الإرهاب الإداري : بداية فشل المنظمات
بقلم : أ . محمد الدكروري
"ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك"
يقول فران تاركنتون في كتابه ماذا علمني الفشل عن النجاح : “معظم المنظمات اليوم تستخدم برامج تقييم الأداء والملفات السرية لتسجيل أكبر عدد من أخطاء الموظفين ومحاسبتهم عليها ، والغرض من ذلك حرمان الموظفين من فضيلة ارتكاب الأخطاء ، أو إثارة الفزع والرعب في قلوبهم كي يحسنوا أداءهم ، وهذه السياسة قد تؤدى إلى تحسين الأداء على المدى القصير ، ولكنها على المدى الطويل بالقطع لن تحقق نفس النتيجة ، فالموظفون سوف يمتنعون عن مجرد التفكير في أية محاولة لأداء العمل بطريقة جديدة ومبتكرة “.
مازال بعض القادة داخل المنظمات يستخدمون أسلوب " الذعر والخوف " طمعا في أن يستجيب المرؤوس لرغباتهم ، وكأن الموظف عندهم مثل العبيد يقول سمعا وطاعاً ، ونسوا أن بدون هذا الموظف لن تقدم الخدمات علي أتم وجه وحال ، ولذلك قال عميد التسويق في العالم فيليب كوتلر " إن أردت أن تقدم أعلي الخدمات لعملائك فعليك أولا أن تحقق رضاء عميلك الداخلي ألا وهو الموظف ، ومن بعده قال علماء الموارد البشرية أن موظف سعيد = عميل سعيد ولما لا ؟ ! وهو الذي يحتك مباشرة بالعملاء ، ومع ذلك كله تري بعض القادة يستخدمون أسلوب الخوف مع الموظفين وإن سألتهم عن السبب تعددت الإجابات والهدف واحد وهو أن الموظف يستجيب دائماً لصوت العصا ، وأن العين الحمراء تجبره على السير في الاتجاه المرغوب ، وكأن الموظف لدي القائد ما هو إلا جنديا أتي لأداء الخدمة العسكرية ، ولاشك أن هذا النمط القيادي عفي عليه الزمن وأصبح أسلوبا لا يليق بمستوي القيادة الحكيمة ، فيا أيها المدير الحصيف تعلم فن التعامل مع موظفيك لكي يكونوا لك عونا في طريق النجاح ، ولنا في قصة الرياح والشمس عبرة حينما ادعي كلا منهما أنه الأقوى من الثاني فقررا أن يتسابقا في إجبار رجل مسافر على التجرد من ثيابه ، والذي ينجح في تحقيق ذلك يعترف له الآخر بأنه الأقوى ، المحاولة الأولى كانت للرياح التي هبت بعنف لتنزع الثياب عن الرجل ، لكنه تمسك بقوة بثيابه ، كررت الرياح المحاولة مرة أخرى بطريقة أكثر عنفاً ، فما كان من الرجل إلا أن تمسك بثيابه وبكل قوة ، أعلنت الرياح الاستسلام وجاء دور الشمس ، في البداية أشرقت الشمس بدفئها المعهود ، فقام الرجل بخلع سترته الفوقية ، اشتدت أشعة الشمس فقام الرجل بالتخلي عن إزاره الداخلي ، اشتدت أكثر فأكثر فاتجه الرجل إلى البحر كي يستحم وتجرد من كل ثيابه.
فيا مدير القرن الحادي والعشرين اعلم أن الإرهاب الإداري داخل المنظمات يقضى على ملكة الإبداع لدى الموظف ، ويفقده روح المبادرة ، فهو يشعر أن أي خطأ يرتكبه عن قصد أو غير قصد سيدفع ثمنه غاليا ً.
