الجاني (المطلب الأول)، والركن المادي (المطلب الثاني)، والركن المعنوي (المطلب الثالث). ومتى توافرت أركان الجريمة، استحق الجاني العقوبة المقررة لها (المطلب الرابع).
المطلب الأول
صـفة الجاني
جريمة الإهمال في الحراسة المفضي إلى هروب المتهم أو المحكوم عليه هي من جرائم ذوي الصفة الخاصة. فهذه الجريمة – كما هو واضح من اسمها – تفترض أن يكون الجاني مكلفا بحراسة متهم مقبوض أو محكوم عليه أو بمراقبته أو بنقله أو بمرافقته. ويعني ذلك أن النموذج الإجرامي لجريمة الإهمال في الحراسة المفضي إلى هروب المتهم أو المحكوم عليه لا يتحقق إلا إذا كان الشخص المنسوب إليه الإهمال مكلفا بحراسة المتهم المقبوض أو المحكوم عليه. والشخص الذي يكلف بحراسته قد يكون متهما مقبوضا عليه، سواء في بداية تنفيذ أمر القبض أو أثناء فترة الاحتجاز. وقد يكون الشخص الذي يكلف بحراسته محكوما عليه، يستوي في ذلك أن يكون هذا الشخص مودعا في إحدى المؤسسات الإصلاحية أو العقابية أو أن يكون منقولا من مؤسسة عقابية إلى أخرى أو من المؤسسة العقابية إلى المستشفى أو المحكمة. وقد يكون هذا الشخص مراقبا، كما هو الشأن بالنسبة إلى الخاضع لعقوبة مراقبة البوليس.
المطلب الثاني
الركن المادي
يتمثل الركن المادي لهذه الجريمة في إهمال شخص مكلف بحراسة أو مراقبة أو بمرافقة أو بنقل شخص آخر مقبوض أو محكوم عليه، الأمر الذي يؤدي إلى هروب الأخير وفكاكه من قبضة الحارس أو من في حكمه. وسيرا على منهج الفقه في تقسيم عناصر الركن المادي إلى الفعل والنتيجة وعلاقة السببية بينهما، سنقوم ببيان هذه العناصر فيما يتعلق بالجريمة التي نحن بصددها.
§1. السلوك الإجرامي
ينطوي نشاط الجاني على الإهمال في أداء عمله، ومثاله أن يترك باب المكان الذي حبس فيه المتهم مفتوحا، أو أن يقوم بمرافقته من مكان الاحتجاز أو الحبس إلى النيابة أو المحكمة دون أن يضع في يده القيد الحديدي، أو أن يترك المكان الذي يستطيع فيه مراقبة الشخص المكلف بمراقبته([1])، أو أن يتوقف لتناول الطعام أو الشراب في الطريق تاركا الشخص المكلف بحراسته حر اليدين.
§2. النتيجة الإجرامية
يلاحظ أن جريمة الإهمال في الحراسة المفضي إلى هروب المتهم أو المحكوم عليه هي من الجرائم ذات النتيجة المادية. إذ أن إهمال الحارس على النحو السالف ذكره لا يقع تحت طائلة التجريم إلا إذا كان المقبوض أو المحكوم عليه قد هرب فعلا. ويعني ذلك أنه مهما كانت درجة جسامة الإهمال المنسوب إلى الحارس، لن تمتد إليه يد العقاب طالما لم تتحقق النتيجة الإجرامية متمثلة في هروب المقبوض أو المحكوم عليه.
§3. علاقة السببية
ينبغي أن يكون إهمال الحارس هو الذي أدى إلى هروب المقبوض أو المحكوم عليه. فإذا ثبت أن هروب المقبوض أو المحكوم عليه لم يكن راجعا إلى إهمال الحارس، فإن هذه الجريمة لا تتوافر. ومثال ذلك أن يستقل الحارس والمتهم إحدى السيارات قاصدا سراي النيابة أو مبنى المحكمة، ويضع الحارس القيد الحديدي في يد المتهم دون أن يحكم غلقه. وأثناء الرحلة، يقع حادث مروري يترتب عليه إصابة الحارس، فينتهز المقبوض عليه الفرصة ويلوذ بالفرار. ففي هذه الحالة، وعلى الرغم من إهمال الحارس، إلا أن هذا الإهمال لم يكن سببا لهروب المتهم([2]).
وتطبيقا لما سبق، قضت المحكمة الاتحادية العليا بأن «جريمة التسبب بإهمال في هروب المسجون المنصوص عليها في المادة 281 من قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لسنة 1987 يلزم لتوافرها أن يكون هرب المسجون بإهمال من حارسه بعدم بذل العناية الواجبة لرجل الشرطة الحريص في المحافظة على المسجون واتخاذ كافة الوسائل والسبل المشروعة لمنع هروبه ومنها تفتيشه على النحو الذي توجبه المادة 14 من قانون المنشآت العقابية الاتحادي رقم 43/1992 حفاظا عليه ولمنعه من الهرب مع تشديد الحراسة عليه على النحو المتعارف عليه إذا كان الحكم الصادر ضده بالإعدام ريثما ينفذ الحكم الصادر ضده وتوافر علاقة السببية بين هذا الإهمال وهروب المسجون والتي يكفي لقيامها أن يكون إهمال الحارس قد ساهم ضمن عوامل أخرى متوقعة في هروب المسجون متى كان من الممكن للحارس اليقظ المتبصر في مثل الظروف الملابسة أن يتوقعها ولا تدرأ عنه المسئولية الجنائية إلا إذا ثبت أن الهرب كان بسبب أجنبي غير متوقع. وأنه وإن كان استخلاص ركن الإهمال وعلاقة السببية بينه وبين الهرب مما يدخل في تقدير محكمة الموضوع إلا أنه يشترط أن يكون ذلك سائغا وله أصله الثابت في الأوراق بما يكفي لحمل قضائها. وأن القضاء ببراءة الحارس دون الاحاطة بظروف الدعوى وتمحيص كافة أدلتها المعروضة عن بصر وبصيرة هو مما يعيب الحكم. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة الحارسين المطعون ضدهما، على أن سبب هروب السجينين يرجع إلى حصولهما على منشار حديدي من الخارج وإلى تواجد أحدهما مع الآخر في زنزانة واحدة والى سهولة فتح قيودهما مما سهل لهما طريق الفرار من النافذة الخلفية وبعدم وجود دليل مقبول على أن للمطعون ضدهما يد في توفير هذه المواد للسجينين أو تقديم أي مساعدة لهما، للفرار كما لم يكن بوسعهما توقع قطع حديد نافذة الزنزانة من الجهة الخلفية والفرار منها وأن الهرب لم يكن من باب الزنزانة من الواجهة الأمامية مما تنتفي معه علاقة السببية المباشرة»([3]).
