<!--<!--<!-- <!--

تسعى كل دولة من دول العالم أن تمكن لنفسها وتدافع عن مصالحها أو تضيف الى رصيد ثرواتها الجديد بكل ما أوتيت من قوة وتدبير ، لا فرق في ذلك بين الصغير من الدول والكبير ، كل تبعا لقدرته وقوته وتقديره لمكانته وعزته ، ولذلك كثرت الحروب والنزاعات .

 ونحن هنا نتحدث عن حكومات تعي مصلحة أمتها وتعمل لها ومن أجلها وإن تعارضت مع مصالحها الشخصية وأرصدتها الخاصة ، بيد أن الامر لا ينسحب على حكومتنا ربما لنظرتهم القاصرة للامور وغياب التخطيط البعيد أو لأن امر المصلحة والتمكين حقيرا لا يستدعي كل هذه الحمأة ، فضياع المكانة وهواننا حتى على اراذل الامم واحطها ثمن بخس مقابل بقائهم في مجالسهم وتمكينهم لمصالحهم .  

ورغم الحضارة والمدنية التي يتشدق بها العالم تظل المصلحة هي الذراع الطولى واليد الخفية وراء كل المواجهات الواقعة والمتوقعة ، فالنزاعات والحروب هي سنة كونية لن تنتهي بل قد تكون هي الخيار الاصح والأسلم والسبب الرئيسي لسيادة العدل وطريقا لرد الحقوق وتأمين الحدود وعلاجا جذريا لمشكلات لا حل لها بأيادي السلام البيضاء ولا ترانيم الامل ودعاوى الانسانية والتحضر يقول الله تعالى " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض... " وقديما قال الشاعر لغة السلاح تحل كل قضية فدع الكلام لجاهل يتشدق .

والناظر الى واقعنا يجد من الدلائل والبراهين ما لا يخفى على الصغير قبل الكبير ، فهاهي أمريكا تنتشر قواتها في ارجاء المعمورة لتأمين احتياجاتها من النفط واسقاط كل قوة ناشئة تظنها قد تنازعها المكانة كما حدث مع دول شرق اسيا وما تحيكه تجاه الصين وروسيا ، وكذلك تساند الصين كوريا الشمالية لتأمن المد الامريكي المتمركز في كوريا الجنوبية ، ولم تنتظر روسيا حلف الناتو ليداهمها بعد أن تأمر عليها مع أمريكا فكشرت عن انيابها بحرب خاطفة غير مبررة دكت بها جورجيا ليتراجع الحلف ويعيد حساباته من جديد ، حتى ايران تقف في المواجهة مع العالم كله لتكمل قوتها النووية ولو تحالفت مع الشيطان إزاء ذلك ، وكذلك تركيا مع الانفصاليين وباكستان مع الهند أما اسرائيل فحدث ولا حرج .

والسؤال الان أين نحن من كل هذا ؟

لقد وقف فهمنا للقرأن عند الأيات الداعية الى السلام وأبينا الاستشهاد من محكمه بما يستوجب اعداد القوة والردع ، وأضحى غير قليل من علمائنا باركهم الله بوقاً من أبواق السلطة ، بل على طول عمري لم أرى عرضاً عسكرياً واحدا ذا بال منقولا على الهواء منذ ثلاثة عقود ، ولا أعدها دعابة أن اسلحة الجيش باتت صدأة وأن تكلفة صيانتها أكبر من تكلفة شراء الجديد منها ، صرنا مطمعا للقاصي والداني بعد أن ركنا الى الدعة ودعونا الى سلام مر وفرطنا في حقوقنا مرة تلو الاخرى في قضايا أقل ما يقال عنها أنها تمس كرامتنا ومكانتنا وانظر الى ردود أفعالنا وتصريحاتنا المخجلة تجاة أزمات حقيقية نتعرض لها داخليا وخارجياً حتى وصل الأمر - بما فرطنا - فيه الى تهديد أمننا المائي و قتل أبنائنا وسحلهم أمام أعين العالم وناظريه دون محاكمات عادلة وبراهين إدانة ظاهرة ، وانتظرنا ليخرج علينا أحد الرعاة بما يشف صدورنا أو يشعرنا بأن لنا قيمة لديهم وأن حقنا لن يضيع كما ضاع من قبل ، لكن ما الضير في غنمة أو اثنتين يأكلهما ذئاب الحي أو حتى ذئاب غريبة ، فالقطيع كبير والرعاة لها الذئاب  

هكذا الحرب - إذا ما ذكرناها أو تعلقت بنا - رجوع عن المدنية وارتداد عن الحضارة وتملص من الإنسانية ، لكنها منحة السماء وقاطرة الديمقراطية وسبيل الامم الى اسقاط الطغاة والمتجبرين ومنتهى التحضر وهي الشرعية المحضة ورسول العناية الالهية ، واستجابة لنداءات الغوث وطلبات العون من أصحاب السيادة والقوة لأصحاب الحقوق المسلوبة والامان المفقود ، لها ما يبررها ويسوقها ويؤجج نارها ويضرم شرارتها ولو رأى المتخلفون أمثالنا غير ذلك ، لاسيما اذا ما بدأتها أمريكا وقادتها اسرائيل ، بل إن استعدادتنا وتجهيزاتنا ولو روتينية بسيطة هي إعلان حرب و قرارات إبادة ، لكن تجاربهم النووية وصواريخهم العابرة للقارات ومناوراتهم الواسعة المستمرة والتي تشمل تدمير واسقاط اهداف في بلاد بعينها ، مجرد دواعي أمنية وإجراءات سلامة وقائية .

ليس رجما بالغيب الحديث عن حروب متوقعة شئنا أم أبينا ، فكل المعطيات تفضي اليها – جنبنا الله ويلاتها – لكنني دائما ما أتذكر قول أبي لي ، مراراً وتكراراً ، حين يقول لي أن الاستعداد للحرب يمنع الحرب ، بل أراها حلاً لكثير مما يواجهنا ويحقر من مكانتنا ويقلل من شأننا ، فما أحسب أحداً يرى بأسنا ثم تراوده نفسه بالتعدي علينا أو التناوش معنا ، ولعل غيابنا عن الساحة - حتى لو لم يكن مقصوداً – سواء بما هو مصلحة شخصية دون مصالح العباد وتصريف شئونهم، حتى ترك الحبل على غاربه لكل سارق وطامع ، فضاعت حقوق الناس وأرزاقها ، أو لسوء تقدير للمخاطر وإذدراء للذات وتحقيرها، وعدم الشعور بالقوة الذاتية والإقليمية ، وضح جليا بالرضا بما وصلنا اليه والاستكانة التى لا تتأتى الا من ضعيف ، والاكتفاء بالشجب والتنديد حال الحاجة الى الفعل والترهيب ، هو ما أغرى بنا كثير ممن كان بالأمس يخشى ظلنا ، وهو ما يستدعي السؤال أي المائين أحق بالحفظ ، ماء النيل أم ماء وجهنا .

دمتم بخير

المصدر: شخصي
  • Currently 148/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
49 تصويتات / 407 مشاهدة
نشرت فى 21 مايو 2010 بواسطة lance

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

44,854