لا شيء يستحق أن يعاش ، ما دامت القلوب هجرت أوكار الرحمة ، وتسللت في العمق ؛ حيث بدأت تشعر بإحساس الرتابة و الضياع ، وغاب الحنين إلى ألفة العائلة ، والأصدقاء ، و الذين أعتبرهم من أشد المقربين لي ، في زمن نذرة الإحساس بالآخر ؛ مهما اختلفت المسببات و عناصر بقاء الإنسان على وجه البسيطة ؛ لا أدري إن كان إحساسي خاطئا، وملتمس الحجة واهنا ، وقدرتي على استشعار الخطر ، لأني لا أملك حاسة سادسة ، تزكي موقفي في رصد سلوك الإنسان داخل زمن يفقد كل يوم إشارات الحياة ؛ ومهما تعددت أوجه الإختلاف بين عشيرتي و قبيلتي ، ومجتمعي الصغير ، وضمن مركبات النقص ، و الإنفلات ، تقع زمرة البؤر الساخنة في صدور من اعتقدوا أن حياتهم ولدت هكذا ؛ وهذا قدرهم المحتوم ، يعايشونه على قدر كبير من البراءة الناقصة في ترجمة هذا الكم الهائل من المكبوتات التي أفرزتها حالة التمدن، و إستهلاك ما طاب من أصناف المعلبات المدجنة ؛ بترك الفرد ضحية بطنه ، و البقية تأتي مع أمراض هذا العصر .
مرت الأيام و الأعوام ، و السنين دون أن أدرك أحقيتي في الحياة التي يملكها غيري ؛ ما دمت عاجزا على مواجهة نفسي ، خارج سياق الجرح الذي يشد صاحبه إلى الخروج من جسد عقيم ، يشعرك بالملل ، وعدم الرغبة في مواصلة ركب الفشل ٠ تكابد رحلة الحياة ؛ وأنت لم تحقق حلمك الصغير على دروب المغامرة المؤجلة بقرار وزاري أو مدونة تنظم نظام النسل في مجتمع الفحولة الزائدة ، ماذا تريد مني يا صاحبي أن أفعل بنفسي التي تسكن أقفاص صدري ، بدون حالة الإفراج عنها أو عقد إتفاق هدنة ؛ كي أرتب أفكاري ثانية بصيغة التمزق التي يعيشها الفكر العربي ، ضمن سياقات العودة إلى ما اتفقت عليه العرب خارج دائرة الضوء ، و الألوان الكاشفة لتاريخ المهزلة ٠
أنصح نفسي بالعودة إلى نفسي ؛ كي أرى وجهي ثانية يدخل غمار التجربة ، و محاولة البحث عن خيوط اللعبة السياسية التي أفسدت النفوس على حب وامتلاك حياة الآخرين بطواعية ، وحسن نية ، تضحك نفسي من خطاب المرحلة ، و أحاول من جهتي تطبيع العلاقة مع أطراف متناقضة في داخلي ؛ أتماسك من فرط الجرعة اليومية التي تشوه أفكاري الحالمة عن أرض لا تقبل إلا شرفاء المنازل العالية في أبراج التيه ، و الطقوس الراقية أمام قباب الرؤوس الدانية ، أحمل أمتعة السفر ، كلما اشتد بي العودة إلى مواطن الغربة الشافية من ألم المواطنة ، وطني وجه عملة زائفة ؛ ومن يحمي تربتي من أقدام الجنود على باب عكا وحمص و السهول الشامية تعصر وجع أمة .
ماذا تبقى مني لأكون عربي الثورة الفاشلة ، بكل مقاييس الحملة الإعلامية في صناعة بطل وهمي ، يمشي على خطى دان كيشوط أو ينهج سلوك جحا في اصطياد الفرص الضاحكة على ذقون المسارح المكشوفة ؛ لمن له سرعة البديهة ، و الحفاظ على تماسك المشهد أمام عنف القصف ، و الصور الفاضحة لسلوك الخيانة .
لا أريد أن أنتظر أكثر ، أكثر مما فات ، و ما سيأتي ، و المجهول الصامت فينا ، أحمل جرحي خلف الجبل ، عساي أجد ضالتي في وحشية الأماكن الموغلة في القدم ، و النبوءة القادمة تكشف عن وجه الحقيقة ؛ حيث تتغير الأشياء من تلقاء نفسها ؛ وهي تحمل عنا خلاصة القول في إرتكاب المعاصي ، والعدول عن فكرة الحلم العربي في أن نكون عرب الجزيرة ، ووجهاء الأندلس ، و خلفية المشهد تحدد حجم المقصلة ، ويظل الموت يدافع عما تبقى من حياة العزة و الكرامة في تخوم الأطلال الناطقة باسم الحجر و الشجر ، و الفتوحات الحالمة في تاريخ البشر٠٠٠٠٠
خليل الوافي ــــــــ كاتب و شاعر من المغرب
[email protected]
كتب بمدينة طنجة يومه الأحد بتاريخ 05/08/2012
ساحة النقاش