التعصب هو التشدد وعكسه التسامح ، والتعصب القبلي هو نصرة القبيلة وأبنائها سواء كانوا علي حق أو علي باطل ، وسواء كانوا ظالمين أو مظلومين.
وللتعصب أنواع كثيرة ؛ فمنه ما هو ديني ومذهبي وعرقي ورياضي وغيرها ، والمتأمل لأحوال صعيد مصر يجد أن المشكلة الرئيسية التي تقف حائلا بين أبناء الصعيد والتقدم والمستقبل المنشود هي مشكلة التعصب القبلي .. فهو أكثر أنواع التعصب انتشارًا وتأثيرًا في المجتمع ، وهو المرض الذي استشري في جسد المجتمع ، ولابد من التصدي له وعلاجه قبل فوات الأوان ، ولا مبالغة في ذلك .
ومن خلال قراءاتي للواقع المجتمعي المحيط وبالتحديد في مركز البلينا و برديس استطعت الوقوف علي بعض مظاهر وأسباب هذه المشكلة .
* مظاهر التعصب القبلي :
هناك مظاهر عديدة للتعصب القبلي ، مثل :
· مناصرة أي فرد من أبناء القبيلة بصرف النظر عن كونه علي حق أم علي باطل .
· إعلاء اسم القبيلة في كل المناسبات ؛ مثلا في المسيرات التي يتجمع فيها شباب القبيلة ويجوبون شوارع البلدة ويهتفون باسم القبيلة علي نغمات المزمار البلدي وقرع الطبول ، وهذه الظاهرة قد قلت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة ، وأيضًا يتضح ذلك في الذهاب لتقديم التهنئة في الأفراح أو تقديم واجب العزاء ؛ حيث يدخل كبير العائلة متقدما ومفتخرًا وخلفه أبناء قبيلته ، وأغرب ما في الأمر أن كثيرًا ممن يذهبون مع أقاربهم لتقديم واجب العزاء أو التهنئة لا يعرفون صاحب المناسبة ، فهم – ببساطة – لم يأتوا تقديرًا لصاحب المناسبة وإنما أتوا من أجل القبيلة أو من أجل التعصب القبلي الذي أصيبوا به منذ الصغر !! ، وأيضًا حينما يصل أحد أبناء القبيلة إلي مركز مرموق أو حصل علي درجة علمية كبيرة فتجد القبيلة تتحدث ليلا ونهارا عن هذا الإنجاز وينشرون ذلك في الإذاعة المحلية ، وتتعجب عندما تعلم أن صاحب الإنجاز نفسه لا تربطه بالقبيلة إلا الاسم فقط وبأنه ترك البلدة والقبيلة ويعيش في الخارج أو في محافظة أخري .
· المسميات القبلية مثل : فلاح – هواري – عربي – شريف - الخ ، تلك المسميات التي تنشط من وقت لآخر ، حيث يستخدمها البعض – بقصد أو بدون - من أجل تحقيق أهداف معينة ، في الانتخابات علي سبيل المثال ، وهي كلها مسميات باطلة ، إن دلت علي شئ فإنما تدل علي الجهل والتخلف والبعد عن الدين .
· التعرف علي الشخص والحكم عليه من خلال قبيلتة ؛ فعندما يتعرف عليك شخص يسألك ( انت من بيت مين ؟) وبذلك يتعرف عليك ويحكم عليك من خلال معرفته بقبيلتك في نفس الوقت بصرف النظر عن شخصيتك وأخلاقك وسلوكك.
· التفاف القبيلة حول مرشحها لمجلس الشعب ودعمه بشتي الوسائل ؛ فإذا ترشح شخص من القبيلة في أي انتخابات تجد أبناء القبيلة في الخليج يرسلون الأموال اللازمة للدعاية والمصاريف ، وأيضًا بصرف النظر عن شخصية المرشح ومدي صلاحيته لهذا الترشيح ، فهم لا يرسلون أموالهم الي هذا الشخص ، وإنما يرسلونها إلي القبيلة نتيجة للتعصب الذي يعانون منه.
· الثأر ؛ حيث يساعد التعصب القبلي علي إشعال الفتن والمشكلات بين القبائل ، ويحصد أرواح أبرياء قد لا يكون لهم ذنب إلا أنهم أقارب للقاتل أو المقتول .
