عندما توفي الرسام الإيطالي جيوتو عام 1337م, انقطع الاهتمام بإعطاء الموضوع المرسوم شكلاً نحتياً أي ما يسمى بـ (القولبة). وعاد أتباعه إلى اعتماد الخط الذي يحيط بمساحة ملونة بدلاً من دراسة الحجم, وتخلوا عما كان قد توصل إليه في التعامل مع البعد الثالث. لصالح الزخرفة والخط... وانتشر هذا الأسلوب حتى عم أوربا بأسرها في نهاية القرن الرابع عشر وصار يعرف بالأسلوب العالمي (إنترناشيونال ستايل).
ولكن عند بداية القرن الخامس عشر, ظهر رسام فلورانسي شاب يدعى توماسو غويدي, ويعرف بمازاشيو, ليدق نفير العودة إلى ما بدأه جيوتو.
نظراً لعمره القصير (1401 - 1428م), فإن اللوحات التي أنجزها مازاشيو قليلة جداً. حتى أن الخبير بيرنار بيرنسون ينسب إليه خمس عشرة لوحة فقط. واحدة منها (الصورة الجانبية لشاب). وعلى الرغم من استحالة الجزم بنسب أية صورة جانبية من القرن الخامس عشر إلى أي رسام محدد, فإن البراعة في (قولبة) الوجه كما تبدو في هذه اللوحة تعطي صدقية لحكم بيرنسون في نسبها إلى مازاشيو.
نرى في هذه اللوحة وجه شاب في مطلع العشرينيات من العمر, أجرد الوجه. وتشكل العمامة الحمراء الداكنة وملابسه السوداء مساحات لونية انتقالية ما بين بياض بشرته والخلفية السوداء. غير أن البراعة الكبرى تتمثل في رسم تضاريس الوجه بهذا الأسلوب النحتي.
العين والجفنان, الأنف, الوجنة, محيط الشفتين, الفك... الكل مرسوم بلون واحد يبهت هنا, ويقوى هناك لإظهار الأحجام المختلفة وانسيابيتها... وهو المنهج نفسه الذي اتبعه بعد مازاشيو كل عباقرة عصر النهضة في القرن الخامس عشر وأولهم ليوناردو دافنشي نفسه.
إننا لا نعرف شيئاً عن هوية الرجل, وإن كان مرجحاً أنه أحد النبلاء الشبان الذين رسمهم الفنان بناء على طلبهم, كما كانت العادة سائدة آنذاك, فمن المحتمل أيضاً أن يكون الفنان قد اختار هذا النموذج, أو وافق على رسمه, نظراً لما يمثله الوجه الخالي من الخطوط المحددة بوضوح مثل الحاجبين أو الشاربين, من صعوبة في تعامل الفنان معه ولا يمكن لغير الأسلوب النحتي هذا أن يعبر عنه بصدق وأمانة.
تبقى الإشارة إلى أن المدرسة التي استقى منها مازاشيو أسلوبه في التصوير الجانبي واهتمامه بالرسوم الشخصية المبسطة يعود في الدرجة الأولى إلى النقود الرومانية التي بدأ الاهتمام باكتشافها ودراستها في عصره, فأراد أن يعطي شخصيات زمانه صوراً تعبر بصدق عن ملامحهم الشخصية وتضفي عليها في الوقت نفسه سكوناً, كما وجوه الملوك القدماء المحفوظة على عملاتهم.

المصدر: عبود عطية/ مجلة العربي
  • Currently 25/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
7 تصويتات / 1162 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

58,612