الحمد لله الكبير المتعال مكور الليل على النهار ، صدق وعده ونصر عبده واعز جنده وهزم الاحزاب وحده ، ونصلي ونسلم على خير خلقه واعظمهم قدرا وشرفا ، محمد صلى الله عليه وسلم ، نشهد أنه بلغ الرسالة وادى الامانة ونصح الامة وجاهد في الله حق جهاده حتى اتاه اليقين فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت به نبيا عن أمته ورسولا عن دعوته ورسالته
ثم اما بعد
بدأ عامنا الهجري الجديد منذ ايام قليلة خلت ، تذكر مجيئه من تذكر وغفل عنه من غفل ، يتجدد ويتجدد مع مشرقه ذكرى حدث عظيم كان فارقة في تاريخ الاسلام بل في تاريخ الامم جميعا ، نجى الله فيه نبيه وحفظ به رسالته وأنشأ من خلاله دولة عظيمة مهابة قوية .
والهجرة النبوية على تكرار الحديث عنها لا يمل من دراستها طلاب العلم ولا ينضب معينها عن البوح باسرار وعبر مرة تلو الاخرى .
وما احب ان اذكره كدرس تعلمته شخصيا من خلال اطلاعي على بعض الكتابات عن هذا الحدث الجلل ، هو ما توحي به الهجرة من اسلوب علمي وعملي وتوكل على الله واخذ بالاسباب حين العزم على اتمام امر ما .
بداية لا يستطيع ان ينكر احدنا قدرة الله تعالى على نصرة نبيه وعلى عصمته من الجهلاء والاعداء باسباب مادية او بدون اسباب ، بل كيف تتصور أن مستقبل الدين كله ومصير رسالة الله الخاتمة معلق بحياة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ولا يرعاه الله بعينه ولا يكلأه بمعيته ، إنه اختبار صعب وابتلاء شديد للجميع ، ولك ان تتصور ما كان عليه الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو يرى ما يحمله من عظيم الامانة وجليل التبليغ معرض لخطر الضياع والهلاك ، لذلك كان حرصه على حياته اكبر فهو رحم الدعوة ومبلغها ، لذلك اتخذ تدابير اعتبرها نواة لعلم الادارة ومنهجا لمواجهة الازمات والطواريء ، فجهز للرحلة أدواتها وخطط للرحيل ليلا وكفى نفسه المؤنة واستعان بالصحبة وكتم أمره وتوكل على الله ربه واستعانه واستنصره .
ان الله قادر على ان يحمل نبيه من مكة الى المدينة على جناحي الريح بل قادر على ان يبدل المدينة بمكة ان شاء لكن درسا اراده الله لنا جميعا وعبرة لابد لها من الوجود ، إن النصر يحتاج الى اسباب وبلوغ الغاية يحتاج الى جهد وتعب ، كأنما يقول لنا الله هاهو ديني ورسولي أغلى ما في وجودكم يصارع وحده ولو شئت لنصرته قبل ان يرتد اليه طرفه ، لكني اريدكم ان تعلموا من خلال ما سيلاقيه وما يتعرض له من أذى واخطار ان الحق غالب ولو علا صوت الباطل وأنك مهما كنت وحيداً في طريقك فلا يغررك كثرة السالكين خلافه مادام الحق معك ، وأن الدين منصور ولو تكاتفت عليه الدنيا وأني متم نوري ورسالتي ولو كره المشركون .
وهو ابلغ رد على من يصفون ديننا بالاتكالية والدروشة كما يقولون ، ولو كان كما يدعون ما أعد الرسول للرحلة عدتها وما تخفى وهاجر انتظارا لنصرة بدون سبب ، فما اعظمك من دين وما أكرمك من نبي حتى يحال بينك وبين صحابتك وتجتمع عليك قريش بأسرها وتمنح الجوائز والعطايا للنيل منك ، وأنت ثابت كالطود الشامخ قوي كالجبل الأشم .
لله درك يا رسول الله ، تسهر الليل تفكر في رحلتك وتجهز لها وينام أحدنا ملء جفونه حتى يبول الشيطان في أذنه ، تختبيء في غار في جوف جبل بين الحيات والعقارب وننعم نحن ونتنعم بدفء الدسر وأحضان النساء ، تمشي اياما وليال في وطأة الصحراء ونتفيء نحن ظلال الاشجار والازهار بين الحدائق والمتنزهات
لو ارادها الله لك ما تعبت ونصبت ، لو ارادها الله لك لحملك جبريل على جناحيه ، لو ارادها الله لك لجعل عاليها سافلها ومزقهم كل ممزق ، لكنك أثرت الاخرة علي دنيا فانية وعارية مستردة رضيت منها بكسرة خبز ونومة على حصير وخلفتها لهم يصولون ويجولون ويأكلون ويشربون لكنهم كالانعام بل اضل سبيل .
بأبي وأمي يا رسول الله ، طبت حياً وميتاً ، اللهم صلي على محمد واله الطيبين الطاهرين واحشرنا معه وتحت لوائه برحمتك يا ارحم الراحمين ،،،
المصدر: شخصي
نشرت فى 6 يناير 2010
بواسطة lance
عدد زيارات الموقع
44,871
ساحة النقاش