إن تغذية الطفل تتعلق بذوقه الخاص إلى حد بعيد، وإن مبدأ اشتهاء الشيء أو الإعراض عنه مرتبط بحاجة الفرد إلى ذلك الشيء أو قدرته على الاستغناء عنه، فإذا كنت تشعر بحاجة إلى تناول السكر مثلا فإن ذلك يكون بسبب حاجتك إلى السكر، وإذا شعرت بنفور منه فذلك لأنك – في ذلك الوقت – لا تحتاج إليه، ولهذا نرى علماء التغذية يشددون على أهمية وجود (الشهية) عند تناول غذاء ما، ويعلقّون عليها أهمية كبيرة في تحقيق الفوائد المرجوة من التغذية.
وإن هذا المبدأ نفسه ينطبق على الطفل بصورة عامة، ولكن ليس معنى ذلك أن لا يتدخل الآباء، بل عليهم أن يشرفوا على التزام أطفالهم بنظام تغذية ينمي لهم أذواقهم بطريقة صحية وصحيحة. وإن يقظة الشهية معتمدة إلى حد كبير على طريقة إعداد الطعام وتقديمه.
وإن حس الطفل بالحاجة إلى الطعام فطري إلى حد بعيد ولذا يجب ألا نبدد فيه هذا الحس، بل أن ننميه حتى يصبح آلياً، بحيث يستيقظ جوعه في أوقات معينة ومنتظمة. فإذا ما استيقظ هذا الجوع نكون قد أعددنا له ما يلزم من طعام إعداداً حسناً.
وإذا كنا نعرف أشخاصاً يرفضون في كبرهم أن يتناولوا طعاماً ما، أو مادة ما، فأغلب الظن أن لهذا الرفض جذوراً عميقة في نفوسهم قد تعود إلى سن الطفولة، فإذا وجدنا شخصا يرفض تناول السمك، على علمه بفوائده، فعودة بذاكرته إلى طفولته، قد تعيد إليه ذكريات خاصة معينة، كأن يكون، مثلاً، قد عانى بعض المتاعب من فصل الحسك عن السمك، أو أن يكون قد ابتلع مرة حسكا أو أنه أكل السمك مرة مطبوخاً بشكل غير مناسب، وعلى هذا فيفضّل أن نحاول جهدنا ألا نترك في نفس الطفل ذكريات من هذا النوع تجعله ينفر من طعام بعينه، وهذا يستدعي منا اهتماماً بإعداد طعامه إعداداً يجعله يتقبله بشوق وشهية، ويجعل ذوقه ينمو مع الأيام بصورة متكاملة، لأن الخضار والفاكهة وكافة المأكولات لها ميزات وخصائص وخيرات تجعلها تكمل بعضها بعضاً، والغذاء الكامل هو الذي يحتوي على ألوان مدروسة من الطعام الذي يمد الجسم بما يحتاجه من فيتامينات وأملاح معدنية.
فلنعمل على أن تكون لأطفالنا أذواق مرهفة تجعلهم يقبلون على الخيرات إقبالاً جيداً.
ساحة النقاش