الدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

نشر صور ضحايا الجريمة

بين الحظر والإباحة

 

مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة

 

        تنص المادة (264) من قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة التي لا تجاوز عشرة آلاف درهم من نشر بإحدى طرق العلانية:... 4- أسماء أو صور المجني عليهم في جرائم الاعتداء على العرض». والبين من هذا النص أن نطاق الحماية الواردة به يقتصر على المجني عليهم في جرائم الاعتداء على العرض، فلا يمتد إلى غيرهم من المجني عليهم.

 

من ناحية أخرى، تنص المادة (378) من قانون العقوبات الاتحادي على أن «يعاقب بالحبس والغرامة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانونا أو بغير رضاء المجني عليه: أ- استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أيا كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق الهاتف أو أي جهاز آخر. ب- التقط أو نقل بجهاز أيا كان نوعه صورة شخص في مكان خاص. فإذا صدرت الأفعال المشار إليها في الحالتين السابقتين أثناء اجتماع على مسمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع فإن رضاء هؤلاء يكون مفترضا. كما يعاقب بذات العقوبة من نشر بإحدى طرق العلانية أخبارا أو صورا أو تعليقات تتصل بأسرار الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد ولو كانت صحيحة. ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سبع سنوات وبالغرامة الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتمادا على سلطة وظيفته. ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عنها أو إعدامها». وهذا النص مقتبس من المادة (309) مكررا من قانون العقوبات المصري، والتي تنص على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانونا أو بغير رضاء المجني عليه: (أ) استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أيا كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون. (ب) التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أيا كان نوعه صورة شخص في مكان خاص. فإذا صدرت الأفعال المشار إليها في الفقرتين السابقتين أثناء اجتماع على مسمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع فإن رضاء هؤلاء يكون مفترضا. ويعاقب بالحبس الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتمادا على سلطة وظيفته. ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل منها، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها».

 

        ويرى غالبية الفقه أن هذا النص لا يشكل أساسا كافيا لتقرير حق ضحايا الجريمة في عدم نشر صور معاناتهم في وسائل الإعلام، وأن هذا النشر لا يقع تحت طائلة التجريم في العديد من الحالات. بيان ذلك أن النموذج الإجرامي الوارد في النص يقتصر على حالة التقاط الصور في مكان خاص، فلا يمتد إلى حالة التقاط صور الضحايا في مكان عام، وهو الغالب في مثل هذه الحالات. كذلك، يجوز نشر صورة الشخص بدون إذن منه، إذا لم يكن هذا الشخص هو الموضوع الرئيسي للصورة، بأن كان ظهوره فيها ثانويا. كذلك، يجوز نشر صورة الشخص، بدون إذن منه، ولو كان هو الموضوع الرئيسي للصورة، إذا كانت الصورة تتعلق ببعض الأحداث الهامة التي يجب أن تنشر على الجمهور، كما هو الشأن في الجرائم والحوادث، تطبيقا لحق المجتمع في الإعلام. يضاف إلى ما سبق، أن الحق في الحياة الخاصة ينقضي بوفاة صاحبه. وتطبيقا لذلك، قضت محكمة النقض الفرنسية بأن نشر كتاب عن الحالة الصحية للرئيس الراحل «فرانسوا ميتران» بعد وفاته لا يشكل اعتداء على الحياة الخاصة للرئيس. وقد تأكد هذا القضاء في العديد من أحكام القضاء الفرنسي، ويؤيده غالبية الفقه الفرنسي. إذ يميز الفقه فيما يتعلق بالحقوق الشخصية التي يمكن أن يتمتع بها المتوفى بين حقوق زائلة وحقوق دائمة. ويندرج الحق في الصورة إلى الطائفة الأولى من هذه الحقوق. وينبني على ذلك أن تجريم المساس بالحق في الصورة – كأحد مكونات الحياة الخاصة – لا يصلح كأساس لحق الضحية في عدم عرض صورته في الجرائم التي تؤدي إلى وفاة المجني عليه.

 

        لكل ما سبق، تدخل المشرع الفرنسي بمقتضى قانون قرينة البراءة وحماية حقوق الضحايا، الصادر في 15 يونيه لسنة 2000م، فأضاف إلى قانون الصحافة لسنة 1881م نصا جديدا، يحمل رقم (35) رابعا، جاعلا من الكرامة الإنسانية الأساس الذي يستند إليه حق الضحية في عدم نشر وسائل الإعلام لصورته وهو تحت وطأة الجريمة. إذ تعاقب المادة المذكورة كل من ينشر صور ضحايا الجريمة، إذا كان في هذا النشر اعتداء خطير على كرامة الضحية، وكان النشر قد تم دون رضاء صاحب الشأن. وتشمل هذه الحماية كل وسائل نشر الصورة، كالصحف والمجلات والتليفزيون والنشر عبر الانترنت. ولم يكتف المشرع الفرنسي بتجريم نشر صورة الضحية الذي يبقى على قيد الحياة، وإنما يشمل التجريم أيضا نشر صورة الضحية الميت. وتطبيقا لذلك، قضت محكمة النقض الفرنسية بإدانة المتهم عن نشر صورة جثمان (Préfet Erignac)، الذي اغتالته جماعة انفصالية في إقليم كورسيكا.

 

        وفي ضوء ما سبق، نرى من الملائم دعوة المشرع الإماراتي إلى التدخل بنص صريح، يتضمن معاقبة كل من ينشر صور ضحايا الجريمة، إذا كان في هذا النشر اعتداء خطير على كرامة الضحية، وكان النشر قد تم دون رضاء صاحب الشأن.

المصدر: الدكتور أحمد عبد الظاهر
  • Currently 434/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
103 تصويتات / 938 مشاهدة
نشرت فى 30 ديسمبر 2009 بواسطة law

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

154,923