الحماية الجنائية للعلاقات الدولية
دكتور
أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة
تحرص كل دولة على علاقاتها بالعالم الخارجي، وتسعى جاهدة لدرء ومنع كل ما يعكر صفو هذه العلاقات. وقد يرتكب بعض الأفراد أفعالا تعرض الدولة لخطر أعمال عدائية أو يعكر صلاتها بدولة أجنبية. لذا يتدخل المشرع الجنائي بتجريم هذه الأفعال. وقد نص المشرع اللبناني والمشرع السوري والمشرع الأردني على تجريم هذه الأفعال، جامعا إياها تحت عنوان «الجرائم الماسة بالقانون الدولي» (المواد 288 – 294 من قانون العقوبات اللبناني؛ المواد 278 – 284 من قانون العقوبات السوري؛ المواد 118 – 123 من قانون العقوبات الأردني). ويخصص المشرع الليبي الفصل الثالث من الباب الأول من الكتاب الثاني من قانون العقوبات «للجنايات والجنح ضد الدول الأجنبية» (المواد 218 – 225).
ولا يتضمن قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة تجميعا أو عنوانا للجرائم الماسة بالقانون الدولي، على غرار ما فعل كل من المشرع الأردني والمشرع الليبي، وإنما يمكن أن نجد بعض النصوص المتفرقة التي ترمي إلى حماية علاقات دولة الإمارات العربية المتحدة بالدول الأخرى. وتعتبر الجرائم الماسة بعلاقات الدولة الخارجية من الجرائم المضرة بالمصلحة العامة. ولذلك ينص المشرع الليبي على هذه الجرائم في الفصل الثالث من الباب الأول من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، ويضم هذا الكتاب «الجنايات والجنح ضد المصلحة العامة».
جريمة جمع الجند أو القيام بأعمال عدائية ضد دولة أجنبية: تنص المادة (166) من قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة على أن «يعاقب بالسجن المؤقت كل من قام بغير إذن من الحكومة بجمع الجند أو بأي عمل عدائي آخر ضد دولة أجنبية من شأنه الإساءة للعلاقات السياسية أو تعريض مواطني الدولة أو موظفيها أو أموالها أو مصالحها لخطر أعمال انتقامية.فإذا ترتب على الفعل وقوع شئ مما ذكر في هذه المادة عد ذلك ظرفا مشددا». والواقع أن التجنيد ضد دولة أجنبية أو حتى مجرد غض الطرف من جانب سلطات الدولة عن هذا الفعل يعتبر إحدى الصور السبع للعدوان المنصوص عليها في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (3314-29) الصادر في 14 ديسمبر/ كانون الأول سنة 1974م. إذ تنص المادة الثالثة من هذا القرار على أن يندرج ضمن صور العدوان «إرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة من دولة ما أو باسمها لتقوم ضد دولة أخرى بأعمال من أعمال القوة المسلحة تكون من الخطورة بحيث تعادل الأعمال المبينة آنفا أو اشتراك الدولة بدور ملموس في ذلك».
جريمة الاعتداء على رؤساء الدول الأجنبية: تنص المادة (179) من قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة على أن «يعاقب بالسجن المؤبد كل من حاول الاعتداء على سلامة رئيس دولة أجنبية أو حريته، وتكون العقوبة الإعدام إذا وقعت الجريمة أو شرع في ارتكابها، ولا ترفع الدعوى في الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة إلا من النائب العام». ويلاحظ هنا أن المشرع الجنائي الإماراتي يساوي في العقاب بين حالة وقوع الجريمة على رئيس دولة أجنبية، وبين حالة الاعتداء على سلامة رئيس الدولة. إذ تنص المادة (175) من قانون العقوبات الاتحادي على أن «يعاقب بالسجن المؤبد كل من حاول الاعتداء على سلامة رئيس الدولة أو حريته أو تعمد تعريض حياته أو حريته للخطر، وتكون العقوبة الإعدام إذا وقعت الجريمة أو شرع في ارتكابها».
