الحمد لله علام الغيوب وستار العيوب ، القلوب له مفضية والسر عنده علانية ، سبحانه جلت قدرته وسبقت رحمته غضبته ، نحمده سبحانه على حلمه بعد علمه وعلى عفوه بعد قدرته ، ونصلي ونسلم على خير بريته الهادي البشير والسراج المنير وعلى أهله وصحابته
أما بعد ،،،
غالبا ما اتسائل بيني وبين نفسي أبي نفاق أو رياء خاصة بعد كتابتي لموضوع معين اتحدث فيه عن الامانة مثلا ويأتي المستقبل واجدني مضيعا للامانة ، أو اتحدث فيه عن العفة وحفظ النفس والبعد عن الشهوات واجدني بعد برهة من الزمن احرص الناس على الشهوات واكثرهم تضيعا لحقوق الغير وأجرأهم على محارم الله .
ويوم أكتب ما يجول بخاطري مخلصا لا ابغي الا الافادة ولا ارجوا نفعا ولا شكوراً ، اعتقدها خواطر لما احسه وما اعانيه أو اعتبرها نصيحة من مجرب ربما لا يحب ان ينزلق غيره الى ما انزلق اليه من هاوية ، اكتب ما اكتبه حرصا على نشر الفضيلة ومكارم الاخلاق ، ولم يخطر بخلدي انني يوم خالفت أفعالي ما خطته يدي قد خالفتكم الى ما أنهاكم عنه شأن المنافقين والمرائين .
وخلصت إلى نتيجتين أولهما أن أنكفء على نفسي وانزوي بذاتي بعيدا عن الناس ، لا أتعامل مع احد حتى لا أخطيء ولا احث غيري على الخير لأني لا أتيه ، أولي وجهي شطر مغارة في قعر جبل عال بعيد أحيا حياة الرهبان والنساك ، وهو ما يتعارض وديننا الحنيف ، بل لا ترضاه الفطرة ويأباه العقل والمنطق .
والنتيجة الثانية أن التمس لنفسي العذر ، فما يكتب هو المثالية بعينها وهو الايمان الخالص واليقين التام قلما يصل اليه أحد من قريب أو بعيد ، فأنا بشر يعتريه العور والنقصان وتؤثر به حاجاته ورغباته ، ترفعه اخلاقه وروحانيته وتحطه دونيته وماديته يخطيء ويصيب ، يقاوم تارة وينتكس تارات أخرى ، وبين هذه وتلك يدور في فلك الحياة يتذوق حلاوتها ويتجرع مرارتها ، يصارع عنائها ويكابد مشاقها حسب ما اهتدى اليه من فكر وثقافة وقناعات تربى عليها أو اكتسبها ربما كانت خاطئة وربما كانت صحيحة .
والحقيقة ان النتيجة الثانية على حجيتها ربما تمثل دعوة إلى التراخي وعدم المقاومة ومغالبة الذنوب ودافعاً ليس بخاف على إستمراء المعصية واتباع الهوى وهو ما جعلني أتسائل هل وقوعنا في الخطأ – وهو أمر طبيعي بحكم اننا بنو آدم وكل بن آدم خطاء – يعني ألا ننصح لله ورسوله مظنة السوء بأنفسنا أو أننا لسنا أهلا للدعوة أو القيادة ، ثم ما هو معيار الحكم على فداحة الذنب أو حقارته وعلى أي قواعد أو قوانين قيس وقدر .
أعتقد أنه حتى لو جاء النهي عن اقتراف فعل معين من قبل من لا ينتهي أو صدر النصح من قبل من لا ينتصح لا يبرر ذلك ألا ننصح أو ننهى ولو من قبيل ارشاد الغير وتبصرتهم بواقع ربما جهله كثيرون ممن غابت عنهم علامات الطريق وتفرقت بهم السبل ، كالأب ينهى ابنه عن التدخين بينما هو يدخن لا يوده أن يقع فيما وقع هو فيه وإن بدا ذلك نوعاً من العبث أو الشطط .
هذه ليست دعوة إلى المعصية ولا وليمة للذنوب وليست ايضا تقليلا لخطر الهوى وشؤم الشهوات بل حفظاً من جلد الذات وبعداً عن إصر الجاهلية وأغلالها ، دعوة للقرب من الله بالقرب من عباده والنصح لهم ، مشاركة للناس في همومهم وقضاياهم ومعاصرة لمشكلاتهم وتفاعلا معها .
خلاصة القول أننا بشر لا عصمة لأحد من الخطأ ولا مناص من الذلل ، يستوي في ذلك عموم الناس وخواصهم ، وبحسب مكانة الخالق في قلوبهم أو استهانتهم بأوامره ونواهيه تختلف وتتفاوت ذنوبهم ، فمنهم من يرى الكبائر صغائر ومنهم من عرفه الصغائر مهلكات ، لا مفر من الخطأ وإن حاولنا الظهور بعكس ذلك فهناك من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، لا نوسم بخاتم العاصين ولا نحتاج صكوك مغفرة لنكفر بها عن خطايانا ، بل توبة واستغفار وتوجه الى العزيز الغفار بقلب منيب وندم على ما اقترفنا .
ساعتها نجد دافعا قوياً لنغير من أنفسنا ولا ننساق وراء شهواتنا ونتبع أهوائنا ، لأن هناك هدف أسمى وغاية أعم تتمثل فيما يحققه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو جاء ممن اسرف على نفسه وأوردها الموارد ولنتذكر معاً قول الله تعالى " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون .... " الاية .
وفقنا الله لما يحب ويرضى وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،،،
ساحة النقاش