وقفت في ابهى ثيابها وأجمل حللها تنتظر خاطبها بعد غيبة طويلة لم تره ، فما تعودت منه هذا الجفاء وهذه القطيعة ، لقد كان لا يطيق صبراً عنها ، ما أحلى ما كان بينهما من عشق وارتباط ، ذابت معهما صعاب الحياة ومشاقها بل وصغرت امامهما لذاتها ومفاتنها ،
لكنه الان وان اتى فمتثاقل الخطى عكر المزاج كأنما يأتي على استحياء تمليه عليه واجبات تلك الصلة واداب هذه الرابطة ، لا حباً وشوقاً كما كان يفعل من قبل .
لابد أن في الامر شيئاً منعه عني وباعد بيني وبينه ، أهي واحدة اخرى ، كيف ؟؟ وانا الاجمل والاغنى والاعز والاعلى ، . كيف يرضى أن يبيع حبي له بحب واحدة اخرى رخيصة دنيئة .
نعم لم ينل مني مثل ما قد ينال منها فلست برخيصة لاهبه ما ليس من حقه ولا حقي ان يوهب ، لكنه إن صبر واجتهد سيجد معي ما لم يخطر بباله ولم تره عينه أو يسمع به بشر .
نعم مهري غال ثمين لا يستطيعه الا أصحاب الهمم العالية والنفوس السوية لكنني استحق ذلك وأكثر وما هي الا هنيهات ويحصل بي على النعيم المقيم والخلود الدائم .
نعم حاوطتني الخطوب والمكاره فأنا عزيزة اسكن في مكان عال لا يصل اليه الا من حقق مهري وثمني ، ساعتها أهبه نفسي وما ملكت كله بين يديه ورهن أمره
وعلى الجانب الاخر كانت واقفة هناك بالقرب من قارعة الطريق فتاة حلوة بهية ، وقد تهيئت وتفننت في ابراز مفاتنها ومغرياتها ، وقفت تعترض صاحبنا وتتحدى فيه أرادته وعزيمته ، وقفت لتبتلي ما في نفسه من ايمان وعقيدة ، ها أنا لك لا تحتاج الى مهر أو صداق لتحصل علي أو تنالني فقط ملكني زمام نفسك ودعها لي ، انسى التزامك وتدينك وتمتع فالعمر قصير والايام معدودة ، كيف تعيش مكبلا بأوامر ونواهي تمنعك من المتعة والنعيم ، اقتنص ما شئت وتجول ببصرك صوب ما شئت وخذ ما تطاله يدك ، لا تحبس نفسك بين سجن التذمت وجدران الالتزام ، وقفت تعترض طريق الخاطب وتنازعه حب مخطوبته بكل طريقة وبجميع الحيل ، وهو بين حب هذه والانقياد للأخرى هائم مذبذب ، تنازعته كل منهما من تفوز به ومن تحصل عليه فقد امسى لا رأي له ولا قرار ، مذبذب تارة يميل ناحية خطيبته وتارة اخرى يرغب بالاخرى .
وقفت مخطوبته تناديه انا لك انا جنتك لا تتركني فانا طريقك الى السعادة الابدية والهناء الدائم دعك منها فهي الافاقة الكاذبة ما هي الا مساحيق وجمال صناعي سرعان ما تظهر على حقيقتها قبيحة نتنة .
وصاحبنا قد صم أذنيه عنها ولوى عنقه نحو متعة عاجلة و شهوة بهيمية ملكت عليه عقله ووجدانه ، القى بنفسه في احضان الاخرى ، باع ما أحله الله له بثمن بخس واشترى به متاع زائل وعرض هالك وعارية مستردة ، خدعته ببريقها واستبرقها وحرها وحريرها ، ترك مخطوبته وارتمى غير مأسوف عليه في شباك اعدت خصيصا لامثاله ، لكنه سرعان ما اكتشف الحقيقة ، فقد زالت الاقنعة وسقطت اوراق الشباب واحدة تلو الاخرى ، لتتضح له حقيقة ما باع من أجله نفسه ، لتبدو الفاتنة الجميلة وقد طالتها يد الزمن وعصفت بجمالها ريح التغير والتبديل لتحل التجاعيد والشيب مكان الجمال والشباب ، بينما ترفل مخطوبته في ثياب الشباب وحلل الجمال .
يا حسرتي ماذا جنت يدي ، لقد ضيعت بحمقي سعادتي وهنائي وأبدلتهما حزنا دائماً وشقاء ، لو صبرت لنلت الرضا والسعادة لكنني تعجلت أمري واتبعت هواي ، لكن ولات حين مناص ، فقد سبق السيف العزل .
قد يسقط من حسابات احدنا انه مسئول ومحاسب ، او انه لن يمر على الصراط او يتناسى بين تداعيات الحياة ومشاغلها ان يلوم نفسه فيعرفها خطأها ويحذرها الوقوع في معصية ، او ان يتهاون في اداء واجباته المنوط بها فيمشي في الطرقات غير ابه لعرف أو معتبر لدين ، مثله مثل الانعام لا حياة الا الاكل والشرب والشهوة
شتان بين متفكر ولو كان أمياً وغافل ولو كان عالماً ، شتان بين من يزن الأمور بميزان الدين ويقيسها بمقياس الحلال والحرام وبين من يهيم على وجهه متبعا هواه لاغياً عقله وقلبه .
شتان بين من همه الطاعة ولو شغلته عن متاع الدنيا وأمتعتها ومن همه المعصية ولو شغلته عن تحصيل الاخرة ومتاعها .
دمتم بخير
المصدر: شخصي
نشرت فى 17 إبريل 2010
بواسطة lance
عدد زيارات الموقع
44,871
ساحة النقاش