مقتطفات من كتاب حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا
وإني لأرجو الله حتى كأنني أرى بجميل الظن ما الله صانع
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث : لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل .
عن عمرو بن مالك الجنبي : أن فضالة بن عبيد ، وعبادة بن الصامت ، حدثاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إذا كان يوم القيامة وفرغ الله من قضاء الخلق يبقى رجلان فيؤمر بهما إلى النار فيلتفت أحدهما فيقول الجبار : » ردوه « فيرد فيقال له : » لم التفت ؟ « فيقول : كنت أرجو أن تدخلني الجنة قال : فيؤمر به إلى الجنة فيقول : لقد أعطاني الله حتى لو أني أطعمت أهل الجنة ما نفد ذلك مما عندي شيئا قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكره يرى السرور في وجهه » .
عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن رجلين ممن دخل النار اشتد صياحهما فقال الرب : أخرجوهما فأخرجا فقال لهما : لأي شيء اشتد صياحكما ؟ قالا : فعلنا ذلك لترحمنا قال : رحمتي لكما أن تنطلقا فتلقيان أنفسكما حيث كنتما من النار قال : فينطلقان فيلقي أحدهما نفسه فجعلها الله عليه بردا وسلاما ويقوم الآخر فلا يلقي نفسه فيقول له الرب : ما منعك أن تلقي نفسك كما ألقى صاحبك ؟ فيقول : رب ، إني لأرجو أن لا تعيدني فيها بعدما أخرجتني فيقول الرب : لك رجاؤك فيدخلان الجنة جميعا برحمة الله » .
حدثنا الحسن بن الجنيد ، حدثنا منصور بن عمار ، حدثنا الهقل بن زياد ، عن الأوزاعي ، عن بلال بن سعد ، قال : « يؤمر بإخراج رجلين من النار فإذا خرجا ووقفا قال الله لهما : كيف وجدتما مقيلكما وسوء مصيركما ؟ فيقولان : شر مقيل وأسوأ مصير صار إليه العباد فيقول لهما : بما قدمت أيديكما وما أنا بظلام للعبيد قال : فيأمر بصرفهما إلى النار فأما أحدهما فيعدو في أغلاله وسلاسله حتى يقتحمها ، وأما الآخر فيتلكا فيأمر بردهما فيقول للذي عدا في أغلاله وسلاسله ما حملك على ما صنعت وقد خبرتها ؟ فيقول : إني قد خبرت من وبال المعصية ما لم أكن أتعرض لسخطك ثانية قال : ويقول للذي تلكأ ما حملك على ما صنعت ؟ فيقول : حسن ظني بك حين أخرجتني منها ألا تردني إليها فيرحمهما ويأمر بهما إلى الجنة » .
حدثنا محمد بن بشير ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، قال : « جئت إلى سفيان عشية عرفة وهو جاث على ركبتيه وعيناه تهملان فبكيت فالتفت إلي فقال : ما شأنك ؟ فقلت : من أسوأ هذا الجمع حالا ؟ قال : الذي يظن أن الله عز وجل لا يغفر لهم » .
كان عمر بن ذر رحمه الله يقول : « اللهم ارحم قوما أطاعوك في أحب طاعتك إليك : الإيمان بك والتوكل عليك ، وارحم قوما أطاعوك في ترك أبغض المعاصي إليك : الشرك بك والافتراء عليك قال : فكان بعضهم يقول : إن كان كل ما عصي الله به عظيما ؛ فإنه في سعة رحمته صغير » .
« قال لقمان لابنه أي بني عود لسانك : اللهم اغفر لي ؛ فإن لله ساعات لا يرد فيهن سائلا » .
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بسبي وإذا امرأة من السبي يتحلب ثدياها ، كلما وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ » قالوا : لا والله وهي تقدر على أن لا تطرحه ، فقال : « والله ، لله أرحم بعباده من هذه المرأة بولدها » .
حدثنا ثابت ، عن أنس : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت ، فقال : » كيف تجدك ؟ « قال : أرجو الله يا رسول الله ، وأخاف ذنوبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو ، وآمنه مما يخاف « .
حدثنا جعفر ، قال : سمعت ثابتا ، قال : « كان شاب به رهق ، وكانت أمه تعظه ، تقول : أي بني ، إن لك يوما ، فاذكر يومك ، يا بني ، إن لك يوما فاذكر يومك ، فلما نزل به الموت قالت : أي بني ، قد كنت أحذرك مصرعك هذا وأقول لك : إن لك يوما فاذكر يومك ، فقال : يا أمه إن لي ربا كثير المعروف ، فأنا أرجو أن لا يعدمني بعض معروف ربي أن يرحمني » قال ثابت فرحمه الله بحسن ظنه بربه في حاله تلك « .
