سرقة الخدمة الهاتفية
مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة
السرقة فعل محرم دينا، مذموم أخلاقا، مجرم قانونا. والسرقة قد تكون جريمة حدية، وقد تكون جريمة تعزيرية. وفي ذلك، تنص المادة (381) من قانون العقوبات الاتحادي على أنه «إذا امتنع توقيع حد السرقة عوقب الجاني تعزيرا بحسب وصف الجريمة وفقا لأحكام هذا القانون». وتعرف المادة (382) من ذات القانون المقصود بالسرقة، بنصها على أن «تقع السرقة التعزيرية باختلاس مال منقول مملوك لغير الجاني...». وهذا التعريف ورد أيضا في قانون العقوبات المصري، حيث تنص المادة 311 منه على أن «كل من اختلس منقولا مملوكا لغيره فهو سارق». ويتضمن هذا التعريف تحديد موضوع السرقة بأنه «المنقول المملوك للغير». غير أن التساؤل يثور عن المراد بلفظ «المنقول»، وما إذا كان هذا الوصف يصدق على الخدمة التليفونية أم لا. وقد أجابت محكمة النقض المصرية على هذا التساؤل بالايجاب، مؤكدة أن المنقول في تعريف السرقة لا يقتصر على ما كان جسما متميزا قابلا للوزن طبقا لنظريات الطبيعة، بل هو يتناول كل شيء مقوم قابل للتملك والحيازة والنقل من مكان إلى آخر (نقض 17 نوفمبر سنة 1980م، مجموعة الأحكام، س 31، رقم 194، ص 1002). وتطبيقا لذلك، قضت بأن وصف السارق ينطبق على الشخص الذي يقوم بتحويل مسار خط تليفوني لغيره إلى منزله واستعماله طوال مدة تعطله في منزل المجني عليه، ذلك أنه قد استولى على الطاقة الكهربائية والمغناطيسية التي تعمل على نقل الصوت عبر الأسلاك التليفونية، فقد سيطر عليها واستعملها دون أن يكون مرخصا له، ودون أن يؤدي المقابل لذلك.
وحسما لكل خلاف قد يطرأ في هذا الشأن، أورد المشرع الإماراتي نصا خاصا بتجريم سرقة الخدمة الهاتفية. إذ تنص المادة (391) من قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة على أن «يعاقب بالحبس أو بالغرامة كل من اختلس بأية صورة الخدمة الهاتفية أو خدمة أخرى من خدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية أو غيرها من الخدمات الحكومية الأخرى أو قام بغير وجه حق باستغلال أو استعمال أو بتحويل أو تفريغ أية خدمة من هذه الخدمات أو أي تيار أو خلافه مما يستعمل لتوصيل أو نقل هذه الخدمات».
ومن التطبيقات القضائية لهذا النص، نذكر حكم المحكمة الاتحادية العليا في الطعن رقم 404 لسنة 26 القضائية «جزائي شرعي»، الصادر في الخامس عشر من أبريل سنة 2006م. وتتلخص وقائع هذا الحكم في أن النيابة العامة أسندت إلى أربعة متهمين أنهم في غضون شهر ديسمبر لسنة 2002م سرقوا الخدمة الهاتفية المملوكة لأحد الأفراد، بأن قاموا بسرقة الرمز الاسمي والرقم السري الخاص بخدمة الانترنت للمجني عليه واستغلوها في استخدام الخدمة المذكورة على أرقام هواتفهم. ومن ثم، طلبت عقابهم وفق أحكام الشريعة الإسلامية والمادة 391 عقوبات. وفي الخامس والعشرين من أبريل 2004م، قضت محكمة الشارقة الشرعية ببراءة المتهمين من الاتهام المسند إليهم لعدم كفاية الأدلة. استأنفت النيابة العامة لدى محكمة استئناف الشارقة الشرعية، التي قضت في الثامن عشر من مايو سنة 2004م حضوريا بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجددا بإدانة المستأنف ضدهم بتغريم كل واحد منهم خمسمائة درهم. وفي الثالث والعشرين من يونيو سنة 2004م، أودع أحد المحكوم عليهم طعنا بالنقض في الحكم، ناعيا عليه القصور والإخلال بحق الدفاع. وفي بيان ذلك، أكد الطاعن أنه تمسك بنفي ما نسب إليه لعدم معرفته باستعمال خدمة الانترنت، ولكن الحكم المطعون فيه انتهى إلى إدانته دون تحقيق ذلك الدفاع الجوهري مستندا على الكتاب الوارد من مؤسسة الاتصالات بما يفيد استخدام أرقام هواتف المستأنف ضدهم في الاستيلاء على خدمة الانترنت الخاصة بالمجني عليه ومستدلا أيضا بفواتير حساب تلك الهواتف في تلك الفترة التي تضمنها الكتاب سالف الذكر، فضلا عن إقرار المتهمة الأولى والمتهم الثاني باستخدام أولادهما للكمبيوتر مع أن هذه الفواتير لا تقطع بثبوت الاتهام في حق الطاعن. كما لم يستظهر الحكم المطعون فيه مدى توافر أركان الجريمة والأدلة القاطعة على ثبوتها في حق الطاعن، مما يعيبه ويستوجب نقضه. وقد أكدت المحكمة الاتحادية العليا أن هذا النعي سديد، موضحة أنه ولئن كان من المقرر قضاء أن تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة فيها من سلطة محكمة الموضوع إلا أن ذلك مشروط بأن تقيم حكمها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق بما يكفي لحمله. كما إن من المقرر أن الأحكام يجب أن تبني على الجزم واليقين لا الحدس والتخمين وأن الفساد في الاستدلال يتحقق إذا كانت المقدمات التي ساقتها المحكمة في أسبابها لا تؤدي من الناحية المنطقية إلى النتيجة التي خلصت إليها. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإدانة الطاعن على سند من ثبوت ورود رقم هاتفه في حسابات وفواتير الشاكي في تلك الفترة، وقد أقر الطاعن بأن الرقم الظاهر في الكشف الوارد من مؤسسة الاتصالات مسجل باسمه وأن أبناءه يستخدمون جهاز الانترنت بمنزله، رغم تمسك الطاعن بأنه لا يعرف كيفية تشغيل خدمة الانترنت. ولما كان ذلك الأمر لا يقطع بذاته في إتيان الطاعن الفعل المنسوب إليه، لاسيما وأن الأخير تمسك بأن أبناءه يقيمون معه في ذات المنزل المركب فيه خط خدمة الانترنت. ولما كان الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع الجوهري الذي قد يترتب علي بحثه وتحقيقه تغير وجه الرأي في الاتهام المنسوب إليه بسرقة الخدمة الهاتفية للمجني عليه واستغلالها على أرقام هواتفه – باعتبار أن هذه الجريمة المنصوص عليها في المادة 391 عقوبات جريمة عمدية تستلزم توافر القصد الجنائي لدي المتهم على اختلاس الخدم الهاتفية من خدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية، لذا فإن هذا يكون مشوبا بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع. وبناء على ما سبق، ولكل هذه الأسباب، قضت المحكمة الاتحادية العليا بنقض الحكم الاستئنافي والإحالة (راجع في هذا الحكم: مجلة العدالة، مجلة دورية محكمة تصدر عن وزارة العدل بدولة الإمارات العربية المتحدة، س 33، العدد 127، جمادى الآخرة 1427 هـ، يوليو 2006م، ص 213 وما بعدها).
ساحة النقاش