الدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

العفو عن العقوبة

بين الجدل الفقهي والضرورات العملية

 

مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة

 

العفو عن العقوبة هو تنازل الدولة عن تنفيذ العقوبة أو العقوبات المحكوم بها على شخص معين، أو التنازل عن بعضها أو عن المدة المتبقية منها، أو أن يستبدل بها عقوبة أخف. ويطلق على العفو عن العقوبة أيضا اصطلاح «العفو الخاص»، تمييزا له عن «العفو الشامل» الذي يتعلق بالجريمة ذاتها. وتنص المادة (145) من قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة على العفو الخاص، مؤكدة أن «العفو الخاص يصدر بمرسوم يتضمن اسقاط العقوبة المحكوم بها من جهة قضائية اتحادية كلها أو بعضها أو يستبدل بها عقوبة أخف منها مقررة قانونا. ولا يترتب على العفو الخاص سقوط العقوبات الفرعية ولا الآثار الجنائية الأخرى ولا التدابير الجنائية ما لم ينص المرسوم على خلاف ذلك. ولا يكون للعفو الخاص أثر على ما سبق تنفيذه من العقوبات». وتضيف المادة (146) أن «سقوط العقوبة أو التدبير الجنائي بالعفو الخاص يعتبر في حكم تنفيذه». بل أن العفو الخاص يرتفع إلى مصاف القواعد الدستورية في دولة الإمارات العربية المتحدة. إذ تنص المادة (54) البند العاشر من الدستور الإماراتي على أن «يباشر رئيس الاتحاد الاختصاصات التالية:... يمارس حق العفو أو تخفيف العقوبة ويصادق على أحكام الإعدام، وفقا لأحكام هذا الدستور والقوانين الاتحادية...». وتنص المادة (107) على أن «لرئيس الاتحاد أن يعفو عن تنفيذ العقوبة المحكوم بها من جهة قضائية اتحادية، قبل تنفيذ الحكم، أو أثناء التنفيذ، أو أن يخفف هذه العقوبة، وذلك بناء على عرض وزير العدل الاتحادي، وبعد موافقة لجنة مشكلة برئاسة الوزير، من ستة أعضاء يختارهم مجلس وزراء الاتحاد لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، من بين المواطنين ذوي الرأي والكفاية في البلاد. والعضوية في اللجنة مجانية، ومداولتها سرية، وتصدر قراراتها بأغلبية الأصوات». وفيما يتعلق بعقوبة الإعدام، تنص المادة (108) على أن «لا تنفذ عقوبة الإعدام الصادرة نهائيا من جهة قضائية اتحادية إلا بعد مصادقة رئيس الاتحاد على الحكم، وله أن يستبدل بها عقوبة أخرى أخف منها، وذلك بمراعاة الإجراءات المنصوص عليها في المادة السابقة».

 

ويرمي العفو الخاص إلى إصلاح الأخطاء التي شابت الحكم القضائي، دون أن يكون في الامكان إصلاحها، إما بسبب استنفاد طرق الطعن أو لأن طرق الطعن المتاحة لا تكفل هذا الإصلاح. وللعفو أهميته كذلك في تشجيع المسجون على التزام السلوك الحسن حتى ينال العفو عن جزء من العقوبة المحكوم بها. وبوجه عام، يلعب العفو الخاص دورا جوهريا كوسيلة لمكافأة المحكوم عليه من أجل سلوكه الحسن الذي استمر شطرا كبيرا من مدة العقوبة على النحو الذي ثبت معه أن العقوبة قد أثمرت غرضها في إعادة تأهيله بحيث لم يعد محل للاستمرار فيها. والعفو الخاص في النهاية هو وسيلة لتجنب تنفيذ العقوبة المقضي بها طبقا للقانون، إذا تبين لسلطات الدولة أن المصلحة العامة تقتضي العفو عنها أو إبدالها بعقوبة أخف.

 

ومع ذلك، قد يرى البعض في العفو الخاص أنه غير متسق مع النظام القانوني الحديث. إذ يعني إبطال أهم أثر لأحكام الإدانة التي قد تصدر من أعلى المحاكم في الدولة، ألا وهو تنفيذ العقوبة المحكوم بها. ثم أنه يبدو منطويا على خرق لمبدأ الفصل بين السلطات، باعتباره يتضمن تخويل جهة غير قضائية سلطة التنازل عن العقوبة، الأمر الذي يشكل إخلالا بقوة الحكم واستقلال القضاء الذي أصدره. وهو في النهاية يمس الصفة اليقينية للعقوبة، إذ يفتح ثغرة ينفذ منها الأمل في عدم الخضوع لها.

 

        والواقع أن العفو عن العقوبة أو العفو الخاص له فوائد عملية لا يمكن إنكارها. ويمكن للعفو الخاص أن يلعب دورا هاما في مجال التعاون الجنائي الدولي، ويساهم في القضاء على بعض العقبات التي قد تعترض سبيل هذا التعاون. بيان ذلك أن بعض المواثيق الدولية وبعض الدساتير والتشريعات المقارنة تحظر التسليم إذا كان من المحتمل أن يتعرض الشخص لعقوبة الإعدام أو الأشغال الشاقة أو عقوبة أخرى مهينة. ومن ثم، فإن العفو الخاص يمكن أن يلعب دورا بأن تتعهد الدولة الطالبة بعدم توقيع مثل هذه العقوبة على الشخص المطلوب. فعلى سبيل المثال، وتحت عنوان «التعهد بعدم تنفيذ عقوبة الإعدام»، تنص المادة (37) من القانون الاتحادي رقم (39) لسنة 2006م في شأن التعاون القضائي الدولي في المسائل الجنائية على أنه «في غير جرائم الحدود يجوز تقديم تعهد للدولة المطلوب إليها التسليم عملا بأحكام اتفاقية نافذة تربطها بالدولة بعدم تنفيذ عقوبة الإعدام على الشخص المطلوب استرداده. ويشترط عند تقديم ذلك التعهد في جرائم القصاص أن يتنازل أولياء الدم عن حقهم الشرعي في ذلك القصاص. ويقدم التعهد من الوزير، وفي هذه الحالة تتخذ الإجراءات لاستبدال العقوبة». ووسيلة تحقيق التعهد المشار إليه في هذا النص هو صدور عفو من رئيس الدولة، يتضمن استبدال عقوبة أخرى بعقوبة الإعدام، كأن تكون السجن المشدد على سبيل المثال.  

المصدر: الدكتور أحمد عبد الظاهر
  • Currently 256/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
69 تصويتات / 954 مشاهدة
نشرت فى 30 ديسمبر 2009 بواسطة law

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

158,104