حدثني الحسين بن عمرو بن محمد القرشي ، عن الحسين بن علي ، عن محمد بن أبان ، عن حميد ، قال : « كان لي ابن أخت مرهق ، فمرض ، فأرسلت إلي أمه ، فأتيتها فإذا هي عند رأسه تبكي ، فقال : يا خالي ، ما يبكيها ؟ قلت : ما تعلم منك ، قال : أليس إنما ترحمني ؟ قلت : بلى ، قال : فإن الله عز وجل أرحم بي منها ، فلما مات أنزلته القبر مع غيري ، فذهبت أسوي لبنة فاطلعت في اللحد ؛ فإذا هو مد البصر ، فقلت لصاحبي : هل رأيت ما رأيت ؟ قال : نعم فليهنك ذلك ، فظننت أنه بالكلمة التي قالها » .
عن سعيد بن أنس ، عن أنس ، قال : « بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر : ما أضحكك يا رسول الله ؟ بأبي أنت وأمي قال : رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة عز وجل فقال أحدهما : يا رب ، خذ لي مظلمتي من أخي قال الله عز وجل : أعط أخاك مظلمته فيقول : يا رب ، لم يبق من حسناتي شيء قال : يا رب ، فليحمل عني من أوزاري ففاضت عين النبي صلى الله عليه وسلم بالبكاء ، ثم قال : إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس فيه إلى أن يحمل عنهم من أوزارهم قال : فيقول الله عز وجل للمطالب : ارفع رأسك فانظر إلى الجنان ، فرفع رأسه فقال : يا رب ، أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا ؟ لأي صديق هذا ؟ لأي شهيد هذا ؟ قال الله هذا لمن أعطاني الثمن قال : يا رب فمن يملك ذلك ؟ قال : أنت تملكه ، قال : بماذا يا رب ؟ قال : بعفوك عن أخيك قال : يا رب ، قد عفوت عنه قال الله عز وجل : خذ بيد أخيك فادخل الجنة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ؛ فإن الله عز وجل يصلح بين المؤمنين يوم القيامة »
أخبرنا الحسين بن واقد ، عن أبي غالب ، قال : « كنت أختلف إلى الشام في تجارة ، وعظم ما كنت أختلف من أجل أبي أمامة فإذا فيها رجل من قيس من خيار المسلمين ، فكنت أنزل عليه ومعنا ابن أخ له مخالف ، يأمره وينهاه ويضربه فلا يطيعه ، فمرض الفتى فبعث إلى عمه فأبى أن يأتيه قال : فأتيته به حتى أدخلته عليه ، فأقبل عليه يسبه ويقول : أي عدو الله الخبيث ، ألم تفعل كذا ؟ ألم تفعل كذا ؟ قال : أفرغت أي عم ؟ قال : نعم ، قال : أرأيت لو أن الله عز وجل دفعني إلى والدتي ، ما كانت صانعة بي ؟ قال : إذا والله كانت تدخلك الجنة ، قال : فوالله لله أرحم بي من والدتي ، فقبض الفتى ، قال : فخرج عليه عبد الملك بن مروان ، فدخلت القبر مع عمه ، قال : فخطوا له خطا ولم يلحدوا ، قال : فقلنا : باللبن فسويناه ، قال : فسقطت منه لبنة ، فوثب عمه وتأخر ، قلت : ما شأنك ؟ قال : ملئ قبره نورا ، وفسح له فيه مد البصر »
ولعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أو قيل لأبي العتاهية
إلَهِي لا تُعَذَبَنْي، فَإِنِّي ... مُقِرٌّ بالذّي قَدْ كانَ مِنِّي
وَمَا لِيْ حِيْلَةٌ، إلاَّ رَجائي، ... وَعَفْوُكَ، إنْ عَفَوْتَ، وَحُسْنُ ظَنيِّ
فكَمْ مِنْ زَلّةٍ لِي في البَرايَا، ... وَأَنْتَ عَليَّ ذُوْ فَضْلٍ، وَمَنِّ
إذا فَكّرْتُ في نَدَمِي عَلَيها، ... عَضَضْتُ أنامِلي، وَقَرَعْتُ سِنِّي
يَظُنُّ النّاسُ بِي خَيْرًا، وَإِنِّيْ ... لَشَرُّ النّاسِ، إنْ لم تَعْفُ عَني
أُجَنُّ بِزَهْرَةِ الدّنْيَا جُنُونًا، ... وَأُفِنْي العُمْرَ فيها بالتَّمَني
وَبَيْنَ يَدَيَّ مُحْتَبَسٌ ثَقِيْلٌ، ... كأنِّي قد دُعِيْتُ لَهُ، كَأنِّي
وَلَوْ أَنِّي صَدَقْتُ الزُّهْدَ فيها، ... قَلَبْتُ لأهْلِهَا ظَهْرَ المِجَنِّ
وله أيضاً
إِلَهِي أَنْتَ ذو فَضْلٍ وَمَنِّ
وإني ذو خطايا فاعف عني
وَظَنِّيَ فِيكَ يا رَبي جَمِيْلٌ
فَحَقِقْ يا إلَهِيَ حُسْنَ ظَنِّي
المصدر: كتاب حسن الظن بالله
نشرت فى 4 نوفمبر 2010
بواسطة lance
عدد زيارات الموقع
44,871
ساحة النقاش