ولأننا لسنا بمعزل عن العالم وما يموج به من تغيرات وتقلبات تتسارع وتيرتها بتسارع الزمن وتتناسب مع تقدم علومه وتقنياته ، ولأننا من الدول المؤثرة على الاقل في محيطها العربي بصفتها الدولة الاكبر عددا والاقدم حضارة وتطوراً ، توقع الكثيرون منا أن نتمثل دورنا وما يليق بنا لنحل ليس فقط ضيفا على العالم المتحضر ولكن قائدا ودليلا له .

لكن الناظر الى واقعنا والمتابع لاحوالنا يجد عجبا ، فمن سيء الى الاسوء ومن تأخر الى تردي ، شمل كافة نواحي الحياة ، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، بل لم تسلم الاخلاق والتدين من هذا الانحطاط وذلكم التردي ، وقلما تجد بارقة أمل في جديد أو نموا ايجابيا ملموسا في جانب من جوانب حياتنا .

وليس مدعاة الى اليأس والاحباط ما يقره واقعنا وانقله الان بقدر ما هو تشخيص لحالة مرضية لا اظنها تستعصي حلا على عقول نابهة وهبها الله كثيراً من خلقه وجمعتهم في رحابها ارضنا الطيبة الامنة .

تلك العقول التي غيبتها سياسات قميئة واحكام ظالمة جائرة واعلام موجه لتخريبها ومسخها والة حرب وجدت لصد الاعداء ودحرها لكنها وجهت صوب صدور الاحرار الصادقين وجباهها ، طمعاً في ولاية وتثبيتاً لحكم أو جمعاً لأموال ومتاع .

إن حبي لبلدي وحزني ألا تتبوأ مكانتها الحقيقية وموقعها المستحق بين الأمم العظيمة والدول القائدة ، ولعلمي وعلم الاخرين اننا أحق الامم بالريادة والرياسة لا بالتبعية والانقياد يقض مضجعي ويشعله ويذهب بسعادتي وراحتي ، وكيف لا وهو موطن ابائي واجدادي ، ومستقري واماني ، وواحتي وبستاني ، ومعاش ابنائي واحفادي ، ومسكن احبابي وخلاني ، اضاف اليه وانسب له فيقال مصري ، أكرم بها اضافة وانعم به نسبا ، وطن لم يذكره رب البرية في قرآنه عبثاً ولا ذماً بل أهمية وحمدا .

لكن قدره أن يقف في وجه الردى وحده تحوطه دائرة من الاحقاد والاغراض وتحكمه على طول عمره وامتداد تاريخه شرذمة من الطغاة والظالمين - فرعون تلو فرعون - فإن انتهى من جهاد الاعداء خلص الى مجاهدة الطغاة والظالمين ، صدق في أهله قول الرسول الكريم أنهم في رباط الى يوم القيامة ، تلك الاهمية التي اوجبتها مصريتي وهذه الحمأة التي يستحقها وطني تستوجب علي وعلى كل مخلص لوطنه محب له أن يعمل جاهدا على رفعته وعلو شأنه ولو لم يملك الا لساناً يدع به لنصرته وتمكينه .

كل له فيما وصلنا اليه نصيب ، قل أو كثر تبعا لموقعه ومسئوليته واهتمامه وغفلته – لا ننكر سنة الله في التغيير والتبديل – لكن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وما أكثر وأعظم ما غيرنا وبدلنا بأنفسنا ، فلا نلومن الا انفسنا ولا نلقي بالتبعة على غيرنا .

هكذا هو الواقع تتجلى وتتضح صورته التي طالما عمل الاخرون على طمسها وتغييبها لتلوح في افق ضيق سجينة رهينة لكنها جلية لا ريب ولا شك فيها مهما حاول الظالمون خائني الأمانة والرعية تجميلها وتلميعها بغطاء كاذب براق وتصريحات خاوية جوفاء وتقارير وارقام مفبركة واحصاءات مضللة ، حقيقة لا يختلف على قسوتها وشدة وقعها اثنان بل لا تحتاج الى توطئة ولا مقدمات شعرها بل عاشها أغلب الناس مفادها أن واقعنا مر لا يبشر بخير وأن مستقبنا قد لا يقل مرارة عن واقعنا إذا لم نهم بالتغيير والتبديل وحالنا ابلغ من أي مقال .

العذر لنا إذا غابت عنا الحقائق أو ضن علينا الواقع بمرارته ، لكن الحقائق واضحة والتقارير مفصلة مسهبة من قريب ومن بعيد والواقع أكثر كرما علينا بمرارته من حاتم بضيفه ومجالسه ، فماذا بعد ضيق الرزق وشظف العيش وضياع الحقوق داخليا وخارجيا وهواننا على أنفسنا قبل هواننا على غيرنا ، إلا أن نحسو على أنفسنا التراب أو ننتظر معجزة من السماء تقيلنا فقد انتهى زمن المعجزات ، لكن زمن الجد لا ينتهي .

دمتم بخير

المصدر: شخصي
  • Currently 58/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
19 تصويتات / 170 مشاهدة
نشرت فى 12 مايو 2010 بواسطة lance

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

43,147