<!--<!--<!-- <!--
إن من عظيم قدرة الله تفاوت الخلق في التفكير والادراك ما يترتب عليه تباين الافعال والاعمال واختلاف التأويل والمقال .
ومن ذلك أن يفسر العالم ظاهرة معينة تفسيرا مغايرا لم يفسره غيره من العوام ، أو يرى الأولياء المخلصون في الإبتلاء نعمة وتمحيص فتطمئن به أفئدتهم وتلهث بالحمد والتسليم قلوبهم قبل ألسنتهم ، بينما يراه البسطاء انتقاما وإذدراء فتشقى باليأس والقنوط نفوسهم وتخلع حلة الصبر قلوبهم قبل ألسنتهم .
فهم ذلك كله أئمتنا من السلف الصالح ومن بعدهم علماؤنا ، فصار التعذيب والسجن بفهمهم رفعة ومتعة إذا ما كان في مرضاة الله أو إحقاقا لحق أوإنكاراً لباطل .
وانظر إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رهين القلعتين رحمه الله وهو في سجنه يوم دافع عن القرآن وزاد عن حياضه فجلد وسجن كدأب المصلحين على مر الزمان ، وما زاده ذلك إلا إيمانا ويقينا ، يقول " ما يصنع أعدائى بي ؟ أنا جنتى في قلبى، وبستاني في صدرى، أين رحت فهي معى، لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدى سياحة ، ويقول إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الأخرة .
يا له من فهم وياله من ايمان ، وما أعظمها من كلمات حقا لا تصدر إلا عن مثل ابن تيمية .
ان حقيقة الدنيا وجوهرها بفهم هؤلاء ، هي ما جعلت أبا بكر الصديق يتصدق بماله كله ولا يترك لعياله شيء ، لكنه أدرك أن ما عند الله خير وأبقى ، وهي ما أبكت عمر القوي مرات ومرات وجعلته يستكثر الخلافة على نفسه وهو من هو فيقول بخ بخ يا عمر .
إنها حقيقة يصغر معها كل متاع عظيم ويحتقر بجانبها وتتضائل أمامها كل غاية مهما سمت إلا طلب الجنة وذكر الله وما والاه .
فلا عجب إذا أن يترك المجاهدون اسرهم وذويهم ويحملون ارواحهم على أكفهم رخيصة أمام غاية أسمى وجائزة أكبر وأعظم ، ولما لا فقد فقهوا الحقيقة وبانت أمامهم سبيلهم وتكشفت عنهم غيابات طمست أعين الكثيرين عن رؤية الحق ومسلك الهداية .
ولا عجب أن تتقبل الخنساء أبنائها الاربعة شهداء في سبيل الله بقلب مطمئن ونفس راضية وهي تحت مظلة الاسلام وشريعته ، بينما سكبت من الدموع وكتبت من الشعر ما لم يسكبه أو يكتبه أحد من قبل في رثاء أخيها حين قتل وهي بعد لم يشرح الله صدرها للإسلام .
لا عجب ألا نفرط في الفرح ولا ألا نشطط في الحزن ، فمهما قست علينا لابد بها من فرج ومهما أضحكتنا فلابد تبكينا ، وبينما نتمسك نحن بحطامها ونتقاتل على فتات رمته لنا كأنما هي الاخرة والاولى ، ننسى أننا مخلوقون لا لنتمتع بهذه الدنيا أو لنقيم بها حياة أبدية ، بل نخطيء الفهم ونسيء التقدير فنعدها هي الحياة وهي المصير بل هي الجنة ، لا وسيلة وبلغة الى الاخرة ، حتى نعدم بجهلنا وحمقنا الغاية من وجودنا و ننشغل بما هو فان عما هو باق ، فتحار ألبابنا لا ندري لأي الجنتين نعمل ، لجنة فانية قليل متاعها ، كثير بلاؤها أم لجنة حقيقية فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
وفقنا الله لما يحب ويرضى
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ساحة النقاش