فليس بالعنف يستطيع الرئيس أن يقنع المرؤوس بالتخلي عن عادات تؤدى إلى حدوث أخطاء ، وليس بالعنف يستطيع الرئيس أن يفرض التغيير في المنظمة ، ولكن بالحب والوئام بين الرئيس ومرؤوسيه تتحقق أغلي الأماني المنشودة ، فبأقل الكلمات والعبارات تجعل من مرؤوسيك قادة لأنفسهم ، ولذلك قال أبو الإدارة " بيتر دراكر " أن الحافز المعنوي أغلي بكثير عند الموظفين من الحافز المادي " فما أسهل السبل التي تجعلك قائدا حكيما وحريصا علي جذب قلوب مرؤوسيك فاكتنز فرصتك قبل أن تضيع همتك ...... ولا تنسي أيها المدير الماهر أن العدالة في قراراتك هي ميزان الله في الأرض فيجب أن تكون عادلا بين موظفيك حتي يشعرون بالإنصاف إن اشتد عليهم الظلم من أحد ، فالموظف لديك لا يدع وقتا إلا و يقارن فيه نفسه بزميل له في نفس الموقع الوظيفي أو في منظمة مماثلة ، وذلك حتي يستشف مدي تواجد العدالة الداخلية والخارجية في المنظمة التي يعمل بها ، ولهذا فإني أتعجب حينما أري قائدا حصيفا يوقع الجزاء علي احد موظفيه ويتجاهل الآخر ، وعلي النقيض يمنح مكافآت لبعض العاملين ويمنعها عن الآخرين ، وإذا سألته لماذا ؟ تجده يضرب لك علي وتيرة " لأنه قبلك في المكان " وتناسى في ذلك أن الكفاءة والجهد هي أساس العطاء . كما تجد مدراء يمنحون الحوافز لمرؤوسيهم علي أساس الأجور ، ولا يعلمون مقدار ما قد يصيب البعض من العاملين بمرض الإحباط الوظيفي Job Frustration والتي ربما يخلق مشاكل تنظيمية نحن في غني عنها مثل مرض الانسحاب الوظيفي Job Withdrawalبنوعيه الجسدي و النفسي وذلك كله كان نتيجة أنه رأى أحد زملائه في العمل يُعطي حافزا لا يستحقه مقارنة بما بذله من جهد وعناء ، وإذا سألت عن السبب تري العجب العجاب وألسنة تتحدث عن فن الحوافز كأنهم "جاري ديسلر " في عصرهم الحالي وتناسوا جميعا أن فن الحوافز يعطي علي أساس المشاركة وليس علي أساس الراتب ، ولذا فأنا أتساءل .. كيف نسميها حافزا ونحن لم نفرق بين المتكبد في العمل والنائم في العسل .... ؟ !! ، لذا يجب فصل المكافآت أو العلاوات في جميع المنظمات عن الأجر الأصلي حتى تخلق روح الابتكار لدي المرؤوسين ، وتشعرهم أن الحوافز ما شرعت إلا لمن يعمل فقط وبكفاءة فليس كل عمل يعطي عليه حافز ، وقد صدق الله حينما قال " هل يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون " .
ويجب أن أشير لك أيها القائد أن الحوافز منها ماهو مادي ومنها ماهو معنوي ومقدار ما تمنحه للموظف يجب أن يكون علي قدر رغبته وليس رغبتك أنت ، فهناك موظفين لا يحبون المال بقدر ما يحبون شهادة التقدير منك ، وعلي العكس هناك من يحب المال أكثر من عينيه ، فلذلك يجب عليك لكي تثبتك جدارتك في المنح والعطاء ولكي يعلم كل مرؤوس أنك تفهمه جيدا وتريد أن تتقرب منه عليك أن تستشيره عما يحبه من حوافز ، ويجب أن يكون ذلك سرا – بينك وبين الموظف فقط – حتي يعلم مقدار اهتمامك به ، وبعد ذلك تعطي لكل ذى حق حقه ، وبهذا تكون قد اكتسبت فطنة الحب والتقدير لمرؤوسيك ونجحت أن تحول نفسك من قائد يحمل درعا وسيف إلي قائد يحمل حبا وعطاء .
محمد السعيد عبدالغفار الدكروري
معيد بقسم إدارة الأعمال
ر. ماجستير في التنمية البشرية
كلية التجارة – جامعة المنصورة
ساحة النقاش