محطات مسرحية سلسلة مقالات عن تاريخ المسرح في البصرة محطات مسرحية (1) ذاكرة كانت وها هي د.كريم عبود جامعة البصرة / كلية الفنون الجميلة المشهد المسرحي في البصرة منذ بداياته الأولى يحمل في صورته وحوارا ته قيما وأفكارا وموضوعات عبرت وبشكل حقيقي عن عراقية وأصالة أبناء هذه المدينة ..تناقضان وجدل الحياة مكتوبة على صفحات هذا المشهد بخط واضح ..قارئها يستنبط أشرا قات في محطة وإخفاقات في محطة أخرى. لاشراقات يسير بنا فيها قطار المشهد حتى نصل بأمان إلى المقصد ..عندها نتلقى عرضا مسرحيا تتحد فيه الصورة مع الكلمة خالقة فضاء مشهد معبر عن إنسانيتنا. والإخفاقات يتوقف فيها المشهد في محطات فرعية يحتاج قطارنا إلى حركة كي يواصل الدرب فالمعوقات كثيرة إلا إنها لا توقف العجلة والاستمرار بالسفر نحو اكتشاف غاية المسرحيين البصريين يتنوع بتنوع أجيالهم والغاية هي خلق مسرح يحمل خصوصية المدينة ,عشنا معا جزءا من هذه المرحلة التي ما باتت أن تتوقف حتى لا ينقطع نفس المدينة عبيرها المعرفي والثقافي المنشور عبر سفرها ومحطاتها التي كتبت ذكريات المسافرين، وما بالنا إذا كانت الذكريات عن المسرح وهو التاريخ والإنسان . عشنا جزءا من محطات الازدهار كان المسرحي البصري يحضر من بيته قطع الإكسسوارات والملابس ويقوم بتنفيذ الديكور وخط الإعلانات عن موعد عرض المسرحية، وكانت القاعات موزعة هنا وهناك..قاعة التربية، حدائق نادي الفنون ،مسرح حديقة الأمة المفتوح ،مسرح نادي الاتحاد الرياضي ،قاعة المواني ،قاعة الفرز دق جامعة البصرة ،قاعة بهو الإدارة المحلية ..وكثيرة هي قاعات العرض في المدارس..فضلا عن بيوت الأصدقاء تحولت هذه البنايات ولاماكن إلى بيوت ثانية للمسرحين فلم يغادروها حتى في ظرف إسدال الستار عن العرض المقرر.يأتون إلى بيتهم الثاني يتشاورون لإنتاج مسرحية أخرى بهدف التواصل مع جمهور المسرح البصري ..من الذكريات مع هذه المجاميع وضمن همسات العشق المسرحي بين ألاحيه الممثلين يتوقف قطار محطتنا عند إحداها ..باب خلت منه أيادي المسلحين في تلك الأيام فلقد ملئه نور المسرح أزهارا وعطرا فواحا يجذب إلية كل المارة في هذا الشارع الساحر ..يسالون من وقف بالباب ..هل من عرض مسرحي هذه الليلة ؟ يتطلعون في الوجوه أولا وعلى الجدران ثانيا ..ففي الأولى ضحكة المسرحي البصري تستقبلهم وفي الثانية لوحة الإعلان تعطيهم موعد العرض القادم..هكذا كان جمهور المسرح على هذا الباب الذي كنا نقرأ فيه عبارات تعليمية تربوية وأخرى ثقافية..الدخول من هذا الباب صعب لأنه محراب والخروج منه صعب أيضا لأنه درس في التعلم..هكذا عرفنا المسرح من خلال هذا الباب ..أنه باب قاعة التربية..فجأة تحول هذا الباب إلى متحف للذكريات الميتة ،العجيب أن الناس عندما تدخل لهذا المكان الذي أسموه في حينه (لكي لا ننسى) فالشرطي الواقف أمام الباب بسحنته القاسية وبدلته الحاكية يفرض على الناس رسوم الدخول وهو يحمل البندقية يتفاجىء الجميع بأن المدينة الطيبة الزاهية أصبحت في هذا المتحف حطاما ..فيهربون عشنا جزءا من محطات ذكريات قاعة التربية..ذات يوم من أيام لقاء المسرحيين كانوا يتدربون على مسرحية في نهاية أيام التدريب ..الفرقة اسميها لأنها فرقة معطاة (فرقة مسرح التلفزيون ) المتابع لتفاصيل هذا التدريب يرى ثلاث أشخاص أسميهم لأنهم يمثلون ذاكرة حقيقية من محطات مسرح المدينة وهم (جاسم حمزة ،الحاج علي لعيسى ، خضر البدري) لا أستطيع أن اصف حب هؤلاء الثلاثة للمسرح لأنه روح تنطلق من أرواحهم النقية الطيبة ..