بين عشية وضحاها يستقطب العالم بين قوتين صاعدتين عقب حرب كانت متكافئة الى أن قال العلم كلمته وألقيت قنبلته الذرية الاولى والثانية على جزيرتي هيروشيما ونجازاكي باليابان ،ألقتها الداعية الاولى إلى حقوق الانسان المتشدقة بالانسانية والعدالة ، لتسود شريعة الغاب فليسكت الضعفاء ويتكلم الأقوياء ، ولما لا فقد تنصلت البشرية من بشريتها يوم اقتتلت وتناحرت كبرا وغروراً ، فالبقاء إذن للأقوى والضيم والهوان للضعفاء .

تنفس الجميع الصعداء فقد انتهت الحرب وانتصر فيها أكثر الناس زعماً للديمقراطية وأكثرهم مناداة بالحريات ، وها هم ينتظرون أن يوفي دعاة الحضارة والمدنية بوعودهم بصنع عالم أخر تسوده العدالة وتستقل فيه كل دولة بذاتها ، ولكن أترضى الصهيونية ذلك أيسكتون عن حلمهم بقيادة العالم والتحكم فيه تحت راية ابن من أبناء داود .

لقد خلصت الصهيونية بعد بحث وتمحيص ولقاءات ومؤتمرات عقدها قادتهم إلى أن السيطرة على مقاليد الامور والتحكم في مصائر الشعوب وقيادة حكامهم تبعا لما يوجهونهم ويرغبون انما يحكمه السيطرة على مقاليد السياسة العالمية بالاستحواذ على النظام المصرفي والتحكم فيه وكذلك باشاعة الفوضى والتشكيك في العقائد واشعال الفتن بين ابناء الوطن الواحد وتقويض دعائمه من دين ووطنية وقد كان لهم ما أرادوا ، ولسان الحال أفصح من كل مقال .

هكذا إذا هي بشائر النظام العالمي الجديد واضحة جلية تحت رعاية صهيونية وحماية أمريكية أروبية ،

العجيب أن أقرب أمة الى الاستقلال بالذات ونهج طريقة قويمة ثابتة للحياة بشقيها المادي والروحاني هي الأمة العربية ، فخلافاً لما يربطها من وحدة اللغة والمكان ، تملك تشريعاً الهياً كفل للجميع الكرامة و اشاع العدل بين جنباته حاثاً على العلم والبناء و مهيئاً مناخا مناسبا للعمل والابداع ما لا يتوفر لغيرها من الأمم والقوميات ، فكلها نسج نظرياته ودساتيره واتخذ منهجه وثوابته من عقله البشري القاصر ، إلا أننا كعادتنا لا نستطيع العيش بدون فلك ندور حوله وركن نستند اليه غير ركن الله نرتمي تارة في أحضان الاشتراكية وتارة أخرى نجري وراء الرأسمالية ، ينطبق علينا قول الحق سبحانه " أفحكم الجاهلية يبغون .. "
لم تزل تسيطر علينا عقدة الخواجة ، تحقيرا للذات وعدم تقدير للامكانات ، وإلا لماذا تخاف دول عربية سطوة أمريكا وقوتها وهي بعيدة عنها قارات ومسافات بينما لا تهابها دول ضعيفة كفنزويلا وكولومبيا وهي أقرب لفنائها من أحدهم لجاره .

لقد علا سدة الحكم خلال تلك السنوات أناس تربوا في أحضان المادية بلا هوية وجدانية تجعلنا رحماء بيننا اشداء على غيرنا ، بلا انتماء عقدي صحيح تنصهر فيه الشخصية الاسلامية مع الحياة المادية في بوتقة واحدة لتنتج قائداً يمازج بين قوة النفس والثقة بهويته ليصنع لنفسه وأمته شخصية مستقلة غير تابعة ولا مقلدة ، وبين الاخذ بدروب العلم ومسالكه لينهض بأمته ولو على خطى غيره ممن نجحت تجاربهم ، فصاروا كمن يقف وحده وسط فلاة واسعة يتلمس النجاة في أول مار به ولو كان معه موته وهلاكه ، وإن قام فلا يقوم الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس .

المصدر: شخصي
  • Currently 75/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
25 تصويتات / 159 مشاهدة
نشرت فى 22 مارس 2010 بواسطة lance

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

44,863