كثيرا ما تساءلت ماذا حدث للمصريين . كيف تغيرت طباعهم من حال إلى حال فى وقت ليس بالكثير ، كيف تغيرت ظروفهم المادية من الأسوأ إلى الأفضل وكيف تراجعت الأخلاق إلى هذا الحد. كنت أسمع كثيرا ممن يحيطون بى من الأجيال السابقة (القديمة) عن سماحة المصريين وشهامتهم ووقوفهم مع بعضهم البعض فى الأزمات وقدرتهم الهائلة على تحمل الظروف القاسية مهما طالت ومهما شقت عليهم. وهذا على العكس تماما مما يحدث الآن فالأوضاع تغيرت تماما عما كانت ، حيث أصبحت المظاهر هى الشغل الشاغل للمصريين. السطحية هى الصفة الأقوى فى عالمنا اليوم. المصلحة الشخصية هى أولى الأولويات لكل مصرى. السباق مع الزمن هو الهدف الأكبر . التوتر والعصبية والتسرع من الأصدقاء المقربين له . الرضا والقناعة والسماحة والكرم من أشد الأعداء بطشا وتدميرا  فى عالمنا اليوم.  

هذه هى الحقيقة التى سيدركها من استيقظ اليوم بعد نوم استغرق خمسون عاما. ما الشئ الذى طرأ على المجتمع المصرى ليتبدل حاله بهذا الشكل المرعب ، السؤال الذى خطر فى ذهن الكثيرين . وتعددت الاجابات فكان من بينها غياب الأخلاق ، والصرع المادى ، والقنوات الفضائية ... وغيرها من الاجابات التى لا نعلم إن كانت صحيحة أم لا.

منذ فترة قليلة سمعت عن كتاب باسم (ماذا حدث للمصريين) للمحلل الاقتصادى [جلال أمين] بحثت عن الكتاب على صفحات الانترنت حتى عثرت عليه بعد صعوبة وبعد وقت طويل من البحث على غير العادة ، قرأت الكتاب ولم يكن لدى خلفية مسبقة عما يتحدث عنه ، وبمطالعة الصفحات الأولى من الكتاب شعرت بأننى على وشك العثور على ما كنت أبحث عنه (إجابة السؤال) ماذا حدث للمصريين؟

أعجبت كثيرا بما ورد فى الكتاب لأنه ولأول مرة أجد من يتناول أحوال المجتمع المصرى بأسلوب واقعى غير متكلف لا يتحدث عن احصائيات أو أرقام ترهق القاريء ولا كلمات متفلسفة أو مفاهيم تحتاج إلى مطالعة كتب أخرى لفهمها . الكتاب كان فى غاية البساطة يتناول مراحل تغير المجتمع المصرى منذ قيام ثورة يوليو وحتى أواخر التسعينات.

ولأننى لمست أهمية هذا الكتاب أردت أن أطلعكم على أهم الأجزاء التى يتناولها فى عدد من المقالات القادمة بإذن الله لمن أراد الملخص ، أما من يرغب فى قراءت الكتاب فيقوم بتحميله من المرفقات.

أعتذر عن الإطالة

بسمة أحمد

**********************************************

المقالة الأولى

يتحدث الكاتب عن الأزمة (المحنة) فى الاقتصاد أو المجتمع أو السياسة أو الثقافة ، مثل محنة الاقتصاد المصرى ، أو تدهور الأخلاق والقيم ، أو مأزق السياسة فى مصر ، أو انحطاط الثقافة المصرية  ... إلخ.

ويرجع السبب فى كل هذا وفقا لكثير من التفسيرات إلى سياسة الانفتاح الاقتصادى التى بدأت فى السبعينات فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات هذه السياسة القائمة على فتح الباب أمام السلع والاسنثمارات الأجنبية وإطلاق حرية الاستهلاك للمصريين ، وسحب دور الدولة ليدها من مختلف صور التدخل فى القرارات الفردية وتخليها التدريجى عن كثير من مسئولياتها الاقتصادية والاجتماعية ... إلا أن الكاتب أوضح أن هذا السبب غير كاف لأنه وفقا للمثل الإنجليزى القائل: (إنك تستطيع أن تقود حصانك إلى النهر ولكنك لا تستطيع أن تجبره على الشرب منه) صحيح أن قوانين الانفتاح تسمح بحرية الاستيراد ولكنها لا تجبر أحدا عليه. لذا فهناك أسباب أخرى للأزمة من أهمها الهجرة إلى الخارج وبالأخص الهجرة إلى الدول النفطية التى لم تتصف بفضيلة واحدة ولم يكن لها أى أثر إيجابى على المجتمع المصرى ، فالهجرة هى المسئولة عن شيوع الاستهلاك المظهرى والترفى ، وازدياد الميل إلى الاستيراد ، والاتفاع معدلات التضخم ، وازدياد التفاوت فى الدخول ، وتفكك روابط الأسرة ، والانشغال بالكسب المادى ، والانصراف عن القضايا القومية.

والنتيجة المراد الوصول إليها من كل هذا هى أن كلا من الانفتاح والهجرة لا يمارس أثره فى مجتمع متجانس بل فى مجتمع منقسم إلى طبقات ، والتغير الذى يحدثه الانفتاح والهجرة فى سلوك الطبقات ينجم أساسا عن تغير وضعها النسبى فى المجتمع أو ما يسميه علماء الاجتماع بـ (الحراك الاجتماعى) Social Mbility وهو فى رأى الكاتب يعبر عن الحلقة المفقودة فى التفسيرات المطروحة لأزمة الاقتصاد والمجتمع المصرى.

وتمتد جذور هذا التغير الطبقى إلى ما قبل التسعينات.

 المقال التالى 

المصدر: basma ahmed

التحميلات المرفقة

lameesonline

basma ahmed

  • Currently 135/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
43 تصويتات / 1198 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

86,462