وهكذا، فإن المشرع الجنائي لدولة الإمارات العربية المتحدة يسبغ حمايته على رؤساء الدول الأجنبية، مقررا تجريم فعل كل من حاول الاعتداء على سلامة رئيس دولة أجنبية أو حريته. والعقوبة المقررة لهذه الجريمة هي السجن المؤبد. وتكون العقوبة هي الإعدام إذا وقعت الجريمة أو شرع في ارتكابها. ومفاد ذلك أن المشرع توسع في نطاق التجريم، فلم يكتف بالعقاب على الجريمة التامة وعلى الشروع فيها، وإنما يمد نطاق التجريم إلى الأفعال والسلوكيات التي تمثل مجرد محاولة لارتكاب الجريمة. ويثير التساؤل هنا عن المراد بلفظ المحاولة وعن الحدود الفاصلة بينه وبين الشروع. كما يثور التساؤل عما إذا كان اصطلاح المحاولة يصدق على الأعمال التحضيرية للجريمة، أم يتعداها بحيث يقع في منطقة وسطى بين الأعمال التحضيرية من جهة وبين الشروع من جهة أخرى. وفيما يتعلق بالشخص المشمول بالحماية، فإن الحماية تسري على رئيس الدولة الأجنبية، سواء كانت الرئاسة فردية يتقلدها فرد واحد، أم جماعية كما هو الشأن في سويسرا. كذلك، تسري الحماية، أيا كان مسمى رئيس الدولة، وسواء كان رئيسا أو ملكا أو أميرا أو سلطانا. ولكن يثور التساؤل عن الحكم بالنسبة للأنظمة البرلمانية التي يتمتع فيها رئيس الوزراء بالسلطة بينما يكون رئيس الدولة مجرد رمز أو يكون منصب الرئاسة رمزيا أو شرفيا، كما هو الشأن في بريطانيا وإيطاليا وألمانيا. كذلك، يثور التساؤل عن الحكم القانوني بالنسبة للرئيس بالوكالة، كما هو الشأن بالنسبة للشخص الذي يتولى مهام الرئاسة مؤقتا في حالة مرض الرئيس أو عدم قدرته على القيام بمهام وظيفته أو استقالته.
جريمة اهانة علم دولة أجنبية أو هيئة دولية: تنص المادة الثالثة من القانون الاتحادي رقم (2) لسنة 1971 بشأن علم الاتحاد على أن «كل من أسقط أو أتلف أو أهان بأية طريقة كانت علم الاتحاد أو علم أي إمارة من الإمارات الأعضاء في الاتحاد أو علم إحدى الدول الأخرى كراهية أو احتقارا لسلطة الاتحاد أو الإمارات أو لسلطة تلك الدول وكان ذلك علنا أو في محل عام أو في محل مفتوح للجمهور يعاقب بالحبس لمدة لا تجاوز ستة اشهر أو بغرامة لا تزيد على ألف ريال قطر ودبي أو (ماية دينار بحريني)».
جرائم الإرهاب ضد دولة أجنبية أو منظمة دولية: تنص المادة (11) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (1) لسنة 2004 في شأن مكافحة الجرائم الإرهابية على أن «يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت كل من دخل مقر إحدى البعثات الدبلوماسية أو القنصلية أو مقر إحدى الهيئات والمنظمات الدولية في الدولة عنوة أو بمقاومة السلطات المختصة فيها بهدف ارتكاب عمل إرهابي. وتكون العقوبة السجن المؤبد إذا وقع الفعل مقترنا بظرف استعمال السلاح أو وقع من أكثر من شخص. فإذا ترتب على الفعل وفاة شخص كانت العقوبة الإعدام». وتنص المادة (17) من ذات المرسوم بقانون على أن «يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت كل من قبض على شخص في غير الأحوال المصرح بها في القوانين أو اللوائح، أو احتجزه أو حبسه كرهينة أو هدد باستمرار احتجازه أو حبسه وكان ذلك بهدف ارتكاب عمل إرهابي، بقصد التأثير على السلطات العامة بالدولة أو بدولة أخرى أو منظمة دولية في أدائها لأعمالها أو الحصول منها على منفعة أو مزية من أي نوع. وتكون العقوبة السجن المؤبد إذا كان المجني عليه من ملوك ورؤساء الدول والحكومات والوزراء وأفراد عائلاتهم وأي ممثل أو موظف رسمي لدولة أو لمنظمة دولية ذات صفة حكومية وأفراد أسرهم الذين يعيشون في كنفهم المقررة لهم الحماية وفقا للقانون الدولي، أو إذا اتصف الجاني في سبيل ارتكابها بصفة كاذبة أو تزيا بدون وجه حق بزي موظف حكومي أو دولي، أو أبرز محررا مزورا أو إذا نشأ عن الفعل جرح أو إصابة، أو إذا قاوم أفراد السلطة العامة أثناء قيامهم بتحرير الرهينة أو المقبوض عليه. وتكون العقوبة الإعدام إذا ترتب على فعل الجاني موت شخص».
ساحة النقاش