من المفارقات العجيبة انني نادرا ما احلم ، اذ تمر السنة كاملة لا ارى فيها سوى حلما او اثنين بالكاد اتذكره بعد نهوضي " واستدراكا لذلك بل قل استعاضة عن ذلك (من باب ما لايدرك كله لا يترك كله) اجدني بارعا في تاليف الاحلام وكانما ولدت مؤلفا لها .
فتارة تجدني ذلك الفارس الشجاع الذي يتصدى للظلمة من اجل المظلومين مضحيا بحياته وسعادته من اجلهم
وتارة اخرى تجدني ذلك الغني الذي ينفق ماله دون تردد او خوف من الفقر على المساكين والفقراء ، يعطي هذا ويسد دين ذلك ويساعد تلك على الزواج .
وتارة تجدني استعذب الحزن " فانا المظلوم الذي تعانده الاقدار وتاخذ منه السرور وكانما تكالبت عليه الاعداء متحالفة حتى مع اقرب الناس له هدفهم تدميره ووأد مستقبله
فانا المظلوم الذي بخسه ذووه حقه رغم ما قدمه لهم وما صنعه من اجلهم فتجدني باكيا منتحبا من هول ما حدث لي تريحني نظرات الشفقة والعطف من الاخرين ويرضيني - وكاني اعتلي صالة المسرح - مصمصة الشفاة وعبارات التعزية والمواساة .
ولا اخفي عليكم فربما غلبني ذلك الشعور مرارا .
وتارة اخرى تجدني ذلك الامين الذي وبصورة لا اعلمها تتعدد طرقها يمتحن في مبلغ كبير بل قل ثروة طائلة تهبط عليه من حيث لا يدري ( لعله انقذ غنيا من الموت ) ولكنه ولامانته يعيدها لصاحبها رافضا اي تعويض عن امانته رغم حاجته الماسة لاي منها يرضيه – وكانه فعلها رياء - نظرات الاعجاب والتملق فما هو الا محب الا ان يكون بطلا حتى ولو في احلامه ، فربما ضن الواقع عليه بذلك
ولعل ما يدعوني الى ذلك - رغم اني مؤهل علميا - احساسي باني مهمش او اني لا احس بدور فاعل في المجتمع او ربما هو حب الظهور
متناسيا ان هناك ابطالا لا يحصى لهم عدد بل لا يفطن لبطولتهم كثيرون
فذلك الاب المثابر الذي قدر عليه رزقه صاحب العيال مع قله الحيلة
وتلك الام الحانية يؤرقها السهر ليلا ويقتلها التفكير ، كيف تدبر المعيشة صباحا بل كيف يكون حالهم اذا جاء خاطب لابنتها وهي غير مستعدة لتجهيزها
وتلك الارملة التي فقدت زوجها او غادرها شابة ، لا تحارب من اجل الرزق او الاولاد فقط ولكن تحارب نظرات الجوعى من هاتكي الاعراض ومفترسي الشرف والفضيلة
وذلك الشاب يريد عفافا تتخطفه الاهواء وتهوي به ريح البطالة في مكان سحيق لكنه ثابت يقول بلسان الواثق بربه ان مع العسر يسرا .
كل هؤلاء هم ابطال بل هم الابطال لو كنت منصفا . فلا كاميرات تراقبهم ولا جماهير تصفق لهم ولا ينتظرون جزاءا ولا شكورا ، يرضيهم القليل من العرفان والتقدير، ثمنا بخسا يدفعهم لتكملة الطريق ووقودا يلهب عزيمتهم معرفة بان ما يقدموه غال لايقدر بثمن ، ربما لايعرف قيمتهم الا من فقد الاحساس بالحياة فهو مثلي نائم حتى بلا احلام .
ساحة النقاش