المطلب الثالث
الركن المعنوي
يتخذ الركن المعنوي لهذه الجريمة صورة الخطأ غير العمدي. فالفرض أن الجاني قد أراد النشاط المنطوي على إهمال من جانبه، ولكنه لم يرد النتيجة الإجرامية التي وقعت بسبب هذا الإهمال. ولو كان الحارس أراد هذه النتيجة، لكنا بصدد جريمة مساعدة المقبوض عليه على الهرب المنصوص عليها في المادة (282) من قانون العقوبات الاتحادي.
المطلب الرابع
العقوبة المقررة
يميز المشرع في العقوبة المقررة لهذه الجريمة بين ما إذا كان الشخص الهارب محكوما عليه بعقوبة جناية أو متهما في جناية، وبين غيرها من الأحوال الأخرى. فإذا كان الهارب محكوما عليه بعقوبة جناية أو متهما في جناية، يعاقب الحارس بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة التي لا تجاوز عشرين ألف درهم. أما في الأحوال الأخرى، كأن يكون الهارب محكوما عليه بعقوبة جنحة أو متهما في جنحة أو أن يكون خاضعا لتدبير احترازي سالب للحرية، فإن الحارس يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة اشهر أو بالغرامة التي لا تجاوز خمسة آلاف درهم.
وينتقد بعض الفقه خطة المشرع الإماراتي فيما يتعلق بتحديد العقوبة على أساس التهمة المنسوبة إلى الشخص الهارب. وسند هذا الرأي أن المشرع يعاقب هنا سلوك الحارس الذي أهمل في حراسته وليس سلوك الهارب ذاته، ولا توجد صلة بين سلوك الحارس والتهمة المنسوبة إلى الهارب. ولا يجوز القول بأن جسامة التهمة المنسوبة إلى الهارب تحدد مقدار الحراسة الواجبة على المقبوض عليه، بحيث يجب على الحارس أن يبذل قدرا أكبر من العناية كلما كانت التهمة المنسوبة إلى المقبوض أو المحكوم عليه جسيمة. إذ أن الواجب الملقى على عاتق الحارس لا يختلف من حيث مضمونه ومقداره تبعا لجسامة الجريمة المنسوبة إلى الشخص المكلف بحراسته. فهذا الواجب واحد أيا كان مقدار الخطورة الإجرامية للشخص المقبوض عليه، والإخلال به يستوجب عقابا واحدا في كل الأحوال، وليس من حسن السياسة التشريعية التمييز في العقوبة استنادا إلى عناصر خارجية عن سلوك المتهم([4]).
وعلى كل حال، وسواء كان الهارب محكوما عليه بعقوبة جناية أو متهما في جناية أو كان متهما في جنحة، فإن العقوبة المقررة لإهمال الحارس لا تخرج عن الحبس أو الغرامة. ولما كان المعيار في تحديد جسامة الجريمة وما إذا كانت جناية أو جنحة هو بنوع العقوبة المقررة لها، وبالنظر إلى أن الحبس عقوبة جنحة، فإن جريمة الإهمال في الحراسة المفضي إلى هروب المتهم أو المحكوم عليه تدخل في عداد الجنح.
([1]) د. عمر سالم، الوجيز في شرح قانون العقوبات الاتحادي، القسم الخاص، الجزء الأول، جرائم الاعتداء على المصلحة العامة، مطبوعات كلية شرطة أبو ظبي، دولة الإمارات العربية المتحدة، 1995، ص 209.
([2]) د. عمر سالم، الوجيز في شرح قانون العقوبات الاتحادي، القسم الخاص، الجزء الأول، جرائم الاعتداء على المصلحة العامة، المرجع السابق، ص 210.
([3]) حكم المحكمة الاتحادية العليا، 1 فبراير 1995، الطعن رقم 59 لسنة 16 ق جزائي، مشار إليه في مؤلف المستشار محمد محرم محمد علي والمستشار خالد محمد كدفور المهيري، قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة فقها وقضاء، الجزء الأول، الفتح للطباعة والنشر بالإسكندرية، جمهورية مصر العربية، الطبعة الثالثة، 1999، ص 820 و821.
([4]) راجع في هذا الرأي: د. عمر سالم، الوجيز في شرح قانون العقوبات الاتحادي، القسم الخاص، الجزء الأول، جرائم الاعتداء على المصلحة العامة، المرجع السابق، ص 211.
ساحة النقاش