المسئولية الجنائية لرجل الشرطة
عن مساعدة المتهم على الهرب
مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة
تنص المادة (282) من قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة على أن «من كان مكلفا بحراسة مقبوض عليه أو بمراقبته أو بنقله أو بمرافقته وساعده على الهرب أو سهله له أو تغافل عنه يعاقب طبقا للأحكام الآتية: إذا كان الهارب محكوما عليه بالإعدام كانت العقوبة السجن المؤقت مدة لا تقل عن خمس سنوات. وإذا كان الهارب محكوما عليه بالسجن المؤبد أو المؤقت أو كان متهما في جريمة عقوبتها الإعدام كانت العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات وفي الأحوال الأخرى تكون العقوبة الحبس». ويستفاد من هذا النص أن المشرع يعاقب من يكون مكلفا بحراسة مقبوض عليه ويساعده على الهرب. وتعد هذه الجريمة صورة خاصة لجريمة تمكين المقبوض عليه من الهرب الواردة في المادة (284) من قانون العقوبات الاتحادي. وتقوم جريمة تمكين المقبوض عليه من الهرب على ركنين: الركن المادي، والركن المعنوي.
الركن المادي: جريمة تمكين المقبوض عليه من الهرب هي من الجرائم ذات النتيجة المادية. إذ لا يكفي لقيام هذه الجريمة مجرد ارتكاب الجاني للسلوك الإجرامي، وإنما ينبغي أيضا أن يؤدي هذا السلوك إلى نتيجة مادية معينة، وهي هرب المتهم المقبوض أو المحكوم عليه فعلا. ويتخذ الركن المادي لهذه الجريمة صورة مساعدة المتهم المقبوض عليه على الهرب أو تسهيل ذلك له أو التغافل عنه.
فمن ناحية، ينبغي أن يقوم الجاني بمساعدة المقبوض أو المحكوم عليه على الهرب أو يسهل ذلك له أو يتغافل عنه. وعلى الرغم من أن صدر المادة (282) عقوبات اتحادي ينص على تجريم فعل «من كان مكلفا بحراسة مقبوض عليه أو بمراقبته أو بنقله أو بمرافقته وساعده على الهرب أو سهله له أو تغافل عنه»، فإن الفقرتان الثانية والثالثة من ذات المادة تميز في العقوبة المقررة له تبعا لما إذا كان الهارب محكوما عليه أم أنه لا زال في مرحلة الاتهام، الأمر الذي يقطع بأن التجريم الوارد في هذه المادة لا يقتصر على حالة تمكين المقبوض عليه من الهرب وإنما يمتد كذلك إلى حالة تمكين المحكوم عليه من الهرب.
فالفرض إذن أن شخصا ما متهما ومقبوضا عليه في جريمة أو تمت إدانته وحكم عليه من أجلها. ولا تقتصر حالة القبض على مجرد إمساك الشخص من جسمه وتقييد حركته وحرمانه من حرية الذهاب والإياب كما يريد، وإنما تمتد إلى سلب حرية الشخص لمدة قصيرة، باحتجازه في المكان الذي يعده القانون لذلك. «فالقبض على إنسان إنما يعني تقييد حريته والتعرض له بإمساكه وحجزه ولو لفترة يسيرة تمهيدا لاتخاذ بعض الإجراءات ضده». وترتيبا على ذلك، فإن مساعدة المقبوض أو المحكوم عليه على الهرب تتحقق بواسطة إمداده بالوسائل اللازمة لذلك، كأن يترك الحارس له الباب مفتوحا أو يزوده بأدوات تساعده على كسر الأبواب الحديدية وتسلق الأسوار أو يمده بسيارة تنقله من أمام مكان القبض إلى أي مكان آخر. أما تسهيل الهرب فيقصد به تيسير عملية الهرب بأن يمتنع عن اتخاذ الاحتياطات اللازمة، كما هو الحال إذا تركه يمشي حرا طليقا بدون أن يضع الصفاد في يده. ويقصد بالتغافل غض الطرف عما يحدث، فالفرض أن الحارس يعلم بمحاولة المتهم أو المحكوم عليه الهرب، ولكن يتعامل مع الأمر وكأن شيئا لم يحدث، فيراه يتسلق سور مكان الحجز أو سور المؤسسة العقابية مثلا ومع ذلك لا يحرك ساكنا تاركا إياه يمضي إلى حال سبيله([1]).