* أسباب التعصب القبلي :
· منشأ التعصب القبلي هو التعصب الفكري ؛ أي أن أتعصب لرأيي وفكري فقط ولا أقبل حوارًا ولا نقاشًا طالما سيكون مخالفًا لرأيي وموقفي المسبق .
· والتعصب القبلي له تاريخ طويل منذ عصر الجاهلية ؛ حيث كانت القبيلة هي المحور الذي يدور حوله الجميع ، وعندما يظهر شاعر في القبيلة يقيمون الأفراح لأن هذا الشاعر سيروي أمجاد القبيلة ويعلي من قدرها أمام القبائل .
· إن أسباب التعصب القبلي مرتبطة بشكل كبير بأساليب التربية الخاطئة التي يتبعها الآباء والأمهات مع أبنائهم .
· سوء النظم التعليمية المتبعة منذ سنين ، وهو موضوع يطول شرحه لأنه يتعلق بالمناهج التعليمية ، وبالمعلم وشخصيته وثقافته ، وبالإدارة المدرسية ومدي اتباعها للنظم الديمقراطية في الإدارة ، والمحزن أن التعليم في مصر يعاني أشد المعاناة ، وبعض المعلمين يساعدون علي نشر التعصب نتيجة لإصابتهم بمرض التعصب منذ الصغر ؛ فالطفل يرضع التعصب قبل دخوله إلي المدرسة ، ويذهب للمدرسة ويتلقي العلم والمعرفة لساعات قليلة ، وفي المقابل يستمر في تعصبه نتيجة وجوده داخل إطار القبيلة ، والذي لا يجب الخروج منه .. هكذا ينشأ الفرد .. لذلك لا أتعجب عندما استمع إلي بعض المتعلمين وأصحاب المهن مثل الأطباء والمعلمين والصيادلة والمهندسين وتجدهم مصابين بالتعصب القبلي.
· عدم اهتمام الحكومة بالصعيد ، فلا يوجد مشروعات تنموية حقيقية يلتف حولها شباب الصعيد ، ولا يوجد انتشار للنوادي الثقافية والرياضية في القري والمدن .
· عدم وجود دور حقيقي للإعلام بأنواعه المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية
· ضعف دور المتعلمين (غير المتعصبين) والمثقفين في المجتمع ، فنجد كبير القبيلة يكون بالسن وليس بقدر العلم والمعرفة ، وأذكر أن أحد المتعلمين ذكر لي أن شيوخ وكبار قبيلته نهروه بشدة عندما أبدي رأيه في أمر كانوا يتناقشون فيه وقالوا له بأن يسكت وقال له كبيرهم ( اش فهمك انت ) ، فالمتعلمون بشكل عام والمثقفين – علي قلتهم – يؤثرون الابتعاد عن التعصب ولكن لا يواجهونه .
· النظام الأبوي في التعامل ؛ وهو نظام يقوم علي حب النفوذ والسيطرة وفرض الرأي ، فمن المعروف أن المجتمع الصعيدي يعلي من شأن كبير الأسرة ، والذي يتمثل غالبا في الأب والذي يمتلك سلطة مطلقة ؛ فكل كلامه ينفذ حتي إن كان خطأ ولا يقبل النقاش ، كل ذلك يرتبط - بشكل أو بآخر – بالتعصب القبلي.
· المنفعة الشخصية والحفاظ علي المصالح الشخصية ؛ فبعض المتعصبين يكون تعصبهم ناتج من منفعتهم الشخصية للقبيلة ؛ فعلي سبيل المثال وقوف القبيلة بجانبه إذا تشاجر مع شخص ما أو قبيلة ما، أ] أنه سيجد من يسانده في المواقف المختلفة .
كانت هذه بعض مظاهر وأسباب التعصب القبلي ، يتبقي لنا أن نبحث ونتحدث عن حلول لهذه المشكلة ، وعلاجًا لهذا المرض ، وهذا يحتاج إلي مقال آخر بإذن الله .
وفي النهاية أريد أن أسأل سؤالا وأتمني أن تجدوا له إجابة ..
لماذا لا يوجد تعصب قبلي في المدن الكبري وفي المناطق الراقية ، أو في الدول المتقدمة ؟!