بقلوب قدت من الحجارة – وإن من الحجارة لما يتفجر منه الانهار – أمام شهود استبيحت كرامتهم واذل الخوف أعناقهم فمالت حيث يجب الوقوف ، وسكتت الالسن وقت الحاجة للكلام واكتفت الشفاة بالمصمصة والأعين بالنظر يمنة ويسرة لعل السماء تنشق عمن يحفظ لهم ماء وجوههم فينقذ القتيل من بين أيدي الظلمة معدومي الضمير ، وأنى تستجيب لنا السماء ،  قتل خالد ، ولم ترحمه توسلاته ولا أهاته ، قتل ولم يشفع له شبابه ولا أهلييته أو تكفه جنسيته ووطنيته أو تدفع عنه ديانته وحرمته أو تمنعه انسانيته وأدميته ، فألقي في الطريق مخضباً بدمائه بعد أن أشبع ضربا واعتداءا ، قتل يوم قتل وقتلت معه كرامتنا واغتيل ووؤد مع جسده المتهتك امننا وأماننا على أيدي حفظته وسدنته .

قتل ولم يدر لم قتل ، راح واستبدلت هيئته الحسنة ووجهه الصبوح ، بجسد ممزق ووجه هشيم ، راح وراح معه رجاء أمه وأملها وفرحة أخوته وسعادتهم حيث لا رجوع ولا إياب لكنه الفراق والغياب ، بلا ذنب أو جريرة الا أنه أبى الا أن يكون أنساناً كريما في زمن عزت فيه الكرامة وتولى أمرنا قساة القلوب جحافها .

حتى لو كان مجرما أو هارباً ، أي حق هذا الذي يتيح للشرطة قتل الناس والتنكيل بهم ويستمرؤن به تعذيبهم وترويعهم ، وأي وظيفة تلك التي يضيع بها أيمان المرء وانسانيته ، ويقتل بها قلبه ومشاعره قبل أن يقتل بها غيره ويعذبه ، وتستحيل بها خصاله خصال وحوش البرية وقطاع الطرق ، ألم يعلم هؤلاء عظيم ما اقترفوا وعاقبة ما جنت ايديهم وتلطخت به صحائفهم ، افأمنوا عذاب الله و غضبه ولعنته وحسابه ، يقول الله تعالى " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً "  ، ألم يعلموا أن زوال الدنيا أهون على الله من قتل نفس مؤمنة ، يقول الرسول الكريم " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار" ، الم يسمعوا أن حرمة المؤمن أكبر من حرمة الكعبة وقداستها ، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول " ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً " الم يفقهوا أن قتل المؤمن عمداً ناهيك عن التمثيل به وتعذيبه بلا خجل أو مداراة بل بفجور واجتراء ، من السبع الموبقات بل أولها .

أي تبريرات ستقر بها نفوسنا وأي حجة ستريحنا ؟ قد يخرج علينا بها متحدثهم ليدفع عنهم عار الاجرام وسوء النية ويشفي ما بصدورنا من غصة ويزيل ما علق بحلقنا من مرارة ، اللهم أن يكون القتيل هو صاحب عبارة الموت أو اكياس الدم الملوثة أو هو من باع الغاز لأصدقائنا دون أن ندري ، بل كيف سيأمن أحدنا على نفسه وذويه أن يبطش به فرد من أفراد الامن تحت مظلة الطواريء أو حتى بدون مظلة ، والى من سنحتكم اذا تخلى القضاء عن دوره ليتركه للأمن فصار هو القاضي والقصاب ووصل الامر بزبانيته الاستخفاف بغضبتنا اذ لا غضبة لدينا ازاء حدث جسيم وخطب قد لا تراه الا عندنا ، والا قل لي ماذا بعد ان يسحل شاب على قارعة الطريق وأمام المارة والحضور في تحد سافر لكل القيم الانسانية والبشرية ، كأنما كتب علينا وعلى شبابنا التعذيب والتنكيل بيدي حفظتنا لا يد عمرو وما أكثر اياديك ياعمرو ، فها هي في لبنان واليونان ونيجيريا وليبيا والامارات وعلى حدودنا مع الاصدقاء ، لكن اليوم هو يوم الامن فقد اكتفى الاخرون ليبقى لهم السبق في اهانتنا وليبقى لسان حال القائمين على حمايتنا منهم ، بيدي لا بيد عمرو ، وظلم ذوي القربى أشد مرارة على النفس من وقع الحسام المهند .

قد يكون الحادث انذار للجميع ورسالة واضحة لكل من تسول له نفسه العيش كريما في وطنه ، لا وسيلة للتغير ولا نافذة للأمل في غد أفضل ، فليرض الجميع بذله ومهانته طوعاً أو كرهاً وليتضرع الى خالقه فهو وحده القادر على قهر الظلمة ورد المعتدين ، ومن لنا غيره هو حسبنا ونعم الوكيل .

   

المصدر: شخصي
  • Currently 52/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
17 تصويتات / 132 مشاهدة
نشرت فى 19 يونيو 2010 بواسطة lance

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

43,154