ألا أنني أذكر طريقة المنافسة ما بينهم . إكسسوارات للشخصية المسرحية يوصي المخرج بجزء منها يضعها اليوم (جاسم حمزة) للشخصية التي يؤديها ،في اليوم التالي يقوم (خضر البدري من جهة والحاج علي العيسى من جهة أخرى ) بوضع إكسسوارات مبتكرة لشخصياتهم لغرض الإبهار أو الإظهار والإضافة …الجميل في الموقف كله أن (جاسم حمزة) لم يتوقف بل زاد على توجيهات المخرج بوضعه للاكسسوارت في اليوم الثالث لكي يتفوق على أصحابة في ارتداء هذه الاكسسوارت" . مسرح مليء بالفرح والضحكة الصادقة والصحبة . عشنا جزاء من حالة التوقف التي أصابت المسرح عندما فرض على الثقافة المسرحية في المدينة وفي البلد كله أنجاة سياسي شمولي لا يسمح لأي أحد أن يحيد عن طريقة..المسرح بيت الحرية فكيف لهذا البيت أن يكبل أهله بالأغلال. عشنا زمنا صعبا أيام الحرب والحصار ضاع فيها الفن الصادق..فلتجأ المسرحي البصري إلى الأسواق كي يعيش فباع الثلج(…) والسكائر(….) وأشتغل سائق تكسي (….) وباع المطاطة (….) فناننا أصبح يتجول في طرقات المدينة الموحشة في تلك الأيام بحثا عن قوته. أحدهم تخرج من معهد الفنون الجميلة بغداد في العام الدراسي( 1969-1970) جاء بحلمه من بغداد مدينه السحر والجمال إلى البصرة مدينة الحب والطيبة ليحقق في المسرح تطلعات هذا الحلم ..قال عن تلك الأيام الحالكة بل المظلمة ..قال أن المسرح مات ..أو قتل ، لافرق بين المفردتين ،لأنه غير قادر على أن يطعم أولادي ..سوف أغادر هذا الاختيار .قلت له بعد لحظه خاطفه اقتنصتها من اللقاء تذكرت فيها إنجازاته المسرحية التي ساهمت في تأكيد وتطوير التجربة الاكاديميه ورفدها في مسرح المحافظة ..قلت أنه اختيار فكيف تغادره ..بمعنى أنك تغادر ذاتك؟ (تدارك الرجل الفنان قوله السابق يخجلا بصري) قال : أعذرني عن المفردة (تردده وبدأ يهمس )..أغادر حلمي،ذاتي..بمعنى أغادر روحي (صمت فترة ثم واصل الحديث) بل سوف أتوقف ..وأنا أحلم في أن يحقق لي المسرح أمنيتي وأحقق له ما يتمناه .أنقطع الحديث مع المسرحي المتخصص بكلمات الوداع التقليدية ..مرت الأيام وآذ بي أراه يبيع الثلج في أحد شوارع المدينة العطشى مع أبنه ..حاصرته السلطة في حريته الفكرية عندما أراد أن يعبر عن رأيه ..وحاصرته الأيام الصعبة (ظنكته) عندما أراد أن يوفر لقمة العيش لبيته ..فأين المسرح وأين الامنيه؟ بعد هذه المحطات بين ذكريات الأمس وأهات اليوم ..نحاور الرواد الذين ماتوا (جاسم حمزة ،والحاج علي العيسى) نحاور الفنان الذي غادر البصرة بجسده ولم يغادرها بروحه فالروح باقية مع ذكريات المسرح ومحلة الموفقية وشركة نفط البصرة ومع الأصدقاء (خضر البدري)..نحاورهم جميعا ونقول إن أيامكم المسالمة الآمنة وضحكاتكم الصادقة ذهبت ولم تأتي أبدا فالمسرح الذي كنتم تقفون على خشبته وتفتحون أبوابه كأنه محراب الصلاة ..راح هو الأخر وضاعت قيمته في زحمة الأيام لم تتركه أيادي الأبناء العاق ..أبناء سرقت المسرح كما سرقت الجامعة ولم تبقي من ذكريات الأمس سوى الرماد.نحاور فناننا المبدع الصابر 00(أبا قيصر) نقول له .هل غادرت مهنتك الطارئة لتعود إلى حبك الأصيل تغازل في وحدة أفكارك معه واقع هذه الأيام وتحول غزلك إلى عمل مسرحي تعلمنا الحياة فيه ..لقد اشتقنا إلى حديثك عن المسرح والتجربة المسرحية والطموح ..فلقد قلت في أحد الأيام سوف لن أترك هذه العلاقة الروحية مع فرقة البصرة للتمثيل فهي أمنيتي ..نناديك ونقول لك أن عودتك إلى المسرح هي عودة للامان ..وصحوة لنا جميعا . هل نلتقي معا لنغنى للمسرح أغنية الإنسان ؟ (لو كان الحب كافيا لتغير كل شيء ) هل ننتشل ذكرياتنا الحلوة عن المسرح من وحل هذه الأيام الشريرة ؟ هل نتشبث بماضي المسرح في المدينة ونرسم من خلاله مستقبل حافل بالإنجازات المسرحية ؟ تتعدد ألاماني ..وتبقى ذكريات المسرح البصري أمنية أيضا.
  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 291 مشاهدة
نشرت فى 6 نوفمبر 2010 بواسطة kreem

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

13,314