ومن ناحية أخرى، يجب أن يؤدي السلوك الإجرامي على النحو السابق ذكره إلى هرب المتهم المقبوض أو المحكوم عليه فعلا. والهرب يتحقق بمجرد أن يصبح الشخص في وضع يستطيع معه التنقل بحرية نسبية. ومؤدى ذلك أنه إذا كان المتهم أو المحكوم عليه لا يزال في مرحلة المحاولة وتم ضبطه بواسطة شخص آخر قبل أن يتمكن من الهروب فعلا، فإن الجريمة لا تقع تامة، ونكون بصدد شروع في جريمة تمكين المقبوض عليه من الهرب([2]). وغني عن البيان أن الشروع لا عقاب عليه – في التشريع الإماراتي – إلا في الجنايات، أو في الجنح التي ينص المشرع صراحة على عقاب الشروع فيها (المادة 36 من قانون العقوبات الاتحادي).
الركن المعنوي: تمكين المقبوض عليه من الهرب هي إحدى الجرائم العمدية. ويعني ذلك أن الركن المعنوي لهذه الجريمة يتخذ صورة القصد الجنائي أو العمد. ويقتضي القصد الجنائي تحقق عنصرين، هما العلم والإرادة المنصرفان إلى ماديات الجريمة. ومؤدى ذلك عدم تتحقق النموذج الإجرامي لجريمة تمكين المقبوض عليه من الهرب، إذا كان الهروب قد تحقق نتيجة الإهمال في الحراسة، ولكن يمكن أن تتوافر جريمة أخرى، وهي الإهمال في حراسة المتهمين بما يمكنهم من الهرب، والتي ورد النص عليها في المادة (281) من قانون العقوبات الاتحادي.
العقوبة المقررة: تختلف العقوبة المقررة للحارس الذي يقوم بتمكين المقبوض أو المحكوم عليه من الهرب، وذلك تبعا للعقوبة المحكوم بها أو المقررة لجريمة الشخص الهارب. إذ يميز المشرع بين حالات ثلاث: (الأولى) إذا كان الهارب محكوما عليه بالإعدام، فإن عقوبة المكلف بالحراسة تكون السجن المؤقت مدة لا تقل عن خمس سنوات. (الثانية) إذا كان الهارب محكوما عليه بالسجن المؤبد أو المؤقت أو كان متهما في جريمة عقوبتها الإعدام، يعاقب الحارس بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات. (الثالثة) في الأحوال الأخرى، تكون العقوبة الحبس. مثال ذلك أن يكون الهارب متهما أو محكوما عليه في جنحة أو يطبق بحقه أحد التدابير الجنائية أو تدابير الدفاع الاجتماعي السالبة أو المقيدة للحرية.
وبإجراء مقارنة بسيطة بين العقوبات السابقة وبين العقوبات المقررة للشخص العادي الذي يمكن أو يساعد مقبوضا عليه على الهرب، يلاحظ أن المشرع يقرر لهما نفس العقوبة إذا كان الهارب محكوما عليه بالإعدام. ولكن المشرع يشدد عقوبة المكلف بالحراسة في الحالتين الأخريين. بيان ذلك أن الحارس يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات إذا كان الهارب محكوما عليه بالسجن المؤبد أو المؤقت أو كان متهما في جريمة عقوبتها الإعدام، بينما تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات إذا كان مرتكب جريمة التمكين من الهرب شخصا عاديا. ويعاقب الحارس في الأحوال الأخرى بالحبس بين الحد الأدنى العام (شهر واحد) والحد الأقصى العام (ثلاث سنوات)، بينما تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر إذا كان مرتكب جريمة التمكين من الهرب شخصا عاديا.
وأخيرا، تجدر الإشارة إلى أن المشرع لم يشترط لتوافر هذا الظرف المشدد أن يكون الجاني موظفا عاما، وإنما اكتفى بأن يكون مكلفا بخدمة عامة هي حراسة مقبوض عليه أو بمراقبته أو بنقله أو بمرافقته.
([1]) د. عمر سالم، الوجيز في شرح قانون العقوبات الاتحادي، القسم الخاص، الجزء الأول، جرائم الاعتداء على المصلحة العامة، مطبوعات كلية شرطة أبو ظبي، دولة الإمارات العربية المتحدة، 1995، ص 213.
([2]) د. عمر سالم، الوجيز في شرح قانون العقوبات الاتحادي، القسم الخاص، الجزء الأول، جرائم الاعتداء على المصلحة العامة، المرجع السابق، نفس الموضع.
ساحة النقاش