تخيل معي حال انسان ربط في ساقه كتلة حديدية ثقيلة لا يستطيع الحراك دون ان يجرها ، مربوطة في ساقه ليل نهار لا تفارقه ، لكن أحداً ما اخبره أن اليوم هو اخر يوم له في هذا العناء وغداً سيفك وثاقه ويسترد حريته .
وانسانا اخر يملك من المال والجاه ما لا يملكه غيره ، ينفق كيف يشاء يسعد بماله ويهنأ به ، لكن أحداً ما أخبره أيضاً أن غدا هو اخر يوم له في هذا النعيم وسيفقد ماله في نهاية هذا اليوم ليصير غدا بلا مال او جاه .
لا تستطيع أن تصف سعادة الاول بحريته وشقاء الاخر بخسارته ، وما هي الا ايام وينسى الاول شقائه وايام اخرى لينسى الثاني سعادته ، ليصير حال كل منهما هو ما يشعر به في تلك اللحظة وهذه الحالة التي يعيشها اليوم ، سعادة بعد شقاء وشقاء بعد سعادة .
فإذا سألت الاول عن حاله كيف كان والام صار يقول لك كانت حالي تعيسة لكنني اليوم سعيد وكذلك اذا سألت الثاني عن حاله فسيقول لك كانت سعيدة لكنني اليوم حزين .
اذاً فعمرك الحقيقي هو تلك اللحظة التي تعيشها الان ، هو هيئتك وحالك التي صرت اليها ، ما مضى بحلوه ومره لم يعد سوى ذكرى وأطلال بكيتها أم تباكيت عليها .
ان صروف الزمان وتقلبات الاحوال لا أمان لها تأخذ بناصية انسان الى الخير وتلوي عنق اخر الى الشر وتعصف به ، ولا خلاص الا بالصبر والمثابرة ، فبهما بعد توفيق الله صرف كل بليه والخلاص من كل رزية .
فاذا علم الانسان ان حاله تتفاوت بين السعادة والشقاء والغنى والفقر والقوة والضعف وآمن بأن المستقبل والغد لا يعلم ما فيه الا الله وقد كفل له فيه رزقه ، عاش مستقراً راضياً مقتنعاً بأن عمره هو يومه الذي يعيشه فيعد له عدته ويقدر له قدره ، فلا بكاء على ما فات ولو كان مراً ولا تحسر على ما مضى ولو كان حلواً .
بالامس كنت بين اهلى وصحابي لكنني اليوم في بلد اخر وحيد وغريب ، بالامس كان يصحبني ابي ماسكا يدي مبتسما الي ، لكنه غادرني وتركني فانا اليوم يتيم ، بالامس كنت اتمنى الحصول على جنيهات انفقها على نفسي واهلي ولا أجدها واليوم تمتليء بها محفظتي فانا اليوم غني ميسور، هكذا هي الدنيا لا قرار لها ولا ثبات ، نتقبلها كما هي ونعيش يومها كأنه هو اول ايام عمرنا نبدأه كل صباح طارحين الامس وراء ظهورنا املين في الله ان يكون أفضل من سابقه فربما لا يأت الغد .... واليوم هو عمرنا فقط .
دمتم بخير
المصدر: شخصي
نشرت فى 30 مارس 2010
بواسطة lance
عدد زيارات الموقع
44,879
ساحة النقاش