إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
تختلف النظرة الاسلامية لقضايا وهموم الامة بكافة اشكالها ومراحلها لا سيما المتعلق منها بالازمات والكوارث ، اختلافا بينا عن نظيراتها من رؤى اخرين لا ينتمون للعقيدة الاسلامية - حتى لو سلمنا بتقدمهم وتميزهم في ادارة الازمات وتوفير الدعم للقائمين على ادارتها - .
فبينما ينظر الاخرون الى تلك القضايا بمنظور وظيفي بحت ودوافع مادية صرفة حرصاً منهم على مكانة اعلى واموال اكثر ، يعطي الاسلام تلك القضايا منظورا اخلاقيا عقديا خلافا للمنفعة المادية او الاجتماعية .
فالقيام على مصلحة الناس وحاجاتهم ودرء الضرر عنهم في ديننا – دون واجبات الوظيفة ومقتضياتها - ركن ركين من اركان كمال النفس وعلو شأنها ، يحرص عليه كثير من المسلمين ، كلٌ في نطاق قدرته ودائرة سلطته ، بل ربما استشعره حتى من لا يملك سلطة الادارة والتغير العام ، فينتهجه في حيزه الضيق وسلطته المتاحة ، كمساعدة المحتاج وإقالة المتعثر بل حتى في اماطة الاذى عن الطريق ، كل هذا بدافع ديني محض دون انتظار لجائزة او طمع في جزاء .
إن أول خطوات ادارة الازمات هو منعها من الوقوع او تخفيف اثرها اذا ما كانت الشواهد والمعطيات تؤكد أو حتى تشير إلى حتمية وقوعها ، ولأن كثيرا من الازمات والحوادث سببها الاهمال والتقصير في اداء كل فرد لوظيفته – الا المتعلق منها بالطبيعة وما لا صلة للانسان بوقوعه كالزلازل والبراكين والفيضانات – فقد عني الاسلام باتقان المرء لعمله والتفاني في ادائه ، يقول الله تعالى " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون .." الاية ، كما قرنه الرسول صلى الله عليه وسلم بحب الله حيث قال " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه " ولفظة عمل نكرة لتشمل كل أنواع الاعمال المرتبطة بدين الفرد أو دنياه .
ولا يتحقق هذا الاتقان حتى يكون الرجل المناسب في المكان المناسب وأن يعطى العمل لأهله و وخبرائه ، وانظر الى قوله صلى الله عليه وسلم " أنتم أعلم بدنياكم مني " ، أو كيوم الاحزاب حين نزل صلى الله عليه وسلم على رأي سلمان الفارسي بحفر الخندق وهو أمر غير معهود لدى العرب في هذا الزمان ، لكنه الرجل المناسب في المكان المناسب في شدة كشدة الحرب .
لقد كان ظهور الاسلام والعمل على تثبيت اركانه ونشره تحدياً في ذاته ، تغيرت بتغير حالته من الضعف الى القوة ، سبل هذا التمكين وادواته ، فمن دعوة في السر والخفاء الى الجهر والصدع به .
ولعل ثاني خطوات مواجهة الأزمة هو الصبرعليها وتهيئة النفس لقبولها أو دفعها ، فالصبر وعدم الجزع والهلع يعطي للانسان ثباتاً يمكنه من التفكير السليم والتصرف السريع المتزن ، لا تنهار معه قوى الانسان ولا يتوقف خلاله عقله عن العمل أثر الصدمة وما يعقبها من ذهول يذهب بالالباب ، فتنتج عنه قرارات وافعال متسرعة معظمها هو رد فعل بشري للحدث لا حلا وعلاجاً له .
ولن تجد أبلغ من قول الرسول الكريم " إنما الصبر عند الصدمة الأولى " ، كما لن تجد حلاً لحالة الهلع والتخبط هذه الا عند صحيحي الايمان ومقيمي الصلاة يقول الله عنهم " ان الانسان خلق هلوعا ، اذا مسه الشر جزوعا واذا مسه الخير منوعا ، الا المصلين ... " ، وقوله تعالى حاضاً على الثبات والصبر في اشد الازمات وقعاً " يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا .." الاية .
ثم يأتي بعد ذلك التفكير السليم والتدبر فيما حل من ازمات تفكيرا منطقياً يأخذ في اعتباره المستقبل ، لا يظلم معه أحد ولا ينتقص من حقوقه شيء ، كمن يواجه ازمة حالية بقرارات مستقبلية ضررها أكبر عما لوتركت بلا حل ، مما يبرز دور القائد وريادته فيما يتخذه من قرارات وحلول لا ينازعها معه أحد كالسفينة لا تحتمل اكثر من ربان ، يقول الله تعالى حاضاً على اتباع القائد وطاعته وانقياداً لأوامره ونواهيه " وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم .. " الاية .
ولا أدل على ذلك من صلح الحديبية ، حين رأى الرسول الكريم - ببصيرة من ربه - من الخير في الصلح ما لم يره الصحابة ، فكان القائد المستنير المدرك لتبعات قيادته وواجباتها ، الناظر الى المستقبل بعين فاحصة لا تخدعه الحيل ولا تنطوي عليه الاباطيل ، وإن اعتقد الكل غير ذلك أوعارضوه ، وحتى وان بدت قراراته ظاهرها ظلم للمسلمين ، لكن باطنها - وهو ما أثبتته الايام - هو فاتحة الخير كله وبداية النصر والتمكين .
بل تمعن معي قوله صلى الله عليه وسلم " اذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم " بما يحمله من معنى الترابط والاتحاد وحث على عدم الفرقة وتنازع القرارات والقيادة ، فتتوحد الجهود ولا تتفرق الطاقات ويعلم كل فرد في الفريق دوره وواجبه .
واخيراً التسليم بقضاء الله وقدره والرضا بما منع أو اعطى بعيداً عن السخط والتذمر ، بنفس مطمئنة وقلب مؤمن ، فيلملم الانسان شمل نفسه ويجمع عليها واليها راحة البدن واستقرار البال ، وينيخ راحلة التعب والجهد لينهض من بعدها بهمة جديدة وجسد قوي ، فما لا يدرك كله لا يترك كله .
دمتم بخير
المصدر: شخصي
نشرت فى 31 مارس 2010
بواسطة lance
عدد زيارات الموقع
44,879
ساحة النقاش